لو أن هذه المنصة أقلعت عما تفعله!

الدار البيضاء اليوم  -

لو أن هذه المنصة أقلعت عما تفعله

سليمان جودة
بقلم :سليمان جودة

لا نزال نذكر أن فيلماً سينمائياً عربياً جرى عرضه الشتاء الماضي على الناس، وأنه أثار صخباً وقت وجوده في الأسواق، وأن السبب كان في حديثه عن أشياء ليست مما يصادف قبولاً لدى المشاهد العربي، وإنما هي أشياء تثير غضبه إلى حدود بعيدة، كما رأينا وتابعنا وقت عرض الفيلم.

كان الفيلم الذي أقصده معروضاً على منصة «نتفليكس» العالمية، وكان الذين لم يروا شيئاً في عرضه ولا في مضمونه المستفز قد قالوا ما معناه، إنه ليس معروضاً في دور السينما ولا على شاشة التلفزيون، وأن المشاهد لا يستطيع متابعته على هذه المنصة إلا من خلال اشتراك يدفعه من جيبه، وإن في إمكان الذين يعترضون عليه، أو على الأعمال الفنية التي من نوعيته، أن يتوقفوا عن الاشتراك في منصته التي تعرضه، وعندها سوف لا يتعرضون للفيلم إياه، ولا لأي فيلم تعرضه المنصة في المستقبل.
وكان هذا صحيحاً في جانب منه، ولكن القضية ليست بهذه البساطة ولا بهذه السهولة؛ لأن للأمر جانباً آخر يطرح تساؤلاً بلا إجابة عن السر وراء تمسك «نتفليكس» بعرض أعمال فنية، لا تقدم في الغالبية منها فناً لوجه الفن، بقدر ما تروّج لأشياء هي بطبيعتها صادمة للمشاهد الذي ينتمي إلى بلد عربي، أو إلى بلد إسلامي خارج الدائرة العربية المحصورة بين المحيط والخليج.
وهذه الأشياء تبدأ من المثلية، ثم تمر بالخيانات الزوجية كما حدث في الفيلم المقصود على سبيل المثال، وتنتهي بمحاولات تبييض وجه الإسرائيلي في العموم، وفي منطقة الشرق الأوسط بالذات. وأنا أقول الإسرائيلي ولا أقول اليهودي قاصداً؛ لأن علينا أن نفرق بين اليهودي كصاحب ديانة سماوية ضمن ديانات سماوية ثلاث نزلت من السماء، وبين الإسرائيلي كصاحب عقيدة سياسية لا تجد حرجاً، ولا تستشعر ذنباً، ولا ترى أي جريمة في السطو على أرض الغير في فلسطين من دون وجه حق!
وبالطبع، فإن هناك فرقاً شاسعاً بين أن تتحدث الأفلام المعروضة على هذه المنصة عن أشياء كهذه بطريقة عابرة، أو تتحدث عنها كقضية تناقشها في هدوء وعلى استحياء، وبين أن تكون مثل هذه الأشياء هي مما يميز الأفلام المعروضة عليها، وهي القاسم الأعظم المشترك بينها، وأن يبدو العرض ترويجاً لشيء محدد بين جمهور المشاهدين، أكثر منه طرحاً للشيء نفسه في هذا الفيلم أو ذاك.
وقد ضج مشاهدون كثيرون من تمسك القائمين على أمر المنصة بالمضي في هذه الطريق، وبدا الموضوع في مجمله غير مفهوم، ثم بدا في مرحلة من المراحل أمراً مقصوداً لذاته، وليس من المصادفات التي لا تدبير وراءها ولا تخطيط في سبيلها!
وعندما جرى افتتاح أعمال بورصة نيويورك في صباح العشرين من الشهر الماضي، فإن افتتاحها حمل مفاجأة غير سارة بالمرة للمساهمين في «نتفليكس»، وكانت المفاجأة أن أسهمها فقدت خلال ساعات ثلث قيمتها مرة واحدة، وهو ما لم يحدث لها من قبل على مدى السنوات العشر الماضية.
ولم تجد المنصة الشهيرة تفسيراً لما حدث، ولكنها حاولت تفسيره بأن السبب هو قرار إغلاقها على الأراضي الروسية منذ بدء الحرب على أوكرانيا، وكان التفسير الثاني أن المسؤولين عن الترويج للمنصة نفسها بين الناس وجدوا أنفسهم في الفترة الماضية عاجزين عن اجتذاب مشتركين جدد.
وكان السؤال هو عما إذا كان هذا العجز ناتجاً من عدم رضا المشاهدين عن محتوى ما تعرضه المنصة من أعمال فنية، أم أنه ناتج من أسباب أخرى!

وعندما تحدثت المنصة قبل أيام قليلة عن إلغاء عمل فني، كان الأمير هاري نجل ولي عهد بريطانيا سينتجه لها مع زوجته ميغان ماركل، فإنها كشفت للمرة الأولى عن أن عدد المشتركين الذين فقدتهم في الربع الأول من هذه السنة بلغ 200 ألف مشترك، وأن هذا هو ما يقول به إحصاء لأرقام المشتركين خلال هذه الفترة، قياساً على الفترة نفسها من السنة السابقة.

وهنا سؤال آخر هو: لماذا انصرف هذا العدد الضخم من المشتركين عنها وعن أعمالها بالأساس، وهل هناك علاقة بين هذا الانصراف غير المسبوق، وبين ما تروّج له هذه الأعمال من أفكار؟!... وإذا كانت هناك علاقة فهل هذا معناه أن انصراف المشتركين، والمشاهدين بالتالي، سيزداد في الفترة المقبلة؟!
هذه كلها تساؤلات باحثة عن إجابات؛ لأنه لا يوجد تفسير مقنع لخسارة الأسهم المفاجئة في بورصة نيويورك، ولا لهذا التراجع المفاجئ في أعداد المشتركين.
ولنا أن نلاحظ أن تراجع أعدادهم ليس مرتبطاً بمنطقة معينة في العالم، ولا هو مقتصراً على المشتركين في المنطقة العربية مثلاً، أو العالم الإسلامي خصوصاً، ولكنه تراجع في العموم بلا تصنيف للمشتركين بين السكان على سطح الخريطة الجغرافية للعالم!
وهو في هذه الحالة تراجع منطقي؛ لأن المشاهد العربي ليس هو وحده الذي يأنف أن يرى أفلاماً تروّج للأفكار المشار إليها، ولا المشاهد المسلم وحده هو الذي لا يستسيغها ولا يقبلها، ولكنه المشاهد الإنسان الذي يمتلك فطرة سوية، وضميراً حراً، وقلباً حياً، ونفساً لا ترى فناً من أي نوع في الترويج لما كان فيلم الشتاء الماضي يروّج له، ولما تروّج له باقي قائمة الأفلام والأعمال.
وليست هذه محاكمة أخلاقية للمنصة الفنية، ولكنها محاكمة إنسانية إذا صح التعبير؛ لأن أساس الكلام هنا ليس ما هو حلال ولا ما هو حرام لدى الإنسان العربي أو المسلم، ولكن الأساس لا يتجاوز ما هو مستساغ إنسانياً، وبصرف النظر عن ديانة الإنسان المستسيغ، أو جنسيته، أو لغته. فالطبيعة البشرية ترفض من تلقاء نفسها فكرة المثلية، وفكرة الترويج لها، ولا يحتاج الأمر من الشخص إلى أن يكون مسلماً أو إلى أن يكون عربياً ليرفض ذلك ولا يناقش فيه.
والطبيعة البشرية لا تقر الاستيلاء على أرض الغير من دون وجه حق، أياً كانت الأرض التي نبت فيها هذا الغير، ولا تحتاج الطبيعة البشرية إلى أن يكون الإنسان الرافض لفكرة الاستيلاء إنساناً مسلماً ولا أن يكون عربياً. القصة في حاجة فقط إلى أن يكون الشخص إنساناً مجرداً، وبصرف النظر عن أن يكون الذي استولى على الأرض بغير وجه حق إسرائيلياً، وبصرف النظر كذلك عن أن يكون صاحب الأرض فلسطينياً يسعى إلى قيام دولة مستقلة على أرضه في فلسطين.
ولو قامت إسرائيل على أرض القرم، كما كان يراد لها في البدايات الأولى من منتصف القرن الماضي، ما كان الأمر سيختلف، وكان الرفض للفكرة سيكون هو نفسه، وسيكون بالقوة نفسها؛ لأن الموضوع له مضمون يتصل بالقيم المستقرة لدى الإنسان كإنسان في كل الأوقات!
ولو قامت إسرائيل على قطعة من الأراضي الأوغندية، كما كان التفكير يتجه في مرحلة لاحقة لمرحلة القرم، ما كان الأمر كذلك سيختلف، وكنا سنتابع رفضاً لفكرة استيلاء الإسرائيلي على أرض الأوغندي، وللترويج لها، لا يختلف عن رفض استيلائه على أرض الفلسطيني!
ربما تكون «نتفليكس» مدعوة إلى أن تراجع أفكارها المدسوسة في الأعمال المعروضة على منصتها، وربما تكون مدعوة إلى أن تفعل ذلك سريعاً، لأن البديل ربما يكون في انفضاض ما يتبقى من المشتركين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لو أن هذه المنصة أقلعت عما تفعله لو أن هذه المنصة أقلعت عما تفعله



GMT 20:42 2025 الخميس ,07 آب / أغسطس

شاعر الأندلس لم يكن حزيناً

GMT 20:40 2025 الخميس ,07 آب / أغسطس

كي لا تسقط جريمة المرفأ بالتحايل

GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 00:01 2018 الأربعاء ,16 أيار / مايو

دجاج على الطريقة الصينية "دجاج كانتون"

GMT 22:00 2017 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

الارشيف الوطني ومشجب أسرار الدفاع الوطني

GMT 03:34 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

طرح منزل الكشافة بادن باول للبيع مقابل 3.5 مليون استرليني

GMT 16:43 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

متشرد يوقف "طرامواي’" الدارالبيضاء في الحي المحمدي المغربي

GMT 11:24 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الفنان حسن كامي والفنانون ينعوه برسائل مؤثرة

GMT 06:35 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر نفط عُمان يرتفع الى 71.14 دولار الخميس

GMT 12:44 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

هوجو جاستون يحرز ذهبية التنس في أولمبياد الشباب

GMT 07:00 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

ألوان ظلال الجفون "الصارخة" تسيطر على موضة الخريف

GMT 22:22 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

اكتشفي طرق سهلة و مريحة لتنظيف أواني الطهي

GMT 07:08 2018 الجمعة ,06 تموز / يوليو

تعرف على سبب تسمية الجامع الأزهر

GMT 04:42 2018 الخميس ,14 حزيران / يونيو

حجز أدوية مهربة وغير مرخصة في بني ملال

GMT 17:41 2018 الأحد ,27 أيار / مايو

نجوم الكرة يتعاطفون مع النجم صلاح

GMT 08:51 2018 السبت ,19 أيار / مايو

6 حلول فعالة لعلاج قشرة الشعر الموسمية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca