غاب كدولة وحضر كشفقة

الدار البيضاء اليوم  -

غاب كدولة وحضر كشفقة

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

يسألني الأصدقاء (خارج الجمهورية اللبنانية) لماذا لا تعود إلى بيروت؟ ويضيفون سريعاً، لا تقل إنك أيضاً تعاني من الكهرباء والماء والغلاء. لا، والحمد لله. ولكن كيف يكون طعم الحياة وجارك في العتم، وشعبك في الظلام، وبلدك في الذل والنفوس كئيبة ويائسة وخائفة من غدها بدل أن تكون في انتظاره؟ وأي أمل يمكن أن تأمل وليس للدولة أمام موت البلاد سوى هم واحد، هو وزارة الطاقة، التي هدرت مال الناس، وأدت إلى السطو على مدخرات أعمارهم، وجعلت البلد المريض الذي في النزع الأخير يلفظ آخر أنفاسه عند أقدام رجل واحد، هو مفتاح الحكومة وهو مفتاح الرئاسة وهو مفتاح المجهول.
لقد أمضيت معظم العمر هاجراً لبنان حالماً بالعودة إليه. وكنا نقول، شاعرياً أو حقيقة، نهاجر، لكن نعود لنموت في لبنان، والآن جميع الناس يهاجرون لكي لا يموتوا في لبنان. وليغنِ إيمانويل ماكرون ما شاء «بحبك يا لبنان»، ولتغن فيروز ما استطاعت «خذني ازرعني بأرض لبنان». خذيه، هو وأرضه وناهشوه وأرزه و«يا لبنان بحبك تا تخلص الدني».
خلصت الدني. وما بقي منها ليس أكثر من جمهورية تفيق وتنام كل يوم لكي تعرف إن كان هذا الرجل نائباً، أو وزيراً، أو رئيساً، أو وصياً. وإذ يفتش الناس عن الفتات في أكياس القمامة، وعن أقساط المدارس، يفتش السياسيون، بفجور لا مثيل له في التاريخ، عن مقاعد لأقفيتهم واقفية أزلامهم. ويتصالح المتعادون «الأزليون» في ثانية واحدة ويخاطبون القطعان كأنها مجموعة مغفلين.
لماذا تصرّين يا ستنا على أن نحبه حتى «تخلص الدني»؟ ماذا بقي من «هالدني» ولم يخلص بعد؟ أموال الناس؟ الطحين؟ أعصاب العالم؟ الأشجار التي لم تسنح لإقامة سدود جافة؟
غاب لبنان عن قمة جدة كدولة وحضر كشفقة. لم يكن في إمكان قمة «البدو» أكثر من ذلك، بعد ست سنوات من السياسة الخارجية التي وضعها ويضعها جبران باسيل. لم يعزل لبنان أحد، هو عزل نفسه. وزيره ذهب لتفقد أحوال المغتربين في «لاس فيغاس»، وليس في السعودية أو الإمارات أو الكويت، حيث نحو 700 ألف سند للذين لم يتمكنوا من الهجرة بعد. لكنهم لم ييأسوا. إنهم متمترسون على أبواب السفارات.
هل يمكن لإنسان أن يتخيل أن يصل بنا الأمر إلى أن نرفض فيروز ولبنانها وكل الفرح الذي غمرتنا به عبر السنين؟ لا يمكن رسم صورة أكثر عمقاً لما وصل إليه لبنان، أكثر من التخلي عن فيروز. هي وقصائد عاصي ومنصور. هي و«يا عصفورة الشجن». هي وكل ما شجت، وما شدت، وما وضعت لبنان على خريطة العرب.
طبعاً قمة جدة لم تكن في هموم الجمهورية. لقد اعتدنا منذ زمن على حياة القعر السياسي، والقمّة غربة كبرى علينا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غاب كدولة وحضر كشفقة غاب كدولة وحضر كشفقة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 11:51 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

أوروبا تضع الخطوط العريضة لإدارة "اتحاد الطاقة"

GMT 00:48 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

ستيفاني صليبا سعيدة بردود الأفعال عن "فوق السحاب"

GMT 01:07 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

اللون الزهري في الحذاء الرياضي أحدث موضة

GMT 08:45 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فريق الجمباز يعلن دعمه لضحايا الاعتداءات الجنسية

GMT 03:52 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

مرتضى منصور يكشف حقيقة عروض احتراف الشناوي

GMT 22:04 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

واريورز يُحقّق الفوز التاسع له على لوس أنجليس في دوري السلة

GMT 03:39 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي الإثنين

GMT 01:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

افتتاح المعرض الدولي والأشغال العمومية في الدار البيضاء

GMT 14:49 2015 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

العبي دور الزوجة العشيقة

GMT 22:47 2016 الخميس ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تعنيف مغربية حاولت التقاط الصور من داخل طائرة تونسية

GMT 13:33 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب اتحاد طنجة بادو الزاكي يقترب من الرجيل عن الفريق

GMT 13:43 2015 الجمعة ,30 كانون الثاني / يناير

إطلاق سراح عامل مصري كان مختطفا في سرت الليبية

GMT 01:06 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الملكة رانيا العبدالله تزور مخيمات للروهينغا في بنغلادش
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca