الرتّاق: وجهان وصوتان

الدار البيضاء اليوم  -

الرتّاق وجهان وصوتان

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

في المرحلة نفسها اشتهر في الولايات المتحدة مهاجر ألماني يهودي هارفاردي آخر، هو هانز مورغنثاو. وكان الاثنان على صداقة شخصية وعلاقة فكرية عميقة. لكن مورغنثاو ذهل من موقف صديقه الأخلاقي عندما يقول له في اللقاءات الخاصة إن حرب فيتنام خاسرة، لا يمكن الدفاع عنها، ثم يخرج على الإعلام في اليوم التالي لكي يقول العكس تماماً.
معظم القرارات الحربية في كمبوديا، حملت توقيع كيسنجر شخصياً. كتب مورغنثاو يومها أن كل ذلك كان نتيجة سوء التقدير في حسابات كيسنجر حيال قوة من الدرجة الرابعة بالمقارنة مع أميركا. وقال جون كيري، وزير الخارجية لاحقاً، إن مشروع كيسنجر آنذاك كان يقضي بقتل 30 ألف جندي لكي يؤكد أن وفاة الثلاثين ألفاً الذين قتلوا لم تذهب سدى: وليلة الكريسماس 1972 شنت أميركا على فيتنام الشمالية أعنف غارات على مدى الحرب، مما جعل الدبلوماسي الشاب جون نغروبونتي (لاحقاً السفير لدى الأمم المتحدة) يقول «لقد مضينا قصفاً للفيتناميين الشماليين إلى أن قبلوا بتنازلاتنا». ولم يغفر له كيسنجر ذلك القول.
من أبرز الدبلوماسيين والمفكرين السياسيين تلك الحقبة كان جورج ف. كنان. هذا الإنسان كان يدعو دائماً إلى «احتواء» الشيوعية بدل توسيع رقعة الحرب الباردة والساخنة معاً. وكان كنان يدعو بعد نهاية الحرب الباردة إلى التوازن في القوى، كما دعا الرئيس بيل كلينتون بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى عدم توسيع عضوية الناتو ورقعته، وهي المسألة التي تثير كل الصراعات القائمة الآن. ويجب أن نلحظ الفرق هنا بين عبقري وأخلاقي كبير، وبين رجل في عامه المائة يرى الحل في اقتلاع بضعة ملايين من أراضيهم، وتجديد زرع الأحقاد إلى مائة عام آخر.
بعد خروجه من دائرة القرار، أتقن كيسنجر ما أتقنه دائماً، وهو البقاء في دائرة الضوء. ودائماً لقاء ثمن. وفي هذا الضوء لم يترك أي عمل عسكري أميركي لم يباركه، من بنما إلى العراق. وكل قرار سري أو علني لا تزال آثاره مطبوعة على علاقات أميركا الخارجية مثل قلب حكومة الليندي في تشيلي ودعم حكومة الجنرال أغوستو بينوشيه، أحد أسوأ وجوه التوحش الرهيب في أميركا اللاتينية.
أثار كيسنجر جدلاً دائماً، وسوف يظل. وما في الأمر إلا آراء وقناعات. فالتاريخ يُقرأ دائماً من زاويتين. على الأقل. والعام 2000 أصدر كريستوفر هتشنز كتاباً في صيغة محاكمة للرجل الذي اعتبره «مجرم حرب» وحمّله مسؤولية كاملة، أو جزئية، عن جرائم حرب في فيتنام وتشيلي وقبرص وبنغلاديش وتيمور الشرقية. ولم تتغير نصائحه إلى الآن: انقلوا الملايين من هنا... وشردوا الملايين من هناك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرتّاق وجهان وصوتان الرتّاق وجهان وصوتان



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:29 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

استبدال رائدة فضاء سمراء فجأة من بعثة "ناسا"

GMT 12:18 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

الغيطي يعترض على قيام سلفي بتحطيم تمثال في روما بلفظ مسيء

GMT 08:10 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

C3 إيركروس بديل مثالي لسيتروين C3 بيكاسو الشعبية

GMT 05:16 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تعلن أنّ الأطفال يرغبون في رؤية العقاب العادل

GMT 02:05 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لفتيت يؤكد ضرورة وضع قانون لتنظيم العمل الإحساني في المغرب

GMT 05:52 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

جيهان العلي تحتفل بعيد زواجها عبر صورة مع علامة

GMT 08:24 2015 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

ذوو سوابق يغتصبون فتاة بعد إجبارها على مرافقتهم في إنزكان

GMT 11:18 2014 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

اللاعب عمرو جمال مهاجم الأهلي رقم 23 عالميْا

GMT 03:58 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

إطلالة حمراء مثيرة للنجمة نيكي ويلان خلال حفل "غولدن غلوب"

GMT 03:55 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تاجر بريطاني يعرض 12 سيارة تاريخية للبيع
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca