طعم العزل

الدار البيضاء اليوم  -

طعم العزل

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

كان مطار بيروت «الدولي» الرابع في العالم من حيث الحركة، لأن الرحلات الطويلة لم تكن ممكنة بعد. ولذا كان ممراً إلى آسيا وأفريقيا وأوروبا. وكان السفر طويلاً وسهلاً معاً. ثم تكاثر المسافرون، وكثرت مشكلاتهم وكبرت مطاراتهم، وصار عليك أن تحضر إلى المطار قبل ثلاث ساعات بدل نصف ساعة. وصار تفتيش الحقائب عملية مضنية، خصوصاً تفتيش الركاب. ومع التوسع صارت معظم المطارات محطات قطار أيضاً. فقبل الوصول إلى بوابة رحلتك تنتقل بين محطتين وقطارين وتقطع المسافات وتدندن «ألا ليت الشباب يعود يوماً». وهو لا يعود ولا يوماً ولا شهراً ولا سنة.
ولكن لا مفر. إذا كنت مضطراً إلى السفر فأنت مضطر إلى كل هذه الإجراءات. وأنا أتقبلها طائعاً وممتناً، ولكي يطمئن قلبي. غير أن هذا الجزء من الرحلة يتضمن مشهداً مزعجاً للمسافرين الذين يصدف وجودهم إلى جانبي خلال مرحلة التعرية.
حقيبة اليد في الحزام الكهربائي، حسناً، حقيبة اليد في الحزام الكهربائي. ثم سترتك. ثم سترتي. حذاؤك. حذاؤنا. حزام الخصر! وتبدأ مرحلة صراع جميعنا في غنى عنها: سلطات المطار والمسافرون والموظفون. فقد خسرت في الآونة الأخيرة نحو 15 كلغ والحمد لله، وما إن أفك الحزام حتى يسقط السروال سقوطاً حراً ولا يعود في إمكاني الإمساك بتلابيبه مهما حاولت. أرفع من ميل ويسقط من ميل. وما كان أغنى حركة المسافرين الدولية عن مشهد صراع البقاء هذا، خصوصاً إذا كان قربك طفل يمسك بثوب أمه ضاحكاً وهو يشير إلى حالتك: ماما. ماما.
هل هناك أسوأ؟ نعم. أن تخرج من مطار، بعد القطارات والأحذية وصراع التلابيب والسراويل والبصمات والببابئ (جمع بؤبؤ)، وأنت معافى، وتخرج من الآخر وأنت «كورونا». عفواً، تدخل. لأن أمامك عشرة أيام من الإقامة الجبرية، كالتي كان عمر البشير يضع فيها قادة السودان وأبطال استقلاله وبناة الدولة التي دمرها العسكريون.
عاد الصادق المهدي من أوكسفورد حالماً بالسودان من أوكسفورد وحالماً بالسودان الجديد، وخرج جعفر النميري من الثكنة في أثره. لم تكن تعوزه النية الطيبة، لكن كانت تعوزه أوكسفورد. كل أسبوع أمضي في رحلة متعة وعذاب مع استعادة أستاذنا الدكتور عبد الرحمن شلقم، لحقبة الهباء والبدد التي مرت بها الأمة، كم كانت نيات أولئك الضباط صادقة ومعارفهم فجة. لا أعرف ما الذي يلحق بالآخر: سوء الحظ أم سوء المصير. ولكن النتيجة واحدة. بدأ العسكريون شيئاً لا نهاية له: التجارب. كل تجربة تلغي الأخرى. واخترعوا ثقافة العزل. وصاروا ضحاياها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طعم العزل طعم العزل



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 00:53 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

يومين راحة لدوليي الوداد بعد "الشان

GMT 04:12 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

رايس يدافع عن الإصلاحات التي تتجه تونس لتنفيذها

GMT 00:02 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

"كرسي معهد العالم العربي" يكرم المفكر عبد الله العروي

GMT 07:36 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

بسيمة الحقاوي تملّص الحكومة المغربية من فاجعة الصوية

GMT 13:23 2015 الأحد ,25 تشرين الأول / أكتوبر

خل التفاح والكريز علاجات طبيعية لمرض النقرس

GMT 05:00 2015 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الشمر والزنجبيل والبقدونس أعشاب للمرارة

GMT 02:45 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الممثل هشام الإبراهيمي يخوض تجربة الإخراج

GMT 20:41 2015 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

جامعة مراكش الخاصة تشتري كلية الطب في السنغال

GMT 13:26 2015 الجمعة ,17 إبريل / نيسان

فوائد صحية لاستهلاك البطيخ الأصفر

GMT 16:02 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

زيادة مبيعات "تويوتا" في أميركا خلال تشرين الأول

GMT 19:38 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

ملك المغرب يفتح ملفات شائكة مع ممثلة الاتحاد الأوروبي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca