الكورونا والشائعات

الدار البيضاء اليوم  -

الكورونا والشائعات

صلاح هنية
بقلم : صلاح هنية

نستطيع القول إن «الكورونا» احتل مواقع التواصل الاجتماعي، وشكلت هذه المواقع بالتالي حالة قادت الى تخوفات مبالغ فيها، أدت الى تفسيرات غير علمية وسلوكيات فيها خوف أكثر منه سبل وقاية حقيقية وعلمية، وتناغم هذا مع استغلال لهذه المشاعر عبر شائعات تفيد أن حالتين هنا وطالبات غادرن ضمن وفد مدرسي الى إيطاليا، وقامت الدنيا على افتراض أنهن مصابات، وبات الجميع يفتي بخصوص أماكن العزل ومدى ملاءمتها وكأن الجميع بات خبيراً ومختصاً.

وفي مثل هذه الأجواء تتقدم الشائعات والفتوى ويتراجع اثر الصوت العلمي المختص الذي بإمكانه أن يقدم معلومات واضحة جلية تظهر الأمور بحجمها، ويستمر السباق بين من هم ليسوا ذوي اختصاص وبين المختصين، فيتفوق الفريق الأول لأن أهل الاختصاص لا يصدرون رسائل الا بعد التأكد من محتواها ومدى توافقها مع الجهد الطبي الدولي، للتعاطي وجهود منظمة الصحة العالمية وتوجيهاتها، لذلك يتروون حتى يصدروا الرسائل ويعملون ميدانياً أكثر، ويشحذ المواطن المتأثر بالشائعات كل أدواته لينقض على أهل الاختصاص بأنه هو العادي سبقهم وقدم جهداً لم يتوافقوا معه!!!!

مشكلتنا ان المجتمع بجزء واسع منه بات يتعامل مع المرضى وكأنهم مصيبة وقعت من كوكب آخر، لا يريدونهم ان يكونوا في مستشفياتهم ولا العيادات التي يذهبون إليها، وحتى أماكن عزلهم يجب أن تكون بعيدة جداً حتى لو وضعت في صحراء قاحلة، وكأنهم مذنبون وليسوا مرضى مثل مريض القلب والسكري وضغط الدم، وهذا سلوك غريب عجيب على مجتمعنا الذي لم يكن يوما بهذا التوجه، بل كان يتعاطف مع المرضى ويعتبر أن الوباء ابتلاء من الله وليس قضية للتنصل من المرضى واتهامهم.خطباء المساجد ليوم الجمعة تفاوتوا في التعاطي مع «الكورونا»، منهم من اجتهد وقاس على حوادث تاريخية في التعاطي مع الطاعون مثلاً، والأحاديث النبوية وكيف تعامل الخلفاء الراشدون معه، وتعزيز قاعدة الا تلقوا بأنفسكم الى التهلكة بل الوقاية واجبة.

وفيما ينشغل المجتمع الفلسطيني بالكورونا ويتحدث الجميع حوله وينتظر العقلاء رأي وسلوك أهل الاختصاص، تذهب نقابة الأطباء باتجاه إعلان الإضراب والتلويح بتصعيد أكثر واستخدامهم لاستراتيجية جديدة جوهرها التقليل من قدرة المستشفيات على مواجهة «كورونا» وواقع التجهيزات الطبية، وإجوا يكحلوها فعموها، فأعلنوا الإضراب فوق هذا الوصف، وكأن المرضى أسرى لديهم لحين تحقيق مطالبهم النقابية، وهذا نتاج تنافس سياسي لأن الذين يقودون النقابة اليوم ممن رشحوا أنفسهم خارج قوائم حركة فتح وفازوا، بالتالي يرون أن هذا الإضراب سيؤدي الى نتيجة نقابية تعزز دورهم في نظر الأطباء.

كل هذه المعطيات بالامكان التعامل معها باستثناء سيطرة الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي وتحويله الى «مسخرة» والاعتقاد أن تلك «المسخرة» تخفف من وطأة الواقع على الشخص الذي يمارسها، وينسون أن المتلقي قد يصاب بالمرض افتراضياً من كثافة الإشاعة و»المسخرة» واقتباس مقاطع مصورة تثير رعباً أكثر من الفائدة وتصوير الكمامات والتعقيم والادعاء أننا لا نهتم بهذه السلوكيات مثل غيرنا، وخصوصا أولئك المحترفين في استلام قضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واستمرار التعليق حولها مرة تلو مرة، وعندما جاء «الكورونا» الى الساحة استخدموا ذات الأسلوب للتعاطي معه وكأنهم يتندرون مع بعضهم البعض أثناء تناول صحن حمص وينسون أنهم يتركون آثاراً سلبية على المتلقي.

وبدلاً من أن يتم التعاطي مع أي خلل بالإمكان حله بالصمت والمبادرة، يصبح موضوعاً لإخافة المجتمع من عيار الاتصال بإذاعة محلية وإبلاغهم أن مدرسة في موقع جغرافي لها يومين بدون مياه وحال الطلبة مصيبة، وفي ظل «الكورونا» أين هي الوزارة، أين المختصون؟ هل يجب أن يمرض الناس، وكأن تنك مياه بمبلغ بسيط بعجز قرية أو مدينة أو ميزانية مدرسة أو غيرها، فبدلاً من إثارة الذعر والتحريض على المدارس علينا بالمبادرة والتنسيق المجتمعي بدلاً من اللجوء للاعلام.

«الكورونا» فايروس يتعامل العالم باجتهاد للقضاء عليه، الا أننا لغاية اليوم لم نصل لذلك، وبما أن مجتمعنا متلقٍ ولن يكون مخترعاً ولا مكتشفاً للعلاج بالمطلق، بالتالي علينا الا نحمل انفسنا ما لا نحتمل ويجب أن نعتمد أساسيات الوقاية المنطقية دون هلع وخوف، وفي ذات الوقت هناك جهات اختصاص تتعامل مع الجهد الدولي وتتبع التعليمات وتطبقها في مجتمعانا، ونقلل الفتاوى القائمة على الشائعات أو إثبات الذات على حساب المجتمع وتخوفاته من انتشار الوباء، ولعلنا نصحو هذه الأيام ونجد الأطباء قد عادوا عن إضرابهم وشمروا عن سواعدهم لخدمة المرضى.

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

عن قضايانا المفصلية

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكورونا والشائعات الكورونا والشائعات



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 08:07 2017 الأحد ,08 تشرين الأول / أكتوبر

منحوتات باتريشيا بيتسينيني تحصد شهرة عالمية كبيرة

GMT 22:58 2014 الأربعاء ,06 آب / أغسطس

أفكار لاستغلال سطح المنزل في الصيف

GMT 17:10 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

سقوط قتلى وجرحى بسبب انطلاق موسم القنص في المغرب

GMT 06:25 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

علماء على بُعد خُطوات مِن إنتاج "أجنة صناعية"

GMT 06:36 2018 السبت ,30 حزيران / يونيو

الحكومة تتراجع عن الرفع من التعويضات العائلية

GMT 12:54 2018 الثلاثاء ,12 حزيران / يونيو

منتخب تونس لليد يستعد لدورة ألعاب البحر المتوسط

GMT 21:03 2018 الأحد ,15 إبريل / نيسان

توقيف 10 شباب من أصول مغربية في إيطاليا

GMT 06:27 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

أفضل الطرق للحصول على التغذية لشعر صحي وجذاب

GMT 18:23 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

مصر ضيفة شرف في الدورة 24 لمعرض الكتاب في الدار البيضاء

GMT 15:29 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

رافايل نادال يُؤكِّد انسحابه مِن بطولة بريسبان للتنس
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca