عن التخبط التركي في سورية

الدار البيضاء اليوم  -

عن التخبط التركي في سورية

محمد ياغي
بقلم : محمد ياغي

عندما تقصف الطائرات الإسرائيلية سورية من جنوبها وتقصفها تركيا من شمالها، أليس في ذلك إشارة ما الى أن هنالك شيئاً خاطئاً يقوم به الرئيس التركي، أردوغان؟عندما ينتقل الآلاف ممن يُسمون أنفسهم بالثوار من الحدود الجنوبية حيث كانوا يتمتعون بالدعم الإسرائيلي الى مدينة إدلب ثم تقوم حكومة أردوغان بحمايتهم ودعمهم، أليس في ذلك دلالة ما على أن السياسات التركية فيها الكثير من التناقض؟أو ليست تركيا هي التي فتحت حدودها لجميع «مجرمي الأرض» للانتقال الى سورية لمحاربة نظامها وإسقاطه؟

اعتقدنا في البداية بأن تركيا تراهن على انتصار ثورة تطالب بالتبادل السلمي للسلطة وبالكرامة الوطنية والإنسانية والعدالة الاجتماعية وأن هذا يبرر لها مواقفها من النظام السوري.لكن هذه الثورة فشلت بعد شهور محدودة على بدايتها، ومن أفشلها ليس قمع النظام فقط لها، ولكن جرائم «الثوار» أنفسهم بحق شعبهم بعد أن تم تسليحهم وتشكيل غرف عمليات لهم في أكثر من بلد مجاور لسورية بما فيه تركيا.هل نتحدث عن قتال «الثوار للثوار» على المال والسلاح والنفوذ الجغرافي؟ عن تبعية كل فصيل «ثائر» مهما كان عدده لدولة ما؟ هل كان بإمكان الحرية والكرامة أن يتحققا بوجود «ثورة» فيها أكثر من ألف فصيل عسكري يتلقون رواتبهم من مشغليهم غير السوريين وكل منهم يعلن دولته و»نظامه الإسلامي الخاص» على القرية التي تمكن من سحقها بأحذية عصابته؟

الثورة فشلت بعد أن تم تطييفها وتسليحها لتقتل كل من يختلف معها، وكان من المفترض على كل من يريد مصلحة الشعب السوري أن يقر بفشلها وألا يجعل من هذا الفشل نقطة انعطاف لدعم مجموعات «مجرمة» كل ما تقوم به هو تدمير شعبها ومؤسسات بلدها وإضعاف جيشها.نقول ذلك، لأننا لا نعرف حقيقة مصالح تركيا في كل هذه الحرب. لا تستطيع الادعاء بأن دعمها للجماعات الإجرامية هو من أجل حرية الشعب السوري ومصلحته. لا يمكن أن يصدق عاقل هذا الطرح بعد ان شاهدنا ما فعلته هذه الجماعات في كل قرية ومدينة تمكنت من السيطرة عليها.

تركيا لا تستطيع الادعاء بأنها تدافع عن أمنها القومي لأن النظام السوري كان مسيطراً على الجماعات الكردية التي تهدد أمنها. وجميعنا يعلم أن الآفاق لم تفتح للأكراد إلا بعد إضعاف الدولة السورية وقيام أميركا وربما إسرائيل أيضا بتدريبهم وتسليحهم بعد أن تركتهم تركيا لقدرهم أمام الدولة الداعشية «لتسبي نساءهم» وتبيعهم كالعبيد.تركيا لا تستطيع حتى الادعاء بأنها تريد حماية اللاجئين السوريين لأنهم لم يهربوا فقط من قصف النظام ولكن من قصف الجماعات المجرمة أيضا التي تدعمها تركيا نفسها، وهم رهائن هذه الجماعات اليوم في إدلب.

لو كان هدف تركيا توفير الحماية للاجئين السوريين لكانت قامت بالتنسيق مع الدولة السورية لوضعهم في مناطق آمنة داخل سورية نفسها وعلى حدودها، ولكانت قد قامت بحمايتهم بعيداً عن سيطرة الجماعات المسلحة المجرمة الى أن يتمكنوا من العودة لبيوتهم.الحرب في سورية انتهت بعد أن تم تجميع كل مجرمي الجماعات المسلحة في إدلب بهدف محاصرتهم قبل القضاء عليهم بالحرب أو الاستسلام، وأردوغان ومشغلو هذه الجماعات يعلمون أن هذه كانت خطة الدولة السورية وحلفائها الروس والإيرانيين منذ البداية. وحقيقة لا نعلم لماذا يتصرف أردوغان الآن وكأنه متفاجئ من قرار القضاء على هذه الجماعات.

ما الذي نعلمه ونعلم بأن أردوغان يعلمه ويتصرف رغم علمه بذلك بعكس مصالح بلاده؟نعلم كما يعلم أردوغان: بأن أوروبا وأميركا لن تقاتلا الى جانبه، وأنهما تريدان نظاماَ آخر في تركيا غير نظامه، وأن أوروبا لن تعطي بلده عضوية في اتحادها. ونعلم مثله بأن الخطر الأمني على تركيا قادم من وجود دولة كردية على حدود بلاده في سورية، وأن هذه الدولة قد تحصل على دعم أميركي أوروبي إسرائيلي إذا توفرت الظروف التي تسمح بوجودها.
لماذا إذاً وهو يعلم كل ذلك، يقوم أردوغان باستعداء روسيا وإيران والكثير من العرب أيضاً من خلال التدخل العسكري المباشر في سورية؟ أين مصلحة تركيا في كل ذلك؟ لماذا يحاول إضعاف الجميع بما في ذلك الدولة التي يرأسها من خلال هذا السلوك الذي يتصف بالكثير من البلاهة السياسية.

لا نريد أن ندعي ما يقوله البعض بأن أردوغان يطارد وهم إعادة الإمبراطورية العثمانية.الإمبراطوريات بشكلها القديم انتهت منذ الحرب العالمية الأولى ولا رجعه لها. الإمبراطوريات تأخذ اليوم شكل السيطرة الاقتصادية المدعومة بالقوة العسكرية، وهنا يمكننا الحديث عن الإمبراطورية الأميركية التي لا تسيطر على الأرض بقوتها العسكرية المباشرة، ولكن باقتصادها وثقافتها ونفوذها السياسي.ولا نعتقد بأن سياساته فيها حرص على العرب والمسلمين لأنها لو كانت كذلك، لقام بإرسال الآلاف من جنوده بمعداتهم العسكرية المتطورة الى الحدود الجنوبية لسورية لحماية أجوائها من القصف الإسرائيلي الذي تتعرض له بشكل يومي.

ما نعتقده حقا بأن لدى الرجل الكثير من الأوهام وضيق الأفق التي يبني عليهما قراراته:لديه وهم بأن بإمكانه أن يلعب على الحبال بأن يهدد أميركا بالتوجه لروسيا، ويهدد روسيا بالتوجه لأميركا.لديه وهم بأنه قادر على تحييد روسيا في سورية، ووهم بأن بإمكانه الانتصار في سورية إذا ما حيد روسيا.لديه وهم بأن بإمكانه اخضاع أوروبا لدعم سياساته إذا ما فتح حدود بلاده للمهاجرين لأوروبا.هذه جميعها أوهام. تركيا بلد مسلم له تاريخ في الصراع مع روسيا والغرب ولن يتم السماح له عن طيب خاطر بأن يتحول الى قوة تهدد أوروبا أو روسيا بمجرد اللعب على الحبال. في نهاية المطاف أميركا وأوروبا وروسيا بإمكانهم أن يتفقوا على إضعاف تركيا وتمزيقها إذا استدعت مصالحهم ذلك، وقد فعلوا ذلك قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها مباشرة.

ركيا يمكنها فقط أن تستفيد من التناقض بين المعسكرين الأميركي والروسي بحدود معينة، وهذه الحدود تمكنها من تطوير صناعتها وعلمها وتجارتها وسلاحها.تركيا يمكنها أن تقوى بتوسيع علاقاتها المسؤولة مع محيطها العربي والإسلامي التي تربطهما بها روابط التاريخ والثقافة والإسلام، وليس باستعداء إيران والعرب.إيران لن تسمح لتركيا بإسقاط النظام السوري مهما كلفها الأمر. هذا النظام استثمرت فيه إيران بقوة وهي خسرت على الأرض السورية من أجل الحفاظ عليه الآلاف من جنودها ومن مقاتلي الجماعات المؤيدة لها والبلايين من الدولارات، وإيران على استعداد في نهاية المطاف للدخول في حرب مع تركيا لمنعه من ذلك.

لا نعتقد بأن لتركيا مصلحة في حرب كهذه لأن المستفيد الوحيد منها إن حصلت لا قدر الله هم من يريدون إضعاف تركيا وإيران وتدمير ما تبقى من بلاد العرب.
ولأننا نعلم بأن أردوغان يعلم كل ذلك، فإن القليل من الخجل اليوم مطلوب منه، لأن سلوكه في سورية يناقض كل ما يدعيه من دفاع عن السوريين والقدس والمسلمين وحتى عن إرث الإمبراطورية التي يريد الحفاظ على أمجادها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن التخبط التركي في سورية عن التخبط التركي في سورية



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 18:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 00:01 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تتأهل رسميًا إلى نصف نهائي بطولة أفريقيا للريشة الطائرة

GMT 20:57 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

اختيار هشام نصر متحدثًا رسميًا لاتحاد اليد المصري

GMT 19:36 2018 الخميس ,03 أيار / مايو

ارتفاع أسعار تذاكر مباراة وداع فينغر

GMT 07:53 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

تعرف على قواعد اختيار هدية عيد الحب لشريكة الحياة

GMT 02:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المجلس الأعلى للقضاء يعاقب 15 قاضيا من مختلف المدن المغربية

GMT 06:17 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

جيجي حديد في إطلالة من الجلد في عيد ميلاد حبيبها

GMT 23:48 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

نجل "عبدالرؤوف" يكشف حقيقة حالته الصحية

GMT 06:50 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

الحزب الجمهوري يمدح إيفانكا ترامب ويشيد بمجهوداتها

GMT 12:46 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تنظيم الدورة الثانية للدوري الدولي لكرة الماء في الرباط

GMT 23:36 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي الأحد

GMT 07:43 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مدينة شَرِيش الإسبانية الساحرة الأفضل لقضاء عطلة الأسبوع

GMT 12:31 2015 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على جثة محروقة وملقاة في ضواحي مدينة فاس

GMT 15:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة بريطانية تعلن اكتشاف حقل جديد للغاز الطبيعي في المغرب

GMT 16:50 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

تأكد غياب لاعب برشلونة عن الكلاسيكو عثمان ديمبلي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca