لماذا تسيس تركيا ملف اللاجئين؟؟

الدار البيضاء اليوم  -

لماذا تسيس تركيا ملف اللاجئين

هاني عوكل
بقلم : هاني عوكل

من المؤكد أن ملف اللاجئين السوريين خضع للكثير من الابتزاز والتسييس من جانب تركيا التي تستضيف حوالي 3.6 مليون لاجئ سوري مقيم في أراضيها، بينما تمنع مرور آلاف اللاجئين من شمال سورية باتجاه الحدود التركية، في الوقت الذي تخطط فيه لإعادة من يقيم عندها إلى الأراضي السورية.قبل أن تفقد تركيا 34 جندياً قتلوا بقصف من قبل الجيش السوري شمالي إدلب، كان الرئيس رجب طيب أردوغان يهدد بفتح الحدود للسماح للاجئين السوريين بالعبور إلى اليونان ومنها إلى الدول الأوروبية، وظل يربط بين الدعم الأوروبي له سياسياً ومادياً وبين إغلاق حدود بلاده مع أوروبا.

أيضاً تزامن مع مقتل عشرات الجنود في إدلب، طلب تركيا من حلف شمال الأطلسي «الناتو» مساعدته عسكرياً في شمالي سورية، ولم يكن الجواب الأوروبي مقنعاً بالنسبة للقيادة التركية التي فتحت أبوابها لخروج اللاجئين السوريين من أراضيها باتجاه أوروبا، كما كان الحال قبل 2016 عام الاتفاقية الأوروبية- التركية التي وقعت في آذار من نفس العام بشأن تقنين توجه اللاجئين السوريين إلى أوروبا.الآن شرعت أنقرة كل أبوابها لهجرة اللاجئين السوريين منها إلى دول أوروبا، وفي حين كانت تشدد حركة تحركهم بين المحافظات التركية، فقد سهلت هذه العملية وذكرت العديد من التقارير الإخبارية إن باصات عامة نقلت لاجئين إلى الحدود التركية- اليونانية مجاناً، بعد أن كان على اللاجئ أن يدفع حوالي 100 دولار ثمن وصوله إلى تلك الحدود.

طبعاً هناك أهداف لتوظيف تركيا ملف اللاجئين السوريين، إذ تجده أنقرة وسيلة ضغط على أوروبا حتى تلتزم بتقديم مساعدات مادية تصل إلى أكثر من 6 مليارات دولار، وكذلك تعتبر القيادة التركية أن على حلف «الناتو» وهي عضو أساسي فيه، أن يساعدها في «الورطة» التي تعاني منها في مستنقع إدلب.الاتحاد الأوروبي لم يجد إلى اللحظة قناة مع تركيا لوقف هجرة اللاجئين، غير أنه عرض تقديم مساعدات مالية لليونان من أجل تحصين حدودها ووقف تدفق موجة اللجوء، وكان يمكن تقديم هذه المساعدات لأنقرة، إنما يفهم الاتحاد الأوروبي أن المساعدات المادية بالنسبة لتركيا وحدها لا تكفي لفرملة الهجرة.

ثم إن الاتحاد الأوروبي يدرك جيداً أن تركيا توظف ملف اللاجئين لحماية مصالحها، إذ علق مارجاريتيس شيناس أكبر مسؤول عن ملف الهجرة في الاتحاد على سياسة أنقرة بالقول إنها «ليست عدواً لكن الناس ليسوا أسلحةأيضاً». أيضاً يمكن القول إن مخطط القيادة التركية بخصوص ملف اللاجئين السوريين يقضي بإعادتهم إلى المنطقة الآمنة التي تنوي ترسيخها في شمال سورية.كل هدف تركيا في حشد وإرسال قواتها إلى شمالي سورية كان يتصل بمحاربة الأكراد وإبعادهم عن المنطقة الآمنة، والنغمة الآن تغيرت ولا نكاد نسمع عن تركيز القيادة التركية على ملف الأكراد، بقدر اهتمامها كثيراً بملف إدلب ورغبتها في الحصول على الإقامة الدائمة هناك.
وإذا لم تتمكن أنقرة من تحقيق أهدافها في إدلب وعانت كما تعاني الآن هناك، من المحتمل أن تضغط أكثر على أوروبا في ملف اللاجئين السوريين للحصول على ثمن مرض، علماً أن بقاءها في إدلب يترتب عليه كلف كثيرة، وهي كلف من الصعب أن تتحملها إذا ما بقيت هناك لفترة طويلة.

الآن قد يستعجل الاتحاد الأوروبي اتخاذ تدابير وإجراءات وقائية لوقف نزيف الهجرة إليه، وفي ذات الوقت من المرجح أن يفتح نقاشاً مع أنقرة لحثها على الالتزام باتفاقية 2016 وتعويضها مادياً، وربما يشمل النقاش التركيز على مساعدتها في إقامة منطقة آمنة شمالي سورية وكذلك مساعدتها بشأن نقل اللاجئين إلى تلك المنطقة.نتيجة ما يجري في إدلب وما يحدث مع اللاجئين السوريين أبدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل موافقتها على إقامة منطقة آمنة في شمال سورية، وقد يوافق الرئيس التركي  على ترك إدلب مقابل السماح له بإقامة تلك المنطقة وإدارتها من الألف إلى الياء، وأيضاً السماح بالوجود العسكري التركي فيها.

كل الضغط الذي تمارسه أنقرة في إدلب وفرد «عضلاتها» هناك قد يكون بدافع رسم حدود مناطق تواجدها في شمال سورية، مع إدراكها أن فكرة التصعيد العسكري لن يقود إلا لكارثة حقيقية، خصوصاً وأن روسيا كثفت مؤخراً من وجودها العسكري في سورية وأرسلت شحنات جوية وبحرية مرت كلها من البوسفور والأجواء التركية.أيضاً قد يعني رسم حدود وجودها، إعادة توطين اللاجئين السوريين من الذين يناصرونها في الشمال، باتجاه إقامة حزام ديمغرافي يخضع لها على حدودها، ولذلك يمكن القول إن ملف اللاجئين السوريين ومعه ملف إدلب قد يشكلان وسيلة الضغط التي تريد منها أنقرة ترسيخ وجودها جنوباً عن حدودها مع سورية بما يزيد على 30 كيلومتراً.
ما يجري حالياً هو ممارسة عملية الإخضاع، حيث في ملف إدلب ثمة ضرب من تحت الحزام بين أطراف النزاع السوري لتمرير هذه العملية –الإخضاع-، بينما في ملف اللاجئين تمارس تركيا الابتزاز لإخضاع الاتحاد الأوروبي بالموافقة على مطالبها، وكذلك الحال بالنسبة لأنقرة في هذين الملفين، توظفهما لجعل المجتمع الدولي بما فيه روسيا والحكومة السورية يقبلان بفكرة إدارتها للمنطقة الآمنة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تسيس تركيا ملف اللاجئين لماذا تسيس تركيا ملف اللاجئين



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 15:30 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

"4 FUN" من أطرف المطاعم في العاصمة التايلاندية

GMT 17:24 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جزيرة على شكل قلب غاية المتعة والمناظر الطبيعية الخلابة

GMT 13:55 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

أدخنة السجائر تزعج الكثيرين فامتنع عنها داخل السيارة

GMT 07:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على أهم أسباب قشرة الشعر في الشتاء

GMT 04:00 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

فاتي خليفة تعلن عن جمعية جديدة لمناهضة التحرش بالنساء

GMT 00:16 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

"المغرب اليوم" يوضح زلات لسان وأخطاء بعض الإعلاميين على الشاشة

GMT 15:20 2017 السبت ,28 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مميزة لجلسات خارجية في فصل الصيف

GMT 19:30 2016 الجمعة ,04 آذار/ مارس

طريقة تحضير كب كيك النوتيلا و الموز
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca