عن هذا الانحياز إلى الرواية الإسرائيلية

الدار البيضاء اليوم  -

عن هذا الانحياز إلى الرواية الإسرائيلية

طلال عوكل
بقلم : طلال عوكل

الخطوة التي أقدمت عليها ألمانيا يوم الخميس الماضي، وتمثلت بتقديم طلب رسمي للانضمام بصفة صديق للمحكمة الجنائية الدولية، تقدم نموذجاً إضافياً لمدى عمق، وخطورة أبعاد المخطط الصهيوني، وصلته الوثيقة بالاستعمار العالمي.انضمام ألمانيا في هذا التوقيت بالذات، ينطوي على سياسة ممالئة للحلف الأميركي الإسرائيلي وما يسمى صفقة القرن، الطلب الألماني تضمن موقفا يعتبر ان المحكمة الجنائية لا تملك الشرعية او الأهلية للبت في جرائم الحرب الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو ترسيم حدود هذه المناطق. لحقت بألمانيا دولة التشيك، وثمة توقعات تشير الى أن النمسا، ودولا أخرى قد تلحق قريبا بالإجراء والموقف الألماني.

هذا يعني ان الرأسمالية الاستعمارية، تدخل بقوة على خط الصراع، ان لم يكن من باب الموافقة الصريحة والحقيقية على المخطط الأميركي الإسرائيلي المسمى صفقة القرن، فمن باب مواجهة النضال الفلسطيني، ومنع الفلسطينيين من محاكمة الإسرائيليين على جرائم حرب ارتكبوها.هي موافقة ضمنية، على ان ما تقوم به إسرائيل بحق الفلسطينيين، يعود الى حقها في الدفاع عن نفسها، وفي الوقت ذاته، فإن ذلك يعني الانحياز للرواية الاسرائيلية في كل ما يتعلق بالصراع بما في ذلك اعتبار الأراضي المحتلة العام 1967 أراضي متنازعا عليها.

المسألة هنا لا تتصل فقط بالضغط الذي يمارسه الحلف الأميركي الإسرائيلي على الجنائية الدولية، وعلى الدولة الرأسمالية، وإنما أيضاً بطبيعة السياسات، التي تستند الى دوافع استعمارية، تقف وراء المخطط الصهيوني الأساسي، وأهدافه. الفارق بين سياسة الولايات المتحدة، التي توافق وتدعم السياسة الاسرائيلية، الرامية لمصادرة الحقوق الفلسطينية بالكامل وتنفيذ المخططات الصهيونية التوسعية، وبين من يرى بأن الأفضل لحماية إسرائيل، وتحقيق أهدافها يرتبط بإقامة دولة فلسطينية، ان امكن ذلك، وبموافقة الفلسطينيين. أي ان كل الدول الرأسمالية الاستعمارية تتبنى سياسات تدعم إسرائيل، وتساعد على حمايتها وتفوقها وتوسعها لكن الخلاف يكمن في كيفية ضمان ذلك، هذا الخلاف المحدود يختفي عمليا حين تكون الظروف مواتية، لتحقيق أهداف المشروع الصهيوني، دون تهديد حقيقي لمصالح هذه الدول، كما يبدو عليه الحال في هذه المرحلة.

ليس للفلسطينيين في ضوء أوضاع دولية كالتي يمر بها المجتمع الدولي ان يراهنوا على تدخل عوامل قوية، يمكن ان تغير مسار ما يسمى صفقة القرن، أو يرغم القائمين عليها، بإدخال تعديلات جوهرية تتناقض والرغبة الجامحة لتحقيق تحول جذري في الصراع.الدعوة الروسية، لعقد اجتماع للرباعية الدولية، مجرد هراء، اذ لا تقوى روسيا على إرغام الأطراف الأخرى على تلبية مثل هذه الدعوة، وإن حصل ذلك، فإن مثل هذا الاجتماع لا يغير من الواقع شيئاً.

هذا يعني أيضاً ان الدعوة لرعاية دولية مهما كان عنوانها، لعملية سلام تقوم على المفاوضات، هي دعوة فارغة، ذلك ان الولايات المتحدة لا تفكر لحظة في السماح لأي طرف، بأن يدخل على خط هيمنتها واحتكارها للملف. مع ذلك لا بأس من استمرار المحاولة، وإظهار المظلومية الفلسطينية، الأمر الذي قد يحقق بعض الإنجازات، مثلما فعل المجلس العالمي لحقوق الإنسان حين نشر القائمة السوداء، للشركات العاملة والمتعاملة في المستوطنات، ومعها.
يفتح قرار مجلس حقوق الإنسان، على إمكانية ملاحقة، ومقاضاة الشركات التي تتضمنها القائمة السوداء، لكن حبال القضاء والعدالة طويلة وستجد في مواجهتها ضغوطا شديدة من الحلف الأميركي الإسرائيلي.

وبالمناسبة، هذه هي المرة الثانية في غضون اشهر قليلة، تعلن فيها إسرائيل، يوماً أسود، كان الأول حين أصدرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية قرارها، بشأن إمكانية التحقيق في شبهة ارتكاب إسرائيليين لجرائم حرب.
الحديث عن ضعف المراهنة على الأوضاع الدولية والمجتمع الدولي في هذه الأوقات ليس مدعاة لليأس، أو التوقف عن خوض المعارك، من خلال المؤسسات والمنابر الدولية، لكنه يفرض التدقيق في الأولويات، والخطوات المؤسسة لتوفير عوامل المواجهة، الإدارة الأميركية أعلنت عن بدء عمل اللجنة الأميركية الاسرائيلية لترسيم الحدود ورسم الخرائط استنادا الى ما ورد في المخطط الأميركي الإسرائيلي ما يعني ان المسألة تتصل بتوقيت الإجراء الإسرائيلي العملي لتنفيذ ما ترتبه لها الصفقة. لهذا السبب يبدو أن تأخير تنفيذ قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير التي تتعلق بوقف العمل بكل ما ترتب عن أوسلو من اتفاقيات، أمر لا قيمة له من الناحية التكتيكية، لكنه ينال من ثقة الفلسطينيين بأنفسهم وقياداتهم.
ما ستفعله إسرائيل، ستفعله، اليوم أو غداً، ولذلك ينبغي أن يستعجل الفلسطينيون، باتخاذ الخطوات والقرارات اللازمة، وأولها بطبيعة الحال، إنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة، لخوض المعركة بكل مكونات وطاقات الشعب.
وفي كل الحالات ووفق كل الحسابات، فإن الثمن الذي يترتب على الفلسطينيين دفعه معلوم، ولذلك فإن عليهم البناء على الحقائق. الحقائق تشير على نحو واضح، إلى أن الحلف الأميركي الإسرائيلي يدفع الأوضاع نحو الصراع المفتوح على كل الأرض وكل الحقوق، ما يستدعي التوافق على سياسات واتخاذ ما يلزم من قرارات، بما يتناسب مع جذرية الفعل الأميركي الإسرائيلي.
نعلم بأن الظروف صعبة جداً، في ضوء الواقع الذي تشكل خلال مرحلة أوسلو، ما يستدعي التدقيق الشديد، وعدم التسرع او ركوب ظهر المغامرات، ولكن لا يمكن معالجة مخططات استراتيجية بمخططات او خطوات تكتيكية، والأصل ان تسحب منظمة التحرير اعترافها بإسرائيل طالما ان هذه لا تعترف لا بفلسطين ولا بمنظمتها.

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

نحو إعادة صياغة الرواية الأساسية

هي الحرب وعليكم أن تستعدوا لخوضها

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن هذا الانحياز إلى الرواية الإسرائيلية عن هذا الانحياز إلى الرواية الإسرائيلية



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 15:10 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

رئيس الرجاء يحاول اقتناص لاعبين أحرار بدون تعاقد

GMT 05:33 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن موقع هبوط يوليوس قيصر لغزو بريطانيا

GMT 09:33 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

عهد التميمي

GMT 10:19 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الروسي يعلن وصول أول كتيبة من سورية إلى موسكو

GMT 11:50 2016 الثلاثاء ,20 أيلول / سبتمبر

مقتل 4 من عناصر "بي كا كا" في قصف تركي شمالي العراق

GMT 06:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

8 معلومات مهمة عن "جسر العمالقة" تزيد الفضول لزيارته

GMT 17:21 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب الأرجنتين يعلن عن تشكيلته لمواجهة البرازيل

GMT 00:21 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

صحيفة بريطانية تكشف أفضل 10 فنادق في مدينة روما

GMT 22:46 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

حسن الفد يعيد شخصية كبور من خلال عرضه " سكيتش"

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

2016 عام حافل بالأنشطة والعروض في الدار العراقية للأزياء

GMT 04:38 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مرضٌ خطير يصيب الأبقار ويعزل عشرات القرى في سطات

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

وفاة الممثل المسرحي المغربي إدريس الفيلالي

GMT 00:11 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تحف فنية من الزخارف الإسلامية على ورق الموز في الأردن

GMT 23:14 2016 الإثنين ,25 إبريل / نيسان

ماهي فوائد نبتة الخزامى ( اللافندر )؟

GMT 00:00 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

Velvet Orchid Lumière Tom Ford عطر المرأة الرومانسية

GMT 20:32 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حيوانات الرنة مهددة بالانقراض بسبب تغير المناخ
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca