في لبنان... الدور المقبول للدولة «شرعنة» الاستسلام

الدار البيضاء اليوم  -

في لبنان الدور المقبول للدولة «شرعنة» الاستسلام

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

على الرغم من تكرار الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله إطلالاته التلفزيونية، ما زال بعض اللبنانيين ينتظرونها بأمل أن تحمل لهم جديداً... كيف لا وهو الحاكم الفعلي للبلاد، و«المفوض السامي» للقوة الإقليمية المفوضة بشؤون المنطقة.
هذا الإدمان على متابعة سرديات الأمين العام ربما يكون قد تراجع داخل بيئات معينة، في ضوء التفاوت بين الشعارات والواقع على الأرض، لكنه لا يزال موجوداً. ولقد أثبتت الانتخابات النيابية الأخيرة أن الخيار الإيراني الاستراتيجي بالإطباق الكامل على تمثيل الطائفة الشيعية وتحقيق اختراقات موجعة داخل الطوائف الأخرى أتى أكله... لجملة من الأسباب، منها تشتّت الشارع السنّي وإحجام بعضه عن التصويت.
ثم ثبّت انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه، ولاحقاً اللجان البرلمانية، موقع «حزب الله» المتحكِّم بالسلطة التشريعية – التي يرأسها حليفه الرئيس نبيه برّي – إلى جانب هيمنته على السلطة التنفيذية وابتزازه القضاء والإعلام، ناهيك من نفوذه العسكري والأمني الضخم.
الأهمية الاستثنائية لكلمة «نصر الله» الأخيرة ارتبطت بموضوع الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، والأهمية الغازية والنفطية القصوى لهذا الأمر، عشية وصول سفينة تنقيب إلى حقل «كاريش» المتنازع عليه. وهذا، طبعاً، مع استمرار تأثير المسائل الإقليمية والدولية الأخرى على هشاشة الوضع اللبناني، المقبل على انتخابات رئاسية وسط مفاوضات الملف النووي الإيراني، وتداعيات الوضعين السوري والعراقي، واحتمال عودة الليكود إلى السلطة في إسرائيل، وانعكاسات الحرب الأوكرانية على «رقعة شطرنج» الشرق الأوسط.
وفق سوابق الماضي، قولاً وفعلاً، قلّما أقام «حزب الله» وزناً يذكر للدولة اللبنانية. بل سبق للأمين العام القول غير مرة رداً على مناشدات بعودة الحزب إلى حضن الدولة «أنتم أسسوا أولاً دولة كي نعود إليها!!».
ثم إن قرارات الحرب والسلم، بدءاً من القتال في سوريا والعراق واليمن... إلى شن عمليات تكتيكية ضد إسرائيل، كانت من اختصاص دولة أخرى عاصمتها طهران، وحلبة حروبها عموم منطقتنا... وهذا كله باسم «تحرير القدس» و«إزالة إسرائيل من الوجود في غضون أيام بل ساعات».
في هذا الجو مع وصول سفينة التنقيب إلى المنطقة البحرية المتنازع عليها - وبخاصة الخط 29 - كان لا بد أن يكون للسلطة الفعلية في لبنان ما تقوله. وحقاً، مع تشديد «نصر الله» على «لبنانية» هذه المنطقة فإنه أحجم عملياً عن التهديد بالتصدّي عسكرياً للتنقيب الإسرائيلي تاركاً مسؤولية هذا الملف بيد الدولة.
ولكن الحزب، رسمياً، جزء من هذه الدولة. وهو الذي فرض انتخاب مرشحه لرئاستها، ودعم حليفه لترؤس برلمانها، وفرض قانون الانتخاب الذي نظّمت بموجبه انتخاباتها البرلمانية، وهو الذي كان يسهّل أو يعطّل تشكيل الحكومات، ثم إن لديه «ميثاقياً» وعُرفياً حق اختيار كبار القادة الأمنيين من طائفته... بموازاة «دولته الأمنية» الحزبية.
أكثر من هذا، فإن جزءاً كبيراً من «اللغط» حول اعتبار الخط 29 هو الحد البحري الصحيح بين لبنان وإسرائيل، أو الخط 23... أو أي خط آخر بينهما، يتحمّل مسؤوليته رئيس الجمهورية اللبناني «الذي تخلّى عن التزاماته، وبعدها عزف عن توقيع تعديل المرسوم 6433 لتثبيت حق لبنان بالتفاوض انطلاقاً من الخط 29» وفق رأي لخبير عسكري لبناني.
كذلك الرئيس نبيه برّي، وهو أيضاً حليف لـ«حزب الله»، رافق هذا الملف منذ زمن غير قصير وكان طرفاً في «اتفاق الإطار» الخاص به. وهو ما يعني أن السلطات اللبنانية، المتهمة في بعض الدوائر بأنها مجرّد «واجهة سياسية» لـ«حزب الله»، كانت منذ البداية تعرف خلفيات الموضوع والمسار المفضي إلى خاتمته المرتقبة. وهي اليوم عندما تحلم بـ«الحل السحري» الذي يحمله معه الموفد الأميركي - الإسرائيلي آموس هوكشتين وتَعِد اللبنانيين بـ«المن والسلوى»... فإنها تعرف مُسبقاً حقيقة الموقفين الأميركي والإسرائيلي. وهنا لا حاجة إلى ذكر الأهمية المتزايدة لغاز شرق المتوسط بالنسبة للغرب بعد توتر العلاقات مع روسيا.
هذا الواقع يشير إلى ما هو أكبر وأخطر من ضعف عجز الدولة أو غيابها.
إنه يؤشر إلى «تغييبها عمداً» تسويغاً لحالة مطلوبة داخل لبنان وخارجه. فـ«اللغط» حول الخط 29 لا يختلف كثيراً عن الجدل القديم عن «لبنانية» مزارع شبعا وتلال كفرشوبا الحدودية بين لبنان وسوريا. وهنا أيضاً، كان لبنان الرسمي - قبل استحواذ «حزب الله» على السلطة - يطالب السلطات السورية بالكتابة إلى الأمم المتحدة لتأكيد «لبنانية» المزارع والتلال التي احتلتها إسرائيل عندما استولت على هضبة الجولان السورية في حزب يونيو (حزيران) 1967، ما يتيح استعادتها... وإعادتها بصورة سلمية إلى مالكي الأرض الأصليين من دون إشكالات.
لكن دمشق، ولاحقاً طهران أيضاً، وجدتا في بقاء المزارع والتلال المحتلة تحت الاحتلال الإسرائيلي «مسمار جحا» ثميناً في مناورات الابتزاز السياسي والعسكري. بل والأهم، رأتا فيه المبرّر الجاهز والقوى لاحتفاظ «حزب الله» بسلاحه، بعدما تخلت كل الميليشيات اللبنانية الطائفية واليسارية واليمينية الأخرى عن أسلحتها من أجل تسهيل قيام الدولة اللبنانية إثر «اتفاق الطائف».
بكلام آخر، في حين كان لبنان منذ عام 2000 رهينة لقضية مزارع شبعا وتسويغاً لمنع بسط سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها، فقضية الحدود البحرية أضحت «مزارع شبعا» ثانية بحرية هذه المرة لحسم تبعية لبنان لإيران... في ظل التفاوض العلني والمستتر على الملف النووي الإيراني، وسقف نفوذ طهران في المنطقة، والشكل النهائي للخرائط التي ستحل محل خرائط 1920... ثم 1948.
الدوران الأميركي والإسرائيلي مركزيان في رسم هذه الخرائط، ولا سيما في ظل التعايش الإيراني مع وساطات أميركية - رغم المزايدات العنترية الكلامية - أسقطت خلال العهود الرئاسية الثلاثة الأخيرة معظم المسلّمات السابقة التي ألفتها شعوب المنطقة. إذ وضعت إدارتا باراك أوباما وجو بايدن الديمقراطيتان هذه الشعوب تحت رحمة أولوية التفاهم مع إيران على حساب مناوئي نظامها (داخل إيران وخارجها)، بينما شطحت إدارة دونالد ترمب بعيداً في دعم طروحات الليكود إزاء مستقبل إسرائيل وتفوقها الدائم... ولو على حساب قرارات الشرعية الدولية.
وهكذا، دفع تبنّي الديمقراطيين شبه المطلق لسياسة التقارب مع حكام طهران العديد من الأنظمة العربية إلى إسقاط تحفّظها على التطبيع مع إسرائيل، في حين أدى انحياز الجمهوريين الجامح لسياسات الاستيطان ومصادرة الأراضي... إلى تعزيز «الصدقية» المزعومة لأتباع طهران في المنطقة على حساب العقلاء الفلسطينيين والمعتدلين العرب الساعين إلى سلام عادل ودائم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في لبنان الدور المقبول للدولة «شرعنة» الاستسلام في لبنان الدور المقبول للدولة «شرعنة» الاستسلام



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 04:38 2016 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

معتقدات متوارثة عن الفتاة السمراء

GMT 18:38 2017 الثلاثاء ,20 حزيران / يونيو

شاروخان يعيش في قصر فاخر في مدينة مانات الهندية

GMT 12:25 2012 الإثنين ,23 تموز / يوليو

إيطاليا، فرانكا سوزاني هي لي

GMT 11:25 2014 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

"عام غياب الأخلاق"

GMT 01:38 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

فالفيردي يحشد قوته الضاربة لمواجهة "سوسيداد"

GMT 21:23 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل مُثيرة جديدة بشأن زواج "شابين" في المغرب

GMT 18:28 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

جوجل تدعم أذرع تحكم "Xbox" على إصدار Android 9.0 Pie

GMT 13:34 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

تأجيل النظر في قضية مغتصب الأطفال في فاس

GMT 07:40 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

علماء يبتكرون إبرة تصل إلى الدماغ لتنقيط الأدوية

GMT 17:20 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

"الحوت الأزرق" بريء من انتحار طفل في طنجة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca