السلطويّة والفاشيّة على رأس الاحتمالات... للأسف!

الدار البيضاء اليوم  -

السلطويّة والفاشيّة على رأس الاحتمالات للأسف

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

هناك عبارة تتكرّر اليوم بلغات عدّة: كورونا ستسقط الرأسماليّة واللاعدالة وتفتح الطريق إلى نظام جديد، أو إلى اشتراكيّة تستفيد من نواقص اشتراكيّات الماضي، ومن التقدّم الذي حصل مذّاك، ومن تطوّرات البيئة والاجتماع والعلاقات الجندريّة... إنّها اشتراكيّة من طراز جديد يفتح الباب واسعاً لإرادة المجتمع وتدخّله.خطوة صغيرة ما زالت تفصل هؤلاء عن القول: سوف تُملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت جوراً.

يا ليت!
الضرب في غوامض المستقبل ليس مستحسناً، و«مسيرة التاريخ» ليست في جيب أحد. لكنّ إشارات يومنا تقول إنّ الاحتمال أعلاه هو الأبعد عن الإمكان. تقول أيضاً إنّ الاحتمال السلطويّ، وربّما الفاشيّ، قد يكون، لشديد الأسف والرعب، الأرجح.
فالأزمة الاقتصاديّة التي تستجمع قواها بصمت، ستنفجر حال تراجع الوباء، ويُرجّح أن تكون صاخبة مهولة. هذا ليس للتهويل والتيئيس. إنّه نابع مما تعلنه الأرقام وتقديرات الاقتصاديين على عمومهم. التشبيه بكساد 1929 بات يفوق التشبيه بركود 2008. وهو لا يقتصر على التأرجح غير المسبوق للبورصة. العالم كلّه ستتراجع نسب نموّه كثيراً، وبالملايين سوف تتقدّم نسب البطالة فيه...
لكنّ الأزمة هذه ستأتي مصحوبة بانفجار الوعي الأشدّ محافظة على أنواعه. إشارات تحوّل كهذا باتت تفقأ العين: العداء للآخر والخوف منه أيّاً كان. تنميطه العدواني وحرمانه من الموارد المتضائلة ومن الاستفادة منها، خصوصاً إذا كان مهاجراً أو لاجئاً أو غريباً. احتمالات تجفيف الهجرة قويّة. التشدّد في الرقابات الحدوديّة صلب. «الحلول» القوميّة ستكون هي الموضة. في البلدان حيث النسيج الوطني والدول أضعف من التراكيب الطائفيّة والإثنيّة، قد نشهد شيئاً مختلفاً لكنّه لا يقلّ خطورة: تناسل القوى المتعصّبة التي تنشئ تنظيمات موازية، وقد تطلب، أو تفرض، أشكالاً من الأمن الذاتيّ، فضلاً عن احتمال تسيير الطوائف لشؤونها الاقتصاديّة، وربّما التعليميّة أيضاً. أي بدل الفاشيّة الكلاسيكيّة، القوميّة والدولتيّة، نعيش نيو فاشيات مكسّرة تُوازن إحداها الأخرى وتبقي المجتمع على حافّة الحرب الأهليّة. نقص الموارد والتنافس عليها يضاعفان هذا الاحتمال ويجعلانه أشدّ احتداماً.
القسوة إشارة أخرى. كورونا أنعشت ثقافة التمييز الحادّ بين شبّان معافين وبين مرضى ومسنّين. تأتي هذه مصحوبة بثقافة العزل و«التباعد الاجتماعيّ» والتمحور حول البيت مما قد يصلح علاجات تقنيّة مؤقّتة، لكنّه ليس نموذجاً أمثل للحياة (حتّى كعلاجات تقنيّة، لا بدّ من إرفاقها بتأمين الشرط الاقتصادي للبقاء في البيت).
إشارة أخرى: اتّجاه بعض الأنظمة إلى ضبط حركة الأفراد عبر التليفونات وأجهزة الإيميل ومعرفة التحرّكات وتجميع كلّ المعطيات حول الماضي...
تراجع الثقة بالعلم وبالتقدّم يدفع أيضاً في الوجهة نفسها. صحوة «التحليلات» الخرافيّة والتآمريّة تتوسّع رقعتها. الدور الثقافي معطّل إلى حدّ بعيد. تصريف العنف، أكان بالسياسة والانتخابات أم بالرياضة، مسدود.
إلى هذا، لا يبدو أي أثر لحركات مجتمعيّة أو نقابيّة أو مجتمعيّة أو ليبراليّة أو اشتراكيّة ديمقراطيّة تملك القدرة على الفعل والتأثير. أمّا على صعيد السياسات العليا، فمن المعبّر أنّ حظوظ ساندرز في أميركا قد تنتهي إلى ما انتهت إليه حظوظ زميله كوربين في بريطانيا.
وفيما خصّ النماذج، مُقلقٌ هو الطلب على الدولة القويّة والإعجاب بأفعال الصين فيما يترنّح الاتّحاد الأوروبيّ. ذاك الإعجاب يخدم الوجهة إيّاها، خصوصاً مع انحطاط النموذج الليبرالي إلى نموذج نيو ليبرالي غافل وساهٍ، فيما تضمر الحركات الاعتراضيّة على عمومها، وما بقي منها ضدّ «الأنظمة الفاسدة» و«الحكومات قليلة الفاعليّة» قادر على إعادة تدوير نفسه طلباً لأنظمة «أقوى». هكذا نضيف الاستبداد و«الكفاءة» إلى النيو ليبراليّة.
فوق ذلك: هذه الوجهة بشعبويّتها وعدائها للغريب وبمواصفاتها الأخرى لم تكن ضامرة حين هبّت كورونا علينا. كانت قويّة أصلاً.
هكذا، بقي النقد خجولاً جدّاً للاستبداد والمستبدّين: بشّار الأسد هجّر الملايين ممن لا يجدون بيوتاً يحتمون بها من كورونا. فلاديمير بوتين يتهيّأ لتعديلات دستوريّة تضمن بقاءه في الكرملين حتّى 2036. الزعماء المعصومون الذين تكاثروا في السنوات القليلة الماضية مرشّحون للتخصيب.
والحال أنّ السلطويّة والفاشيّة تخيفان أكثر من كورونا، وهما تقتلان أكثر. أمّا الخلاص الذي تقول لنا السيناريوهات الرؤيويّة إنّه يقيم خلف الكارثة فأغلب الظنّ أنّه خرافة. أمٌّ كهذه يصعب أن تلد بِنتاً كتلك. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلطويّة والفاشيّة على رأس الاحتمالات للأسف السلطويّة والفاشيّة على رأس الاحتمالات للأسف



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 00:01 2018 الأربعاء ,16 أيار / مايو

دجاج على الطريقة الصينية "دجاج كانتون"

GMT 22:00 2017 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

الارشيف الوطني ومشجب أسرار الدفاع الوطني

GMT 03:34 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

طرح منزل الكشافة بادن باول للبيع مقابل 3.5 مليون استرليني

GMT 16:43 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

متشرد يوقف "طرامواي’" الدارالبيضاء في الحي المحمدي المغربي

GMT 11:24 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الفنان حسن كامي والفنانون ينعوه برسائل مؤثرة

GMT 06:35 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر نفط عُمان يرتفع الى 71.14 دولار الخميس

GMT 12:44 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

هوجو جاستون يحرز ذهبية التنس في أولمبياد الشباب

GMT 07:00 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

ألوان ظلال الجفون "الصارخة" تسيطر على موضة الخريف

GMT 22:22 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

اكتشفي طرق سهلة و مريحة لتنظيف أواني الطهي

GMT 07:08 2018 الجمعة ,06 تموز / يوليو

تعرف على سبب تسمية الجامع الأزهر

GMT 04:42 2018 الخميس ,14 حزيران / يونيو

حجز أدوية مهربة وغير مرخصة في بني ملال

GMT 17:41 2018 الأحد ,27 أيار / مايو

نجوم الكرة يتعاطفون مع النجم صلاح

GMT 08:51 2018 السبت ,19 أيار / مايو

6 حلول فعالة لعلاج قشرة الشعر الموسمية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca