خدعة الإسلام السياسي

الدار البيضاء اليوم  -

خدعة الإسلام السياسي

آمال موسى
آمال موسى

في الظاهر هناك خطاب نقدي رافض لما يسمى الإسلام السياسي، ولكن في حقيقة الأمر يبدو لنا أن هذا النقد ظل يجوب مناطق الأسئلة ذاتها التي تتمحور حول ظاهرة الانفصام بين الخطاب والممارسة لدى أحزاب الإسلام السياسي، وأيضا مسألة توظيف مطلب الديمقراطية للوصول إلى الحكم، وتجسيد المشروع الأصلي المسكوت عنه؛ بهدف ضمان المشاركة السياسية أولاً.
خضنا كثيراً في هذه الإشكاليات والقريبة منها. السؤال: هل خريطة النقد التي مارسناها ضد الإسلام السياسي كانت مُحكمة وأدركت نقاط النقد الحقيقية أم أننا ركزنا على قضايا رغم أهميتها فإنّها ظلت بعيدة عن جوهر ما يستحق الطرح والتأكيد؟

يبدو لنا أن تناول مسائل على غرار كينونة ووظيفية الإسلام السياسي، وما إذا كان هناك مبرر اليوم لوجوده، مسألة ذات بعد تفكيكي من منطلق كونها تفرغ ظاهرة الإسلام السياسي من مبررات استمرار وجوده، وتسحب منه وظائفه المعلنة والمتوهمة.

ولعل المسألة الجديرة بالخوض وهي ذات طابع مباشر: أي علاقة تجمع ما يسمى الإسلام السياسي بالإسلام؟

نظن أن هذه الإشكاليّة هي قلب المشكل، وإذا حاولنا الإجابة فسنجد أن العلاقة انتقائية توظيفية نفعية، وتهمل جوهر الإسلام وقيمه ومعانيه. فما نلاحظه أن الأحزاب المندرجة ضمن ما يسمى الإسلام السياسي كثيراً ما تسقط في مطبات أخلاقية، وتقدم وعوداً ثم تخلفها، والحال أن جوهر الإسلام أنه دين أخلاق، وينهى عن خذلان الوعود.
ففي التجربة المصرية اتهم الإخوان بتهمة خطيرة جداً وهي التخابر ضد أمن مصر. وفي تونس كررت حركة «النهضة» أنّها لن تتحالف مع حركة «قلب تونس» في صورة فوزها في الانتخابات الأخيرة، ولكنها أخلفت الوعد وتحالفت مع «قلب تونس» ولم تعبأ بمصداقيتها وبالمواطنين الذين انتخبوها من أجل وعودها.
ما نريد قوله هو أن هذه السلوكيات السياسية تبطل تسمية الإسلام السياسي، وتظهر أن العلاقة بين هذه الأحزاب والإسلام هي شكلية ونفعية وتوظيفية بالأساس. بل إن الإسلام السياسي إذا كان مصراً على طابعه الديني، فإن واقع التشخيص والتوصيف يفرض علينا التعاطي معه بوصفه يمثل ديناً آخر مختلفاً ومسكوتاً عنه، ولكنه يلبس قناع الإسلام.


إذن كما نلاحظ، فالأمر ليس فقط رغبة الوصول إلى الحكم، بل إننا أمام أحزاب تنتحل صفة الدين الإسلامي، وتتدثر به وتوظفه لكسب القواعد والتأثير، وهنا مكمن الخطورة. فهذه الأحزاب التي بدأت مشروعها بدعوة المحافظة على الهوية الإسلامية أثبت تاريخها وحاضرها أنها لا تولي لقيم الإسلام وأخلاقياته أي اعتبار، ولا تعد قيم الوفاء بالعهود والصدق في القول والعمل وغير ذلك من مبادئها.

فهل يمكن الاستنتاج بالنظر في مواقف سلوكية كثيرة أن ظاهرة الإسلام السياسي بما توحي به من علاقة بالإسلام إنّما ذلك خدعة سياسية. وفي هذا السياق من المهم عدم الوقوع في تصنيفات هي أيضاً من قبيل الخدعة، مثل السلفية والراديكالية الدينية؛ لأن الأمثلة التي تظهر البراغماتية والواقعية على حساب أخلاق الإسلام كثيرة ومتعددة، ونعتقد أن تراكمها بدأ يظهر حقيقة هذه الحركات، وهو أيضاً ما ترجمه تراجع نسب التصويت في صناديق الاقتراع.

لقد أدت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً إيجابياً في هذا الشأن، إذ إن كل شيء بات يوثق وينشر ويعاد نشر كل ما أعلن من مواقف ومن وعود من قبل، وكل ما تم التخلف عنه من تلك الوعود بشكل يؤكد الانتهازية الفجة، وضعف البعد الأخلاقي في العلاقة بالناخبين.

أيضاً هناك مسألة خطيرة تندرج ضمن الأخلاقي أيضاً: لقد نشأ الإسلامُ السياسي مدججاً بنقد علاقة الدول العربية بأوروبا، ووصفت تونس بكونها تابعة لفرنسا، وذات توجه تغريبي رغم أن علاقات الدول العربية منذ استقلالها بأوروبا كانت تستند إلى الانفتاح، والإقبال على قيم التحديث الذي تمثل أوروبا مهده الأول والأساسي. بمعنى آخر: مالت الدول العربية إلى أوروبا لتغرف من أفكار الأنوار، ولتجد سنداً في مقاومة التخلف، مع العلم أنه رغم تواصل العلاقات بالمستعمر القديم، فإن السيادة ظلت واقعاً، وهو تواصل من أجل الوطن وليس العكس. وهذه نقطة مهمة جداً، فالوطنية كانت معطى قائم الذات ومنفتحاً على كل ما يخدم الوطن.
في مقابل ذلك اكتشفت الشعوب التي عرفت ما يسمى الثورة، وشهدت عودة الإسلام السياسي إلى المشاركة السياسية وفوزه في الانتخابات ووصوله إلى الحكم... اكتشفت أن الوطنية ليست أولوية عنده، وأن تلبية الأجندات الخارجية وما تستلزمه من مواقف ومن خريطة علاقات تراعي مصلحتها، هي المهمة.

لا شك في أن هذا المعطى غير مفاجئ؛ لأن طبيعة ما يسمى الإسلام السياسي لا تعترف بالدولة القُطرية، وحتى عندما حاولت التأقلم فإنها لم تستطع، ووجدت حلفاء في الخارج أكثر من الداخل. فالدول التي تأسست منذ أكثر من نصف قرن لم يكن للإسلاميين فيها دور، ومن ثم فالمسافة بين إطار الدولة الوطنية وبينهم موجودة بقوة.
ما أردنا الإشارة إليه هو أن معالجة قضايا الإسلام السياسي يجب أن تذهب بعد التجربة التي عرفناها في السنوات العشر الأخيرة في بلدان كثيرة إلى مناطق الأسئلة الجذرية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خدعة الإسلام السياسي خدعة الإسلام السياسي



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:55 2018 الجمعة ,09 آذار/ مارس

ذوق مترف داخل منزل الفنان هاني رمزي

GMT 19:04 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

ميسي يعادل رقم النجم رونالدو في التسجيل من الضربات الثابتة

GMT 13:58 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

هاني محروس يكشف عن أُغنية "اللي يقدّر يتقدّر" لمصطفى حجاج

GMT 07:40 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الطقس و الحالة الجوية في آيت أورير

GMT 04:08 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

المركز الجهوي لتحاقن الدم في وجدة يدق ناقوس الخطر من جديد

GMT 03:19 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الثوم يمنع الجراثيم ويساعد المضادات الحيوية على العمل

GMT 02:42 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعبو المغرب في المركز الـ14في مونديال روسيا وفقًا لطول القامة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca