نموذج آية الله للعالم

الدار البيضاء اليوم  -

نموذج آية الله للعالم

أمير طاهري
بقلم : أمير طاهري

في الوقت الذي يعمد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الصيني شي جينبينغ، إلى تسويق القواعد الاستبدادية التي ينتهجانها كبدائل للنظام الديمقراطي الغربي «المحتضر»، قرّر الملالي الخمينيون في طهران اقتحام الحلبة كمنافسين لقيادة نظام عالمي جديد.
ظهرت نسخة مبكرة من محاولة الملالي منذ ما يقرب من 30 عاماً عندما اقترح حجة الإسلام محمد خاتمي أنه من خلال فصل الدين عن السياسة، خلق عصر النهضة والتنوير في أوروبا نظاماً عالمياً أثار الحروب والعبودية والاستعمار. أما السبيل إلى الخلاص، فهو استعادة السيطرة الدينية على السياسة من خلال منح اللاهوتيين دوراً في القيادة.
ويقدم النسخة الجديدة آية الله أحمد علم الهدى، وهو رجل دين بارز في مدينة مشهد، وواحد من 4 أو 5 أصحاب عمامة، يُعتبرون خلفاء محتملين لـ«المرشد الأعلى» الحالي آية الله علي خامنئي.
ويرتبط والد زوجة الرئيس الإسلامي الحالي آية الله إبراهيم رئيسي، علم الهدى، أيضاً بعلاقات وثيقة مع الجهاز العسكري والأمني، الذي غالباً ما يشار إليه باعتباره فيلق «الحرس الثوري» الإسلامي.
وفي محاولته تصوير نفسه على أنه منظّر النظام، أوضح علم الهدى رؤيته للعالم في خطبة مطولة داخل «المدينة المقدسة». وطبقاً له، فإن عصر الحداثة الذي بدأ بالمعاهدات الوستفالية والاستقلال الأميركي والثورة الفرنسية والثورة الصناعية قد انتهى مع دخولنا عالم ما بعد الحداثة.
وقال: «إن العالم الذي استعبدته الحداثة ينهار. عالم ما بعد الحداثة يلوح في الأفق، وهو عالم لا يمكن أن تقوده إلا إيران الإسلامية».
ويدعي علم الهدى أن الولايات المتحدة تتفكك، وذلك مع سعي بعض الولايات، خاصة تكساس، إلى الانفصال، في الوقت الذي يفر فيه الإسرائيليون من «أرضهم الموعودة» بأعداد متزايدة.
التساؤل الآن؛ لماذا تبرز إيران كقائد جديد للعالم؟
هنا، يأتي جواب علم الهدى صارخاً؛ اليوم الجمهورية الإسلامية في إيران الممثل الوحيد للإسلام الحقيقي. كما يزعم أنه من بين 57 دولة ذات أغلبية مسلمة، فإن إيران «الدولة الوحيدة التي لديها حكومة إسلامية بالمعنى الحقيقي للمصطلح».
ولا تحتاج الدول الأخرى إلى اعتناق الإسلام للاستفادة من «النموذج الإسلامي». في الواقع، بعض الدول غير الإسلامية، ولا سيما فنزويلا، قد اتبعت هذا النموذج بالفعل.
من ناحيته، قال محسن شاطرزاده، السفير السابق للجمهورية الإسلامية لدى فنزويلا، إن ثورة هوغو شافيز البوليفارية «مستوحاة من تعاليم الإمام الخميني. شافيز الذي قام بعدة رحلات إلى إيران تعلم كيف يحكم الأمة بطريقة عادلة».
وقال شاطرزاده: «أخيراً، آمن شافيز بالإمام الغائب، وطوّر ولاءً عميقاً للمرشد الأعلى، الإمام خامنئي».
كما حاز «النموذج الإسلامي» الإيراني «أتباعاً وجماهير» في العراق وسوريا ولبنان واليمن؛ حيث تستمر حركة إنشاء «نظام محمدي حقيقي» في التنامي.
هذا الوهم المتمثل في فكرة «نحن الأجمل» للملالي تكمن مشكلته في أنه يمنع إيران من تكوين تصوير واقعي لنفسها. وربما تجذب الصورة الحقيقية لإيران في ظل الجمهورية الإسلامية بعض التعاطف، في ظل معاناة أمة محتجزة كرهينة في سفينة ضالة في خضم بحر عاصف.
وإذا كنت تعتقد أن الرأي السابق لا يعدو فورة من الخيال الشعري، فاستمع إلى ما قاله آية الله الآخر، أحمد جنتي، الأسبوع الماضي فقط.
قال جنتي: «يقول الناس إنه بسبب التضخم، لا يمكنهم تحمل أكثر من وجبة واحدة في اليوم. ما هو الخطأ في ذلك؟ الوجبة الواحدة نعمة، لأن هناك أناساً لا يستطيعون ذلك. والقاعدة في الإسلام أن تتحمل كل مشقة لحماية من يحفظ الإسلام من أعدائه».
بعبارة أخرى، فإن «نموذج ما بعد الحداثة الإسلامي» لعلم الهدى هو «الحكم بواسطة مجاعة».
ومع ذلك، فإن الجوع ليس «البركة» الوحيدة التي تقدمها الجمهورية الإسلامية. إذ تكشف الأرقام أن الجمهورية الإسلامية تمثل 50 في المائة من جميع عمليات الإعدام في العالم، على الرغم من أن إيران تشكل 1.1 في المائة فقط من سكان العالم. كما أن أكثر من 40 في المائة من جميع السجناء السياسيين وسجناء الرأي يوجدون داخل الجمهورية الإسلامية.
وفي كل عام، يغادر في المتوسط 150 ألف إيراني من أصحاب التعليم العالي، من بينهم 3500 طبيب بشري، البلاد للانضمام إلى ما يقدر بنحو 8 ملايين، أي ما يقرب من 10 في المائة من السكان، يعيشون في المنفى بالفعل.
وطبقاً لما أفادته منظمة الشفافية الدولية، تأتي الجمهورية الإسلامية كذلك في مقدمة دول العالم من حيث الفساد. وتبعاً لتقارير طهران الرسمية بين عامي 2016 و2020 ارتفعت معدلات الاختلاس والرشوة بنسبة 300 في المائة. وخلال الأشهر الماضية فقط، جرى الإبلاغ عن قضية اختلاس بقيمة 400 مليون دولار من بين 85 قضية أخرى من قضايا «الفساد الكبرى» يجري التحقيق فيها.
وتكشف التقارير الرسمية أن نحو 80 شخصية غير معروفة، لكن يفترض أنها قوية، تدين بمبالغ لا حصر لها للبنوك المملوكة للدولة على أساس ضمانات لا وجود لها.
ويقدر هروب رأس المال بما يتراوح بين 22 و30 مليار دولار في السنة. وفي الوقت الذي أصبحت فيه العملة الوطنية عديمة القيمة تقريباً، تحولت بورصة طهران إلى وكر للصوص، حتى يحاول صغار المدخرين استعادة أي أموال لديهم في أسرع وقت ممكن.
في الوقت ذاته، فإنه تبعاً للتقديرات الرسمية، أقدم أكثر من 1.5 مليون إيراني على شراء عقارات في تركيا، واستثمر 1.2 مليون آخرون في العقارات في جورجيا وأرمينيا وصربيا.
أيضاً، فإنه وفقاً للتقديرات الرسمية، يعيش ربع الإيرانيين في مساكن دون المستوى، بما في ذلك 13 مليوناً محاصرون داخل مناطق عشوائية فقيرة.
وقبل أسابيع قليلة، أدى انهيار مبنى شاهق (برج سكني) في جنوب غربي إيران إلى مقتل 80 شخصاً على الأقل. وأقرت السلطات بأن التصاريح اللازمة لبناء البرج جرى الحصول عليها من خلال دفع رشاوى. والأسوأ من ذلك، يحذر عمدة طهران من وجود ما يقرب من 500 برج متهالك في العاصمة لا يمكن هدمها على الأرجح لأنها تنتمي إلى شخصيات قوية داخل النظام.
كما تراجع موقع إيران على الرسم البياني العالمي لمتوسط العمر المتوقع إلى المرتبة 49 مقارنة بالمركز 38 عام 1977.
وتواجه إيران كذلك منحنى ديموغرافياً يتحرك نحو الهبوط، في ظل وجود عدد كبير من الشباب غير القادرين على الزواج وبناء أسر.
عام 2021، قدرت حكومة الرئيس السابق حسن روحاني أن 25 في المائة من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، في الوقت الذي يعيش فيه 30 في المائة «حياة كريمة». أما الأشخاص المتبقون، فإنهم يقفون على حافة الفقر.
أضف إلى كل ذلك التحديات التي يواجهها الإيرانيون العاديون على الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية، والاحتمال الأكبر ألا يجد «النموذج الإسلامي» لعلم الهدى سوقاً رائجة في أنحاء العالم.
أما أولئك الذين يُفترض أنهم يحبون هذا النموذج في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فإنهم يحصلون ببساطة على أموال مقابل إغداق الثناء عليه.
وتبعاً لما ذكره وزير الخارجية الإسلامي السابق محمد جواد ظريف، أنفقت طهران نحو 35 مليار دولار سنوياً لإطعام مؤيديها في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، العواصم العربية الأربع التي تسيطر عليها إيران، وفقاً لآية الله علي يونسي.
الواضح أن علم الهدى وأمثاله عالقون في عالم من الوهم يتخيل فيه الضعفاء اضطلاعهم بسلسلة من الأدوار البطولية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نموذج آية الله للعالم نموذج آية الله للعالم



GMT 18:40 2022 الأربعاء ,24 آب / أغسطس

شيرين قلب يغنى!

GMT 07:33 2022 الأحد ,05 حزيران / يونيو

يا غافلاً لك الله!

GMT 19:12 2022 الأربعاء ,20 إبريل / نيسان

منهجية لتحولات شاملة ومتسارعة

GMT 04:53 2022 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

نيسان الأقوى من النسيان

GMT 17:46 2015 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار سيارة كيا سيراتو 2016 في المغرب

GMT 04:55 2016 السبت ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تجدد الخلاف بين الهنديتين ديبيكا بادكون وكاترينا كيف

GMT 04:52 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق تنظيف الباركيه والعناية به

GMT 05:03 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

أنطونيو بانديراس يُقدِّم عطرًا جديدًا جذّابًا ومنعشًا

GMT 12:12 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

منة حسين فهمي ترفع شعار "الكلاب يدخلون الجنة"

GMT 15:38 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار سيارة اودي تي تي 2016 في المغرب

GMT 13:25 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الأمن توقف سبعة سلفيين في مدينتي طنجة وفاس

GMT 09:13 2018 الأحد ,10 حزيران / يونيو

"فوكسهول" تطرح سلسلة سيارات FB-Victor رائعة منذ 1961

GMT 15:20 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

كن انت هذا العام

GMT 14:08 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

ريال مدريد يضع شرطًا لضم توريس جوهرة فالنسيا الشاب

GMT 01:19 2016 الإثنين ,08 آب / أغسطس

هل النعناع يعالج الحموضة؟
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca