مشاكسة

الدار البيضاء اليوم  -

مشاكسة

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

«القرد المائة» قانون معرفي أيضاً، تفصيله المختصر، كالآتي: أحد القردة يكتشف، مصادفة، مزيّة نكهة درنة من درنات الغاب.. إذا غسلها في بركة ماء، أو غدير، أو جدول، القرود حيوانات مقلدة، فإذا عمّم تقليد الاستكشاف نسبة مئوية معلومة من قطيع قرود، فإن «القرد المائة» ستصبح لديه هذه المعرفة بمثابة عادة بديهية مكتسبة.ها نحن نستعير من لغة التطور الطبيعي، وهي أبسط من القنص المعرفي، وأقل تعقيداً من كتابة تستعير من الفنون التشكيلية الألوان المائية، التي هي خفيفة الظل، شفافة، رومانسية، فائضة عن الحاجة في بيئة متقشفة جمالياً، وضرورية في بيئة يجد أصحابها ما يكفي من الوقت لتأمل الزمن والحياة.

كنت أريد الكتابة عن بلاد الأفغان، من زاوية هذه المقارعة بين «سلطة الخطاب» و»سلطة المعرفة».. عندما يتطرف الأول، أيديولوجياً، مستعيناً بالخطاب الديني، وتتطرف سلطة المعرفة، تكنولوجياً، غير موفرة  ـ مع ذلك ـ الاستعانة بالخطاب الأخلاقي (عالم الأخيار؛ وعالم الأشرار).زميلي حسن خضر استفزّته - كصاحب تحصيل معرفي - غمزة في عمود الأحد : «تمرين صباحي» لا تتعدى (أليس كذلك يا حسن خضر) فجعلني مقدمة موضوعه الأسبوعي وخاتمته و»الحشوة» كانت عن ميلودراما إعدام الطالبان للمنشق عبد الحق: البطل الذي كان في الجهاد ضد الروس؛ والخائن الذي صار مطية للأميركيين.

ربما للعرب نصيب وافر ـ كما يقول ـ من الكوميديا الأفغانية السوداء، لكنني شخصياً، بلا أدنى نصيب، سوى تلقي بعض التبعات كفلسطيني؛ واستعارات حمالة أوجه كصحافي. من ناحيتي، يذكرني المتعوس عبد الحق، جسمانياً، بالسيد مهدي بازركان، أول رئيس وزراء ما بعد إيران الشاهنشاهية. كان مصير الرجلين مأساوياً، لأن محاولة عقلنة خطاب عاصف في ذروته، مثل بسالة الوقوف أمام سيل جارف لصده. ليست البسالة نبيلة دائماً. المسألة الأفغانية عويصة، لأن منطق المعرفة لدى الجانبين مختلف جداً. وتحضرني وقائع حوار دار بين مستشرق أميركي وناسك او متصوف أفغاني في ممر خيبر، وهي قصة عمرها أكثر من ثلاثين عاماً.. ولا تبارح ذاكرتي.

سأل المستشرق ذلك الزاهد، المعتزل في غار، وصائم الدهر، والعازف عن الزواج ومتع الدنيا كافة: لماذا تقسو على نفسك، وقد أباح لك دينك أن لا تنسى نصيبك من الدنيا؟قال الزاهد: ابتغاء الأجر العظيم في الحياة الآخرة.قال المستشرق: افترض يا صاحبي انه يوم النشور وجدت أن الملأ الأعظم يذهب الى جنات الخلد.. بمن فيهم أناس كنت تعتقد أن مثواهم النار وبئس المصير. قال الزاهد : آنئذ سأدرك أنني قد خُدعت. واضح أن ذلك الزاهد لم يكن راسخ الإيمان، رغم إفنائه عمره في طلب الثواب بالحياة الآخرة.
***
 لا أرى ما إذا كان «معنى المعنى» في الأدب وفي السياسة، وفي العقيدة الدينية والدنيوية يتوافق أو يختلف. لكن، أدري أن التحصيل الدراسي يقود للتحصيل الأكاديمي.. وهذا التحصيل المعرفي.. غير أن «سلطة المعرفة» تخضع دائماً لامتحانها من «سلطة الخطاب». ومن سلطة عزيزة الإحساس، الجمالية وغير الجمالية. رأيت، ذات ليلة، فيلماً على شاشة التلفزيون الإسرائيلي، قبل فاصلة (11) أيلول، يحاول عقد صلة بين «خيبر» في المدينة المنورة و»نهر الخابور» وبين أن البشتون في بلاد خيبر هم سبط يهودي ضائع، بدلالة عاداتهم او أزيائهم، الأقرب إلى ما كان في عصر التوراة. وهكذا، فإن «معنى المعنى» يستحيل الوصول إليه بالخرافات المثيولوجية وحدها، وبالمعرفة وحدها، وبالخطاب وحده.. وقصة «القرد المائة» هي أبسط الاستكشافات المعرفية.. والحياة كلها تبدو لوحة من الألوان المائية.
***
 دخل الطبيب عامر بدران على الخط المشربك بين «عمود الأحد» و»نقطة ضوء» الثلاثاء: «أتحتاج حصاراً أشد كي تقتنع بفلسطين وطناً للألوان المائية؟.. أم أن هذا يكفيك لأشفق عليك؟! لا تيأس يا صديقي، إلاّ إذا أردت التضامن مع هؤلاء الغزاة المساكين، بيأسهم وقلة حيلتهم تجاهنا.
«إن كنت تشتاق لرشفة «الإسبرسّو» في مقهى أوروبا؛ فكل واحد منهم يشتاق إلى ما يتكئ عليه غير حديد الدبابة البارد. فأين مصيبتك من مصيبتهم؟! فعليهم تجوز الشفقة، واللعنة أيضاً.
«قل لصديقك، وكاتبي المفضل، حسن خضر أن يتروى قليلاً، قبل أن يحكم على ألوانك بـ «الزائدة على الحاجة». أحياناً فهي ليست كذلك، في الأقل لشخص مثلي، يعتبر القراءة مهنةً كباقي المهن، ويتخذها مصدر رزق معرفي.. إلا إذا كان يريدك أن تكتب لغير القراء.. ولا أظن ذلك».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشاكسة مشاكسة



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 15:53 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد عقد "جان بوفون وجورجيو كليني"في يوفنتوس

GMT 00:05 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

فوائد نبات "القسط الهندي" على صحة الإنسان

GMT 16:05 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فضل الشعبي يوضح سبب تنحي المبعوث الأممي لليمن

GMT 01:56 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

عطر Dylan Blue يمنح الرجل عطرًا أكثر جاذبية وسحرًا

GMT 11:32 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

فندق النوم في علب الصفيح في الدنمارك "Can Sleep Hotel"

GMT 05:20 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

فيصل السمرة يسلط الضوء على مسيرته الفنية المختلفة

GMT 10:28 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

منزل سيلينا غوميز منتجع صغير يجمع بين الفخامة والرفاهية

GMT 15:49 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

PRADA تطرح تشكيلتها الجديدة للرجل المميّز لربيع وصيف 2018

GMT 11:00 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"السر المعلن"..

GMT 00:58 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

5 علامات تتعرف بها على الطفل المصاب بالتوحد

GMT 11:22 2015 الجمعة ,16 كانون الثاني / يناير

الجيش الروسي يتسلم 20 عربة مدرعة من طراز "تايفون"

GMT 15:25 2016 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

جاستن بيبر يقضي سهرة مع فتاة مجهولة

GMT 02:50 2014 الأربعاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تبعد بدر الدين بنعاشور عن الملاعب لمدة شهرين

GMT 06:10 2016 الأحد ,09 تشرين الأول / أكتوبر

"فولكس فاجن" تقدم "باسات استيت" في سوق الدفع الرباعي

GMT 00:07 2016 السبت ,20 آب / أغسطس

ما هي فوائد ممارسة رياضة المشي ؟
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca