حسابات روسية وتركية

الدار البيضاء اليوم  -

حسابات روسية وتركية

خير الله خير الله
بقلم : خير الله خير الله

هل تحصلُ مواجهة مباشرة بين تركيا وروسيا فوق الأرض السورية؟ الأمر مستبعد إلى حدّ كبير. ستستمر المواجهة بين النظام السوري، مدعوماً بالميليشيات الإيرانية والطيران الروسي من جهة، والجيش التركي والميليشيات التابعة لتركيا من جهة أخرى. ستستمر مثل هذه المواجهة خصوصاً إذا أصّر الطرف التركي على طلبه العلني. تريد تركيا أن يتراجع الجيش السوري إلى خلف نقاط المراقبة التركية قبل نهاية شهر فبراير – شباط الجاري. هذا هو الهدف التركي المعلن. إنّه هدف معلن يخفي أهدافاً أخرى.

في العمق، تسعى تركيا إلى تحقيق تلك الأهداف الأخرى من نوع استخدام ورقة إدلب كي يقبل الروسي أن يكون لها دور في مناطق أخرى، بما في ذلك ليبيا. انكشفت تركيا رجب طيب أردوغان في ليبيا، وباتت تحتاج إلى تغطية روسية بعدما تبيّن بوضوح أنّها مستعدة أن تكون مجرّد رأس حربة للإخوان المسلمين ولطموحاتهم في المنطقة كلّها. هل من إساءة إلى الثورة السورية التي تدّعي تركيا أنّها داعمة لها أكثر من إرسال ما يزيد على ألفي سوري كي يقاتلوا إلى جانب أحد طرفي الحرب الدائرة الآن في ليبيا؟

خلف المأساة التي تشهدها إدلب والمنطقة المحيطة بها، هناك حسابات تركية وأخرى روسية تتجاوز الشمال السوري. ستبقى روسيا داعمة للنظام السوري من الخلف لوقف القتال بين الطرفين، وفق شروط محدّدة. ستستمر في التفاوض، في الوقت ذاته، للحفاظ على المصالح الروسية في المنطقة. من المرجّح أن تتخلل المرحلة المقبلة مفاجآت ذات طابع عسكري من نوع استخدام تركيا لأسلحة ثقيلة وأخرى مضادة للطيران. سيكون هناك استهداف تركي للطيران التابع للنظام وليس لروسيا. لن تستخدم تركيا شبكتها المضادة للطيران ضد روسيا، خصوصاً بعد حصولها على منظومة «أس – 400» الروسية وبعد الثمن الذي دفعته إثر إسقاطها لـ»سوخوي» روسية في العام 2015.

ما أسفرت عنه اللقاءات التركية – الروسية الأخيرة في موسكو هو توافق ظاهري بين الطرفين التركي والروسي. يهدف هذا التوافق المصطنع إلى بلوغ نوع من الهدنة، مع بقاء نقاط المراقبة التركية في مواقعها محاصرة من القوات السورية التابعة للنظام المدعومة من ميليشيات تابعة لإيران… والقبول بتسيير دوريات مشتركة. في المقابل، تقوم تركيا بحل»هيئة تحرير الشام» أو تغيير اسمها واحتواء اللاجئين السوريين في المناطق التي لا تزال خارج سيطرة النظام، مع استقدام بعض الدعم الدولي لها بغية مساعدة اللاجئين والنازحين الذين زاد عددهم على 800 ألف إثر موجة التهجير الأخيرة من إدلب ومناطق أخرى قريبة منها.
نعم، هناك في إدلب حسابات تركية وأخرى روسيّة. لكنّ هناك نقاط ضعف تركية وأخرى روسيّة أيضا.

لعلّ نقطة الضعف التركيّة الأولى غياب الإستراتيجية البعيدة المدى لدى رجب طيّب أردوغان. الواضح أن الرجل يمتلك طبعاً انفعالياً قبل أيّ شيء آخر. إضافة إلى ذلك، ركب أردوغان رأسه وظنّ أن في استطاعته أن يكون سلطاناً عثمانياً آخر. نسي أن الدولة العثمانية انهارت، قبل قرن من الزمن، وأن العالم الحديث بكلّ تعقيداته شيء، فيما أمجاد الماضي شيء آخر. هذا ما جعل مجموعة كبيرة من رفاق أردوغان في الحزب ينفضّون عنه. على رأس هؤلاء عبدالله غلّ وأحمد داوود أوغلو. الأخير أمضى أوقاتاً طويلة في سورية في مرحلة ما قبل الثورة التي اندلعت في مثل هذه الأيّام من العام 2011. تعرّف إلى عائلات سورية كبيرة وعريقة في مدن عدّة. حاول داوود أوغلو أيضاً فهم طبيعة المجتمع السوري والموقف الحقيقي لهذا المجتمع من نظام أقلّوي وضع نفسه كلّياً في خدمة إيران، خصوصاً منذ خلف بشّار الأسد والده في العام 2000.

مع مرور الوقت، تخلّى أردوغان عن مساعديه الذين كان في استطاعتهم إسداء النصائح له. عمد بدل ذلك إلى قول كلام كبير عن تغيير في سورية من دون أي ترجمة لهذا الكلام على أرض الواقع. ارتكب حماقات كثيرة في الداخل التركي ومع الإدارة الأميركية، خصوصا بعد المحاولة الانقلابية التي قد يكون تعرّض لها في العام 2016. وجد نفسه في الحضن الروسي وإذا به الآن يسعى إلى التعاطي مع فلاديمير بوتين من موقع الندّ للندّ… وابتزاز أوروبا وأميركا في الوقت ذاته.
سقط أردوغان في سورية يوم لم يستطع نقل تهديداته إلى أرض الواقع. تأخّر كثيرا في الحسم. صار الآن أسير قيود كثيرة، بينها ضعف الاقتصاد التركي والعلاقة مع روسيا والعلاقة المتذبذبة مع أميركا.
لن يغطّي الضعف التركي قول أردوغان إنّنا سنحول إدلب إلى «منطقة آمنة مهما كان الثمن من أجل أهلها، ومن أجل تركيا، وإنّنا جاهزون لاستمرار الاتصالات مع روسيا وأنّ المعروض على طاولة المفاوضات بعيد جدا عن مطالب تركيا». لن يعوّم موقفه قوله إن هناك «إصراراً» تركيا في إدلب وأنّ دمشق وداعميها لم يفهموا أن تحذيراتنا «هي التحذيرات الأخيرة وانّ هناك استعدادات لعملية عسكرية اكتملت وأصبحت جاهزة».
يرفض الرئيس التركي الاعتراف بأنّ بلده وضع نفسه في مأزق لا يستطيع الخروج منه بسبب تردّده أوّلاً. هذا التردّد جعل تركيا عاجزة عن الحسم في سورية. ما يزيد هذا العجز أن تركيا مضطرة إلى مراعاة إيران أيضاً. ألم يكن من الأفضل لو تحرّكت تركيا منذ البداية، أي في العام 2011، ووضعت روسيا وإيران أمام الأمر الواقع في سورية؟

ات أوان الحسم التركي. لكنّ ذلك لا يعني أن روسيا في وضع جيّد في سورية. في نهاية المطاف، إن مشكلة روسيا، بعيداً عن موقف المتفرّج للجانب الأميركي، تكمن في أنّها تريد أن تكون صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في سورية، ولأن تتلطّى خلف نظام لا يمتلك أي شرعية من أي نوع. أكثر من ذلك، تبيّن أن كل المناطق التي عاد إليها النظام في الفترة الأخيرة بدعم من ميليشيات إيرانية، هي في الواقع خارج سيطرته. يظلّ ما يجري في درعا ومحيطها وحتّى في ريف دمشق المثل الأهمّ على ذلك.

إلى متى تستطيع روسيا لعب ورقة النظام السوري الذي لا يستطيع التحرّك على الأرض من دون الميليشيات المذهبية التابعة لإيران، ومن دون وحشية سلاح الجوّ الروسي الذي لا يفرّق بين بيت آمن ومستشفى ومدرسة أو موقع عسكري!مسكين الشعب السوري. يدفع ثمن تحوّل بلده إلى مستنقع لروسيا وتركيا ولإيران أيضا. إلى متى تستمر مأساة لم يعد معروفا هل يمكن أن تنتهي يوما من دون تفتيت كامل لبلد كان مرشّحا لأن يكون أحد أهمّ البلدان في المنطقة؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حسابات روسية وتركية حسابات روسية وتركية



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 21:20 2016 الأحد ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نور الدين مضياف البرلماني الشرس بمجلس النواب

GMT 02:57 2018 الأحد ,10 حزيران / يونيو

حنان مطاوع تكشف أن شخصية "كريمة" مركبة وصعبة

GMT 03:38 2017 الإثنين ,14 آب / أغسطس

غادة عادل تكشف أخطر مشاهد "هروب اضطراري"

GMT 02:05 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أول صور رسمية لحفل زفاف نيك جوناس وبريانكا شوبرا

GMT 01:41 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

مصممة الأزياء داليا يوسف تعود بقوة لمنافسة المستورد

GMT 03:44 2018 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أجدد مجموعة عطور خريف 2018 المناسبة لجميع الأذواق

GMT 00:08 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

توقيف رجل أعمال في قضية تهريب كميات من المواد المخدرة

GMT 07:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"Mon Guerlain Eau de Parfum Florale "لاطلالة أنثوية تأسر القلوب

GMT 11:47 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

شركة يابانية تطرح سيارة كهربائية خارقة في معرض باريس

GMT 05:56 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تعرف على أكثر السلالم إثارة في العالم

GMT 10:23 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

"Greenpeace" تحاصر مقر فولكس فاغن في بريطانيا

GMT 18:19 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

جوجل تختبر جلب Assistant إلى تطبيق Android Messages
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca