معادلة رياضية فريدة

الدار البيضاء اليوم  -

معادلة رياضية فريدة

بقلم - لمرابط مبارك

لا يمكن أن أحس حقا بألم أهل الحسيمة والبلدات المجاورة لها وهم يتحسسون الجروح والكدمات على الجسد والروح بعد ما تعرضوا له يوم العيد. مع ذلك، بإمكاني (بإمكانك أيضا) تصور ما عانوه في ذلك اليوم، وما يعانون منذ شهور.. منذ سنوات.. منذ عقود.. منذ دهر: عقود طويلة من التهميش واللامبالاة، وما تولد عنها من معاناة كبيرة وغضب جمّ في الصدور.

ورغم الألم الكثير الذي صاحبه، فإن تفجر هذا الغضب الذي لم تعد الصدور قادرة على احتوائه والخوف يستطيع خنقه، كانت له حسناته الكثيرة… حسنات أعرف أنها لا تخفف هذا الألم، ولكنني أكاد أجزم أنها تجعل النفس تتحمله.

أهم تلك الحسنات، في تقديري، أن ما يجري في الحسيمة والبلدات المجاورات من احتجاجات أظهرت أن هذا الكائن الهلامي المسمى المخزن، الحاضر في كل مكان، المطلع على كل شيء، القادر على كل شيء، أصبح تائها، مرتبكا، تعوزه الحيلة، هو الذي تمرس طيلة قرون طويلة على تحمل الضربات واحتواء الأزمات، والخروج دوما سالما من المآزق.
جرب، دون جدوى، الوصفة تلو الأخرى لإخماد نار أججها ظلم السنين، والإحساس العارم بالحكرة.. نار لا يعرف بؤرتها، أو بالأحرى يعرفها ولا يستطيع إليها سبيلا. فهي تغلي منذ عقود هناك في عمق نفس الكائن الريفي (والمغربي عموما).
في بادئ الأمر تعامل مع صرخات الناس بنوع من التجاهل، معتبرا أنها مجرد صرخات للتنفيس وستخبو بعد حين. ولكنها لم تهدأ، فما بلك أن تخبو.

بعد ذلك تم تجييش ما تيسر من الطبقة السياسية ومن المؤلفة قلوبهم، من “عياشة” بمختلف أصنافهم، لشن حملة ضد المحتجين ذهبت إلى حد تخوينهم ووصفهم بالانفصاليين، والتوفر على امتدادات “خارجية”، وتسريب تقارير استخباراتية تدعم هذا الأمر. ولكن سرعان ما تبين “سذاجة” هذه الوصفة، فأخذ البعض من السياسيين يحاولون تدارك الأمر عبثا.

ثم ارتأى المخزن أن الوقت حان لتكثيف استعمال “العصا” والضرب بقوة على أيدي المحتجين (بالعنف الصريح والاعتقالات والمحاكمات والأحكام السريعة)، لعل صراخ الاحتجاج يتحول إلى أنين ألم. فكان الأنين فعلا، ولكنه زاد فقط، في حدة الصراخ.

وهي وصفة أخرى يتم تجريبها في الأيام الأخيرة، وتتمثل في تحميل وزر المشاريع “التنموية” المعطلة لوزراء الحكومة، والحديث عن احتمال فتح تحقيق معهم، بعد أن تنتهي المفتشية العام للإدارة الترابية بوزارة الداخلية والمتفشية العامة للمالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية بـ”تحرياتها وأبحاثها”، بشأن “عدم تنفيذ المشاريع المبرمجة، وتحديد المسؤوليات”، حسب تعبير قصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء.

فهل ستؤتي هذه الوصفة الأخيرة أكلها؟ لست أعرف، ولكن ما حدث لحد الآن، أن حدة الاحتجاجات والغضب زادت، وزادت معها حدة التدخلات العنيفة للأمن.
الأمر الوحيد الأكيد طيلة الشهور الماضية أن سكان الحسيمة والمناطق المجاورة وضعوا المخزن أمام معادلة رياضية فريدة من نوعها.. معادلة لا مجهول فيها ظاهريا، ولكن في الوقت نفسه لا حل لها.

فهذا المخزن، الذي كان يظن نفسه عارفا بالكائن المغربي، ملما برغباته الدفينة ومخاوفه العميقة – ويعرف متى يكسبه بالترغيب وكيف يخضعه بالترهيب- وجد أمامه على ما يبدو كائنا جديدا غير معروف.. كائنا تحرر من الخوف، ولا ينجر إلى العنف بسهولة، ولا يصدق الأقوال، بل يطالب بالأفعال.. كائن (2.0) له قدرة على استثمار الواقعي في الافتراضي، وتحويل الافتراضي إلى واقعي.

ومثل هذا الكائن، الوصفة الوحيدة الفعالة في التعامل معه، هو رفع الحكرة عنه والاعتراف له بحق في السير نحو المواطنة الكاملة بحقوقها وواجباتها. عدا ذلك لن يجدي معه نفعا…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معادلة رياضية فريدة معادلة رياضية فريدة



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 10:09 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

ضعيف يكشف عن لائحة مجلس المكناسي لكرة السلة

GMT 17:28 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ساحرة من التنانير الكلوش لمظهر أنثوي مثير

GMT 14:39 2017 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يقترض من البنك الدولي 200 مليون دولار أميركي

GMT 04:12 2017 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

ديانا كرازون تظهر بإطلالة مبهرة في حفلة خاصة في قطر

GMT 00:44 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

فريق الأهلي يُحقق فوزًا رائعًا على نظيره الأوليمبي

GMT 12:57 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

"الاستهتار" يدفع حكم لقاء سبورتنغ والطيران لإلغاء المباراة

GMT 06:13 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل "بالمختار" من إدارة المرصد المغربي للتنمية البشرية

GMT 19:27 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

الدرهم المغربي ينخفض أمام الدولار الأميركي بنحو 0.0001

GMT 19:16 2016 الجمعة ,15 إبريل / نيسان

ما مدى دقة اختبار الحمل المنزلي؟
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca