(جلال طالباني: لن نرى مثله)

الدار البيضاء اليوم  -

جلال طالباني لن نرى مثله

بقلم ـ جهاد الخازن

خسرت صديقاً عزيزاً برحيل مام جلال طالباني عنّا. عرفته رئيس حزب، وعرفته مشرداً أيام صدام حسين، ثم عرفته رئيساً للجمهورية العراقية بدءاً بسنة 2005 مدة أربع سنوات، وبعد التجديد له لولاية ثانية على رغم مرضه.

قال لي يوماً إنه حاول دخول كلية الطب في جامعة بغداد، إلا أن النظام حال دون ذلك. هو تخرج من كلية الحقوق وكان عضواً في نقابة المحامين العراقيين وأيضاً نقابة الصحافيين. وبما أن دراستي في الجامعة كانت أدبية فإنني أقول عن ثقة وخبرة إن معرفة جلال طالباني باللغة العربية فاقت معرفة العرب أنفسهم، من صدام حسين وحتى رئيس الوزراء نوري المالكي.

رأيت مام جلال في شمال العراق، وقبل ذلك في عمّان وبيروت، ورأيته بعد ذلك في نيويورك عندما كان يشارك في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة. كان يزوره بعض كبار المسؤولين الأميركيين وأعضاء الكونغرس، وكان يصرّ على أن أجلس قربه في كل جلسة حديث أو غداء أو عشاء. أيضاً رأيته في لندن، وكان يرافقه الزميل كامران قره داغي الذي عمل في «الحياة» ثم انضم إلى حكومة الأكراد ناطقاً باسمها.

ولا أنسى يوم زرته في مقر له على ضفاف سد دوكان. هو لم يصدق أنني في شمال العراق ونزل لابساً ثياب النوم (بيجاما). كان معنا فريق تلفزيون لإجراء مقابلة واستعنت برئيس وزراء منطقته في تلك الأيام الأخ برهم صالح لإقناعه بارتداء سترة. هو لبس سترة ونسي أن يلبس حزاماً على البنطلون، فكان إذا بدأ البنطلون في الانزلاق عن خصره يمسكه بيده ويرفعه.

يفترض في رئيس جمهورية، وقبل ذلك رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، أن يكون على قدر كبير من الجدية في طلب حقوق الأكراد. هو كان كذلك إلا أنه كان خفيف الدم أيضاً. لم أره مرة إلا وهو يحمل لي طرفة (نكتة) عنه يرددها الناس. لن أعيد سوى زجل حكاه لي يوماً زاعماً أن العراقيين يرددونه هو: لا قصر ولا حصران / لا عندنا بردي / فوق القهر والضيم / ريّسنا كردي.

انسوا «الزعيم الأوحد» وانسوا مَن سبقوه وتبعوه. جلال طالباني كان أفضل رئيس عرفه العراق، فقد كان للأكراد إلا أنه أيضاً لكل مواطني العراق، وأستطيع أن أقول واثقاً إن لغته العربية كانت أرقى أو أصح من كل العرب في السياسة حوله مثل نوري المالكي وغيره.

هل كان مام جلال أيّد الاستفتاء على الاستقلال الذي أجراه الأكراد هذا الشهر؟ أعتقد ذلك. رئيس الأكراد مسعود بارزاني أصرّ على الاستفتاء على رغم معارضة أميركا وأوروبا وتركيا وإيران، والنتيجة جاءت وفق المتوقع، فقد أيّد 92 في المئة من السكان الاستقلال، على رغم صعوبة تحقيقه وصعوبة العيش في كردستان مستقلة، فهي أولاً معزولة عن بقية العالم بين دول تناصب الأكراد العداء، وهي ثانياً لا تستطيع مواجهة تحالف عسكري ضدها بين حكومات بغداد وطهران وأنقرة وعرب كثيرين لا يؤيدون الانفصال. ثم إن نفط شمال العراق لا مخرج له على البحر إطلاقاً إلا عبر سورية أو تركيا (إيران بعيدة)، وأجد مستحيلاً أن تقبل تركيا ذلك، فقد أوقفت تصدير نفط شمال العراق عبر خط أنابيب يمر بها، كما أنها تخاف أن ينتقل «وباء» الاستقلال من أكراد العراق إلى أكراد تركيا، وهم كثر في شرق البلاد، ويضمّون حزب العمال الكردستاني الذي يقوم بعمليات إرهابية بين يوم وآخر.

كنت أتمنى لو رأيت مام جلال مرة أخيرة قبل وفاته. وتمنيت ولا أزال دولة مستقلة للأكراد في مناطقهم من تركيا وسورية والعراق وإيران، فقد ظُلِموا عقوداً، وربما قروناً، وهم يستحقون العيش في بلاد لهم.

قبل هذا وذاك أترحم على الصديق العزيز الوطني الكردي والعراقي مام جلال طالباني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جلال طالباني لن نرى مثله جلال طالباني لن نرى مثله



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 04:38 2016 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

معتقدات متوارثة عن الفتاة السمراء

GMT 18:38 2017 الثلاثاء ,20 حزيران / يونيو

شاروخان يعيش في قصر فاخر في مدينة مانات الهندية

GMT 12:25 2012 الإثنين ,23 تموز / يوليو

إيطاليا، فرانكا سوزاني هي لي

GMT 11:25 2014 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

"عام غياب الأخلاق"

GMT 01:38 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

فالفيردي يحشد قوته الضاربة لمواجهة "سوسيداد"

GMT 21:23 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل مُثيرة جديدة بشأن زواج "شابين" في المغرب

GMT 18:28 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

جوجل تدعم أذرع تحكم "Xbox" على إصدار Android 9.0 Pie
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca