صلح «الحزيبية»

الدار البيضاء اليوم  -

صلح «الحزيبية»

بقلم : رشيد نيني

كشفت الأحداث الأخيرة المتسارعة التي لحقت بنواة حزب العدالة والتنمية، ومنها إعلان العثماني عن الأحزاب المشاركة في حكومته ومنها الاتحاد الاشتراكي الذي كان عقدة المنشار في البلوكاج الحكومي على عهد رئيس الحكومة المعزول والذي قال إن دخول الاتحاد خط أحمر قبل أن يتضح أنه «ماشي شي حمورية نيت»، (كشفت) أن هذا الحزب ليس بالتماسك والقوة التي يظهر بها، فعلى الرغم من البكائيات التي تخطها نسوة الحزب على حيطان صفحاتهن الفيسبوكية، خصوصا آمنة ماء العينين ونجلة بنكيران التي وصفت قادة الحزب بالمداهنين وعباد المناصب، فإن الوقائع كشفت أن هناك ثلاثة تيارات جارفة تخترق الحزب وتهدد بتفتيته ونسفه من الداخل، خصوصا بعدما دخل الفيل الاشتراكي متجر الأواني الفخارية للحكومة وقال الداودي إن الحكومة التي أعلن عن أحزابها العثماني ليست هي الحكومة «اللي كان باغي»، مسكين «هاد العثماني، حتى دبح عاد بغا يمضي الجنوية».

ولعل التيار الذي ظهر بشكل بارز بعد صدمة عزل بنكيران وتنصيب العثماني محله هو تيار عزيز رباح الذي انكشف للجميع حجم الكره الذي «يتمتع» به داخل مجموعة بنكيران المقربة، والدليل القاطع على صدور توجيه من الأمين العام بقطع الماء والضوء عن رباح هو ترشحه لرئاسة الفريق النيابي للحزب في البرلمان وحصوله على صوت واحد هو صوته لا غير.

ولذلك سارع رباح إلى إعلان ولائه للعثماني رئيس الحكومة المكلف عندما قال إنه لا يمكن أن يكون الحكم برأسين، في إشارة إلى ضرورة جمع العثماني بين رئاسة الحكومة والأمانة العامة للحزب، وهي رسالة واضحة إلى بنكيران لكي ينسى حلم ولاية ثالثة على رأس الحزب.

وفي نظري فقد كانت إهانة بنكيران للرباح في أكثر من مناسبة وتسليطه عليه انكشاريته الإلكترونية المقربة لكي تصوره كجاسوس مدسوس داخل الحزب لديه ارتباطات مشبوهة مع جهات في الدولة خطأ سيدفع ثمنه، فتصرف بنكيران العدائي مع رباح لم يكن بسبب الارتباطات المشبوهة لرباح، فبنكيران نفسه بدأ حياته السياسية مخبرا صغيرا لدى الكوميسير الخلطي قبل أن يترقى هو والرميد ويصبحا من أزلام إدريس البصري الذي هندس بهما مخطط الحكومة الملتحية منذ التسعينات.

ولكن السبب الحقيقي في حملة بنكيران على رباح هو أن بنكيران بحاسته السياسية كان قد انتبه إلى الطموحات الجامحة لعزيز رباح الذي يحاول تقديم نفسه في صورة اللين الحداثي والمنفتح، لذلك طلب منه في تجمع لشبيبة الحزب بمدينة أكادير «يشد الصف»، كما أوعز إلى عناصر من شبيبته بتقديم استقالات من الهياكل التنظيمية للحزب على المستوى الإقليمي والجهوي بمدينة القنيطرة وجهة الغرب التي يتحكم رباح في خيوطها التنظيمية، كما اندلعت ضده ثورة تنظيمية بقيادة أخت وزير العدل مصطفى الرميد، المحامية المثيرة للجدل رقية الرميد، التي قدمت استقالتها وتحاول إقناع مجموعة من العضوات والأعضاء الفاعلين لضرب رباح تحت الحزام، كما نجحت في إقناع البرلماني السابق عزيز كرماط الذي قدم بدوره استقالته بعدما أبعده رباح من لائحته في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بعدما فطن لمخططه الهادف إلى الانقلاب عليه بمجلس القنيطرة.

وإلى جانب تيار رباح هناك تياران يتنازعان اليوم صدارة المشهد داخل العدالة والتنمية، تيار «إنا عكسنا» الذي يدعي أصحابه الاصطفاف إلى جانب رئيس الحكومة المعزول، وتيار آخر يجسده العثماني يشكل الحكومة «باش ما عطى الله»، فاتحا الباب على مصراعيه أمام لشكر الذي قال فيه بنكيران إنه «إلى دخل للحكومة هيا أنا ماشي عبد الإله»، فأحيانا الله حتى رأينا عبد الإله يغادر الحكومة ويدخلها لشكر معززا مكرما من الباب الكبير لمقر الحزب بحي الليمون.

وما يجمع بين كل هذه التيارات المتصارعة هو ما يسود اليوم من تخوف كبير داخل الحزب من انتقال عدوى «الكولسة» إلى الحسم في أسماء المرشحين للحصول على حقائب وزارية، أي أن العثماني بمجرد ما سينتهي من عقد صلح الحديبية في دار الندوة حتى سيجد نفسه في مواجهة معركة داحس والغبراء التي ستندلع داخل الحزب بسبب الطموحات الشخصية الهوجاء للإخوان الطامعين في الاستوزار.

وربما من أجل تجنب حضور هذه المعركة رفض بنكيران ترؤس لجنة اختيار المرشحين للاستوزار التي أبدى هذا الأخير شراسة في الدفاع عن المساطر المنظمة لها والتي أطلقت يد الأمين العام في اختيار الوزراء، بحيث أعطته حق اختيار وزراء حتى من خارج الحزب والمرشحين الثلاثين.

وقد ترأس هذه اللجنة صاحب وثيقة «صلح الحديبية» سليمان العمراني، مما يكشف أولا أن بنكيران انتهى في المشهد الحزبي والسياسي، ومما يكشف ثانيا أن بنكيران يهرب من تحمل مسؤولية اختيار وزراء حزبه، خصوصا أن مسطرة اختيار الوزراء تقوم على الانتخاب والتصويت بدل الاحتكام إلى معايير الكفاءة والتجربة المهنية، مما يتسبب في إقصاء الأكفاء واختيار ذوي «الشعبية» داخل الحزب حتى ولو كانوا فارغين، وأمامنا أمثلة من قبيل التجربة الفاشلة لبوليف في الشؤون العامة ووزارة النقل، والشوباني الذي «حتى دخل الوزارة عاد بغا يكمل قرايتو».

والواقع أن الإخوان داخل حزب العدالة والتنمية ليسوا كلهم على قلب رجل واحد، فمنهم من يريد العودة إلى الحكومة بأي وجه لأنه ذاق حلاوة الكرسي، وهناك جدد «شادين الصف» ويتحرقون شوقا للانتقال من بيوتهم الاقتصادية إلى فيلات الهرهورة وطريق زعير، وتغيير سياراتهم، ولم لا زوجاتهم أيضا، وهناك منهم من يعرف أنه بدون حظوظ للدخول فيسعى لرفع «البارة» أعلى ما يمكن لتأزيم الوضع، وهناك من يطالب بعدم إعادة استوزار الأسماء التي حملت حقائب وزارية خلال الولاية الحكومية الماضية وفتح المجال أمام أسماء أخرى، وأيضا هناك حملة ضد استوزار عمداء المدن التي يقودها «البيجيدي»، تفاديا لتكرار الخطأ الذي ارتكبه الحزب خلال الولاية الحكومية السابقة، بعدما منحت حقائب وزارية لعدد من رؤساء المجالس الجماعية، وتفادي الجمع بين المناصب والمسؤوليات.

والواقع أن بنكيران بتكريسه لثقافة عبادة الشخصية، تماشيا مع الثقافة السطالينية التي تسود داخل التنظيمات الإخوانية، مسؤول بشكل كبير عن خلق هذه التيارات الانشقاقية، هذا إذا لم يكن قد ساهم عن قصد في خلق هذه التيارات لكي تعصف بالحزب من بعده حتى لا تكون للتنظيم قائمة بدونه.

ولذلك يجب أن نقرأ حديث سليمان العمراني عن «صلح الحديبية» قراءته الصحيحة، فهو يعد الأجواء لتبرير خضوع العثماني لمطلب دخول لشكر في الحكومة وقبول بنكيران أيضا بذلك بوصفه الأمين العام للحزب الذي يقود المفاوضات، أي أن هذه التشكيلة الحكومية ضرورة فرضتها مصلحة الأمة، تماما مثلما فرض السياق التاريخي للدعوة عقد صلح الحديبية بين المؤمنين والكفار والمنافقين واليهود.

فإيديولوجية قادة العدالة والتنمية تقوم على تقسيم المغاربة إلى مؤمنين وكفار، فهم ينظرون إلى أنفسهم ومؤيديهم على أنهم معسكر الإيمان، أما بقية المجتمع فيمثلون معسكر الكفر، وتصريح العمراني «تحالف الحديبية» يؤكد ذلك، وهو تصريح كان يجب أن يتلقى عنه صاحبه استدعاء من الفرقة الوطنية لأنه لا يقل خطورة عن التصريحات التي توبع بها بعض أعضاء شبيبة حزبه.

وهم لا يكتفون بتقسيم المجتمع إلى فرقة ناجية يمثلونها هم وفرقة ضالة تجمع كل من يخالفهم الرأي، بل إنهم يقسمونه أيضا إلى وطنيين وخونة، فهم مثلا يعتبرون العثماني بنعرفة لأنه قبل أن يأخذ مكان بنكيران، الرئيس الشرعي.

فهم بهذا الإسقاط التاريخي يشبهون النظام بالاستعمار الذي نفى بنكيران إلى بيته وعين مكانه العثماني.

ولكم استغرب من سمعوا وزير العدل والحريات مصطفى الرميد يقول إنه لن يكون بنعرفة الحزب بقبوله أخذ مكان بنكيران وهم يرونه «واقف مبندر صدرو ومخرج كرشو» خلف العثماني وهو يقرأ أسماء الأحزاب المشاركة في «تعالفه الحكومي».

لكن العثماني ليس أهبل لكي يفوت على حزبه فرصة الدخول إلى الحكومة، حتى ولو تطلب ذلك إدخال لشكر، لأنه يعرف أن الحزب لديه خمسة آلاف مستشار جماعي، ويسير ثلثي المدن الكبرى وجهتين هما درعة والرباط.

ولذلك فالعثماني يرفض التنازل عن غنيمة الحكومة، لأن خلال خمس سنوات التي قضاها العدالة والتنمية في الحكم قام بغزوة داخل الإدارة العمومية، ليس فقط على مستوى التعيينات في المناصب العليا، بل في التعيينات في رؤساء المصالح ورؤساء الأقسام، المسؤولين عن حوالي نصف مليون موظف.

مناصب المسؤولية هذه هي القريبة من الموظفين، ويحسم فيها الوزير لوحده وليس المجلس الحكومي كمناصب المدراء والكتاب العامين.

ورؤساء الأقسام والمصالح الذين ينتمون للعدالة والتنمية ليس من مصلحتهم تخلي الحزب عن الحكومة.

وهناك أيضا جانب اقتصادي للحزب في تشكيل حكومة بقيادته، فخلال خمس سنوات من وجود الحزب في السلطة شهد المغرب فورة تأسيس المقاولات الصغرى والمتوسطة التابعة للبيجيدي، وما أخ بوانو وابن أخت سليمان العمراني وابن أخت الشوباني ومصطفى بابا سوى أمثلة بسيطة للمقاولين الجدد.

لذلك فالشعارات التي يرفعونها اليوم والتي يهللون فيها لدخول الحكومة من أجل استكمال ما بدؤوه فيها كثير من الحقيقة، فهم فعلا شرعوا في تأسيس شركاتهم وتشييد فيلاتهم وشراء ضيعاتهم وعقاراتهم وهم محتاجون لخمس سنوات لاستكمال مشاريعهم.

وعليه فالحزب مدعو لتعديل شعاره من «صوتك فرصتك لمواصلة الإصلاح» إلى «صوتك فرصتنا لمواصلة إصلاح وضعيتنا الاجتماعية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صلح «الحزيبية» صلح «الحزيبية»



GMT 05:05 2017 الثلاثاء ,06 حزيران / يونيو

حتى أنت يا مصيطيفة

GMT 05:06 2017 السبت ,03 حزيران / يونيو

الدرهم العائم

GMT 06:18 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

يتيم في العيد

GMT 06:30 2017 الثلاثاء ,30 أيار / مايو

عادات سيئة

GMT 05:40 2017 السبت ,27 أيار / مايو

ولاد لفشوش

GMT 15:10 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

رئيس الرجاء يحاول اقتناص لاعبين أحرار بدون تعاقد

GMT 05:33 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن موقع هبوط يوليوس قيصر لغزو بريطانيا

GMT 09:33 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

عهد التميمي

GMT 10:19 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الروسي يعلن وصول أول كتيبة من سورية إلى موسكو

GMT 11:50 2016 الثلاثاء ,20 أيلول / سبتمبر

مقتل 4 من عناصر "بي كا كا" في قصف تركي شمالي العراق

GMT 06:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

8 معلومات مهمة عن "جسر العمالقة" تزيد الفضول لزيارته

GMT 17:21 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب الأرجنتين يعلن عن تشكيلته لمواجهة البرازيل

GMT 00:21 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

صحيفة بريطانية تكشف أفضل 10 فنادق في مدينة روما

GMT 22:46 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

حسن الفد يعيد شخصية كبور من خلال عرضه " سكيتش"

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

2016 عام حافل بالأنشطة والعروض في الدار العراقية للأزياء

GMT 04:38 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مرضٌ خطير يصيب الأبقار ويعزل عشرات القرى في سطات

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

وفاة الممثل المسرحي المغربي إدريس الفيلالي

GMT 00:11 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تحف فنية من الزخارف الإسلامية على ورق الموز في الأردن

GMT 23:14 2016 الإثنين ,25 إبريل / نيسان

ماهي فوائد نبتة الخزامى ( اللافندر )؟

GMT 00:00 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

Velvet Orchid Lumière Tom Ford عطر المرأة الرومانسية

GMT 20:32 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حيوانات الرنة مهددة بالانقراض بسبب تغير المناخ
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca