وفي المرة المقبلة، ياباريس، ويابيروت !

الدار البيضاء اليوم  -

وفي المرة المقبلة، ياباريس، ويابيروت

المختار الغزيوي

وفي المرة المقبلة، يا باريس، سندخل الباتاكلان قصدا ومباشرة. لن يهمنا نوع العرض الفني الذي سيقام فيه ليلتها. سندخل، وسنرقص وسنغني وسنحتفي بالحياة، ولن نغادر إلا مع أول آيات الصباح.

وفي المرة المقبلة يابيروت سنذهب إلى شارع الحمراء، سنغازل الصبايا الجميلات، سنقول لهن إنهن رائعات وأننا قادمون من بعيد البعيد لكي نرى جمالهن، فلم كل هذا الصد ولم كل هذا الهجران؟

وفي المرة المقبلة ياباريس، سنسائل فولتير في قلب شارعه الذي احتضن كل هذا الهراء «تراك لا زلت على نفس الاقتناع أنه من الضروري السماح لمن يخالفونك الرأي بالحديث؟». سيبتسم وهو القادم من عصر الأنوار إلى عصر الظلام هذا الذي نحن فيه سيرتشف من الكأس القديم رشفته وسيحدثنا عن السيد المسيح، وعن دريفوس، عن النازية بعده، عن فلسطين اليوم، وعن كل ماشاهد ومالم يشاهده في الإصحاحين القديم والحديث.

وفي المرة القادمة يابيروت سنذهب إلى برج البراجنة، هناك في الضاحية الجنوبية، سنرقب مقهى الشيشة التي تعرفنا عليها ذات زيارة عابرة للجميلة المسماة بيروت، سنقول لها « ألازال ممكنا أن ندخن فيك الشيشة ونحن نضحك أيتها الصبية؟».

وفي المرة القادمة ياباريس سنذهب إلى البرج الشهير، ذلك الذي أقفلته داعش رفقة اللوفر وديزني وبقية الأنحاء مباشرة بعدما وقع الذي وقع. ألباريس معنى وكل مقاهيها مقفلة وكل متاحفها مقفلة وكل معارضها مقفلة وكل قاعات حفلاتها مقفلة؟ باريس التي علمتنا معنى الانفتاح يقفلها إرهابي جبان يطلق النار على العزل وهم ينصتون للموسيقى أو وهم يشاهدون مباراة ودية في كرة القدم؟

وفي المرة المقبلة يابيروت سننزل حتى الكورنيش الطويل لك ياست الدنيا. سنأكل صيادية السمك على الطريقة اللبنانية، سنتعشى في الفور سيزونس مثل الأثرياء الطارئين، ثم سنسأل أصدقاءنا المسيحيين «أي الأماكن أفضل للسهر حتى يبزغ من النهار نهاره، وحتى يبدو لنا الديك أسدا؟» سيضحكون وسيقولون لنا «هيا بنا» وسنذهب معهم.

وفي المرة المقبلة ياباريس لن ننسى أن نذرع الشوارع كلها جيئة وذهابا. نحن الذين نكره شوبينغ أغنياء الأزمة الغبي، سندخل كل محل لوحده بالساعات، سنبقى هناك طويلا وسنشتري كل شيء ولا شيء، فقط من أجل الذكرى. فقط من أجل التشفي في هؤلاء الذين يعتقدون أنهم قتلوك وأنهم قادرون على الفناء

وفي المرة المقبلة يابيروت، سنذهب إلى المكتبات العتيقة قرب البرج العتيق، سنشتري كتبا كثيرة والجرائد والمجلات فقط لكي نزعج الدواعش لأنهم لايستطيعون القراءة ولا يقدرون. سنسائل جبرا عن السفينة، سنقول لإيليا إننا نبتسم رغم التجهم وسنحاكي العظماء الذين قالوا الكلام الأدبي الكثير ثم رحلوا تاركينه لك ياجميلة الجميلات.

وفي المرة القادمة ياباريس لن ننسى الجلوس قرب المدفأة القديمة. سننادي مادلين لكي تصب لنا المزيد من قهوتها الدافئة اللذيذة عقب ليالي السهر. سنقول للعزيز ميشيل إنه لايستطيع مجاراتنا نحن العرب في الأقداح والدنان وليالي الانتصار على النوم وسنمني الشقر المنبهرين بنا بأن يصلوا يوما إلى كل هذا العنفوان الأسمر حين سيزورون مراكش ذات شتاء.

وفي المرة المقبلة يابيروت سنقول لك شعرا، أنت التي لا تستحقين أن تكوني مجرد عربية لأنك أكبر من هؤلاء التتار. سنقول لك كل الحب، وكل الألم أنك وجدت نفسك في المكان الخطأ وفي الزمان الخطأ ملزمة بأن تحملي كل عقد المحيطين بك من غير القادرين على الحياة.

أي مرة ؟ وأي مقبلة؟ كنا نتمنى لكما الوفاء بكل هاته العهود، لكننا نعرف أننا وفي المرة المقبلة ياباريس، حين سندخل محطة  «سان لازار» سنلتفت يمينا ويسارا، خائفين من مجنون يصرخ فينا “الله أكبر” قبل أن يبدأ في إطلاق الرصاص. تماما مثلما نعرف أننا وفي المرة المقبلة يابيروت لن نسهر في مقاهيك. سنزورك خلسة متخفين، وسنغادر في أول طائرة خوفا من كل هذا الموت، ومن كل هذا الفناء.

بيروت، باريس، أيتها الجميلتان. عذرا. في هذا المكان اليوم القبح يحكم، وهو لايستطيع رؤية الجمال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وفي المرة المقبلة، ياباريس، ويابيروت وفي المرة المقبلة، ياباريس، ويابيروت



GMT 19:47 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

الاثنين أو الأربعاء

GMT 19:40 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

«إسرائيل الكبرى»: الحلم القديم الجديد

GMT 19:37 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

2025 سنة دونالد ترمب!

GMT 19:34 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

هل يقدر «حزب الله» على الحرب الأهلية؟

GMT 19:31 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

أحلام ستندم إسرائيل عليها

GMT 19:28 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

GMT 19:24 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

المستهلك أصبح سلعة

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 21:15 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

فهد الهاجري ينافس في قائمة الكويت في "خليجي 24"

GMT 13:10 2014 الثلاثاء ,22 إبريل / نيسان

الرضاعة تُقلل من مُضاعفات الأمراض المُعديّة

GMT 10:04 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 2

GMT 15:18 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الحكم على الفنان السوري سامو زين بالسجن عامين

GMT 09:50 2020 الخميس ,12 آذار/ مارس

في بعض أبعاد سيكولوجية الهلع
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca