المختار الغزيوي
أقرأ لكثير من الشباب، ومن غير الشباب أيضا، الذين يكتبون باللغة العربية في المواقع المختلفة تنويهاتهم باستقالة السيدة كريستيان طوبيرا وفرحهم أنها غادرت الوزارة على متن دراجة، وأنها صفعت حكومة الاشتراكيين، وأنها ضحت بالمنصب من أجل المبدأ وبقية الأناشيد والمحفوظات.
أقرأ ما أقر ثم أطرح على نفسي السؤال: هل يعرف من يكتبون عم يتحدثون بالضبط؟ أم تراهم يستغلون الجهل العام لكي يداروا فيه جهلهم الخاص ولكي يروجوا ماشاؤوا من الترهات؟
لا جواب لدي فعلا، لكنني متابع من النوع المتوسط للمشهد السياسي الفرنسي، وأكاد أزعم أنني على اطلاع صغير بكل مستجداته يوميا، لاعتبارات ليس هنا أوان تبيانها، وعندما أقرأ لبعض أصدقائي المشتتين هنا وهناك والذين أعرف علم اليقين أنهم لا يميزون بين الحزب الاشتراكي الإسباني وبين الحزب الاشتراكي الفرنسي إلا بوجه فرانسوا ميتران رحمه الله، ويصعب عليهم دون الرجوع إلى عمنا غوغل – شكر الله له سعيه وإخفاءه لجهل العديد من المتكلمة اليوم – أن يذكروا إسم الكاتب الأول للحزب الاشتراكي الفرنسي فورا، أبتسم في قرارة نفسي وأقول إن الإعجاب بالدراجة الهوائية قد يكون أيضا مؤشرا على انتماء سياسي ما ، لم لا في نهاية المطاف
نحن الجيل الملقى على عواهنه في بداية السبعينيات كانت تزورنا في ثمانينيات القرن الماضي فرق موسيقية ومسرحية كثيرة في مدارسنا والإعداديات والثانويات، ضمنها فرقة كان تتردد على مسامعنا أغنية سخيفة لكن جميلة حفظناها عن ظهر قلب ولا زلت إلى اليوم أستطيع ترديدها هي أغنية “آياياي عالبشكليطة والركبة عالبشكليطة”
انتهينا من الدراسة ومن التحصيل، والتحقنا بالحياة الحقيقية فوجدناها تفوق المدرسة في التعليم، وتتفوق على أفضل برنامج استعجالي يمكنك أن تتخيله في حياتك لا أنت ولا وزير التعليم الذي توجد تحت وصايته. لكن الأغنية ظلت في البال ترن كل مرة حتى تذكرناها مع طوبيرا ومع من يقولون لنا اليوم إن إصلاح الوضع السياسي المغربي هو في أن يمتطي كل وزرائنا البيكالات أو البشكليطات أو الدراجات الهوائية باللغة العربية أو بلغة المغاربة الدارجة : عود الريح
مرة أخرى لا اعتراض. من حق الجموع أن تقول ما تريد لأنها جموع. ومن حقنا أن نتخيل حلولا غبية لأعوص مشاكلنا وإن بسطنا الأمور حد الانخراط مع الجوقة المضحكة في استيهاماتها. هذا ليس موضوعنا. الأهم منه أن نتخيل أننا بمجرد الكتابة عبر الفيسبوك عن معاش البرلماني أو الوزير والمطالبة حال وفورا بوضعه على البشكليطة وإن كان لا يتقن سياقتها ستتغير الأمور
السيدة كريستيان طوبيرا لبعض من تدقيق هي أولا سيدة قادمة من فرنسا وراء البحار ظلت تقول للحكومة منذ عينت فيها إنها الوحيدة اليسارية، وإن البقية كل البقية يمينيون متخفون مع فالس والشباب وقبله مع أيرو وفريقه الأول، وطيلة هاته المدة ورغم أن هولاند صفع طوبيرا غير مامرة مثلما فعل أيرو وفعل فالس لم تمتلك شجاعة الإقدام على الاستقالة أو الذهاب أو الرحيل.
لا، بل إنها في مرة أولى جمعت حقائبها، ولم تكتب الرسالة بل كتبت رسالة نصية إلى يان بارتيز معد ومقدم “لوبتي جورنال” على كنال بلوس تقول له فيها إنها مستعدة للحضور إلى بلاتو برنامجه، وقد حضرت فعلا ومررت رسائلها ومنها رسالة أنها جمعت حقائبها وتنتظر شيئا ما حققه له هولاند في التعديل الذي شكل حكومة أيرو ماجعلها تعود ثانية إلى بلاص فوندوم أي مقر وزارة العدل الفرنسية
اليوم تغيرت الأمور بشكل جذري وطوبيرا التي اختارت إذاعة جزائرين لكي تقول للفرنسيين إن قانون التجريد من الجنسية لن يمر، وجدت أمامها فور العودة إلى فرنسا رجلا غاضبا يسمى هولاند قال لها “هذه أمور لا نقوم بها هكذا” أو مامعناه “إن لم يعجبك القانون استقيلي، وكذلك كان..
لذلك أبتسم وأنا أقرأ لأصدقاء أعرف أن علاقتهم باللغة الفرنسية لا تتجاوز مرحلة “معزة السيد سوغان الشهيرة” وهم ينظرون ليسار طوبيرا ويسار فالس ويسار ماكرون وبقية اليسارات
لدينا في العربية مثال يختزل الأمور كلها منذ قديم الزمان يقول “إذا لم تستح فافعل ماشئت”، وعلى مايبدو نحن محاطون بعدد كبير جدا من قليلي الحياء، وهم يفعلون ما شاؤوا دون استشارتنا على الدوام.
هل من حل؟
قطعا لا. الفرجة عليهم ثم الانتظار وكفى.