الزمزمي رحمه الله

الدار البيضاء اليوم  -

الزمزمي رحمه الله

المختار الغزيوي

التقيت الشيخ عبد الباري الزمزمي مرة واحدة فقط. كان الأمر داخل استوديو إذاعة “ميد راديو”، يوم استضفناه لبرنامج “قفص الاتهام” حين كنت أنشط هذا البرنامج المتميز مع زميلي رضوان الرمضاني.
كانت الاستضافة استجابة لنقاش أثاره الزمزمي بعد رد من ردوده على سؤال حول العادة السرية لدى النساء ورأي الدين فيها، ورد الشيخ الراحل رحمه الله بطريقته مؤكدا أنه لا يمانع في تلبية المرأة لحاجياتها الجسدية، قبل أن يضيف في الكلام عبارته التي صارت ذائعة بين الناس “واخا بيد المهراز أو خيزو”.
صنعت العبارة العجب العجاب في مجتمع يفكر بأعضائه الجنسية، ولديه مشكل حقيقي مع الجنس، سواء اعترف بذلك أم لم يعترف، وكان ضروريا أن ندخل الشيخ قفص الاتهام لكي نسأله إن كان دور الدين هو أن يجيب على مثل هاته الأسئلة حتى وإن أثارت كل هذا الكم من الاستياء والسخرية.
أعترف أنني كنت ذاهبا للحلقة محملا بعديد الأسئلة الساخرة عن  الجزر وعن المهراز وعن مختلف الأدوات التي تشبه في شكلها ودورها الجزر والمهراز، لكنني خرجت من الحلقة بردود من نوع آخر
فهمت من خلالها أن الرجل يؤمن أشد الإيمان أن الإسلام أو الدين يجب أن يرد على الأسئلة اليومية للناس.
فهمت منه أنه بعد تجربة برلمانية يتحدث عنها بمرارة، وبعد تجربة حزبية أكدت له أن الضرب داخل الحركة الإسلامية هو شبيه إن لم يكن أسوأ بالضرب داخل الحركات الأخرى، قرر أن يطلق إلى مالانهاية المواضيع الخلافية السياسية التي لا تجلب للمتورط فيها إلا المشاكل، وأن يركز على اليومي البسيط للناس، الحميمي، المرتبط بما يستجد في حياتهم من تطورات لا يعرفون لها أجوبة محددة وإن جلب عليه الأمر الكثير من المتاعب
وقد جلب عليه الأمر الكثير من المتاعب في حياته وحتى بعد الوفاة إلى أن كتب له من كتب مؤبنا “رحيل فقيه خيزو ويد المهراز”.
لكنه لم يكترث، وحين كان يرد على سؤال تطرحه عليه بحياء سيدة أو رجل يجدان مشكلة كبرى في التوفيق بين دينهما وبين بدنهما كان يشعر براحة عظمى، وكان يقول إن هاته النازلة مضت وانقضت وأن العبور إلى نوازل أخرى وإلى ردود الفقه عليه أمر محبذ ومطلوب
كان يعرف في مجتمع لا يذهب إلى الطبيب النفساني وإن عانى من كل الأدواء – غير باش مايتسماش هاد المجتمع مسطي – أنه يقدم خدمة عمومية. لذلك كان مقتنعا بمايفعله. وقد قالها لي ونحن نغادر الأستوديو على القدمين يوم “قفص الاتهام” : الناس باغية غير ترتاح، وباغية غير اللي يجاوبها ومايمكنش يطرح عليا الإنسان السؤال ومانجاوبوشي إلا إذا ماكنتش عارف الجواب، أما يلا كنت عارف جواب الدين على تلك النازلة وماجاوبتش فسأحاسب أمام الله حسابا عسيرا”
تخلصت بعد الحلقة من تلك السخرية التافهة التي كنت متلفعا بها قبل الذهاب إلى الأستوديو، وفكرت في الحكاية من زاوية أخرى، ووجدت فيها استمرارا لتجربة رائدة في صحافة المغرب هي تجربة “من القلب إلى القلب” التي اشتهرت بها “الأحداث المغربية” في بداياتها.
هل تتذكرون كم تعرضت تلك التجربة للسب في البلد؟ هل تتذكرون كم الحملات عليها وكم السخرية وكم الاستهزاء وكم العبارات التي كانت تلصق بها وبالجريدة التي “اقترفت” جريرة فتح المجال للناس لكي تناقش حميميتها والمشاكل التي لا تجد مكانا آخر تتحدث فيه عنها؟
أكيد تتذكرون. لكننا نتذكر بالمقابل أن تلك المشاكل البسيطة أو “التافهة” التي كانت تبدو لكثير من المتعالمين من بيننا تافهة ولا أهمية لها كانت تشد اهتمام عشرات الآلاف من القراء يوميا، وكانت حدثا فعليا يبهر الجريدة التي تنشر قبل أن يبهر المتتبعين.
شيء ما يوجد في دواخل هذا المجتمع لايجد ردا عليه، فهمه الراحل الزمزمي وتطوع بشجاعة قل نظيرها في مجتمع خائف مثل مجتمعاتنا لكي يقدم عليه الجواب الديني.
لعله كان رائدا من حيث ندري أو لاندري، أو لعله – ومعذرة على التطاول لكنني سأستعمل الكلمة وإن أغضبت بها المتعالمين – كان حداثيا أكثر من عدد كبير من الحداثيين الذين يفضلون أن تبقى أسرار مشاكلهم مع أجسادهم أسيرة عديد الأماكن المغلقة .
لعله كان فقط يقدم يد المساعدة لمجتمع مريض في المجال الذي درسه ويفهم فيه، وكان يجيب في الوقت الذي قررنا جميعا أن مثل هاته الأسئلة لا ينبغي أن نجيب عليها
هو قرر العكس، وتحدى الجميع وعلى مايبدو أدى مااعتبره مهمته ومضى إلى خالقه بسلام. اختار الدفن عند قدمي والدته بشكل جد مؤثر، وارتاح في طنجة، تاركا لمن يريد أن يبيع به أكثر أن يفعل به وبذكراه مايشاء
ذلك مرض نفساني آخر ليس هنا مكان الحديث عنه إطلاقا.
رحم الله الشيخ عبد الباري الزمزمي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الزمزمي رحمه الله الزمزمي رحمه الله



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 21:20 2016 الأحد ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نور الدين مضياف البرلماني الشرس بمجلس النواب

GMT 02:57 2018 الأحد ,10 حزيران / يونيو

حنان مطاوع تكشف أن شخصية "كريمة" مركبة وصعبة

GMT 03:38 2017 الإثنين ,14 آب / أغسطس

غادة عادل تكشف أخطر مشاهد "هروب اضطراري"

GMT 02:05 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أول صور رسمية لحفل زفاف نيك جوناس وبريانكا شوبرا

GMT 01:41 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

مصممة الأزياء داليا يوسف تعود بقوة لمنافسة المستورد

GMT 03:44 2018 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أجدد مجموعة عطور خريف 2018 المناسبة لجميع الأذواق

GMT 00:08 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

توقيف رجل أعمال في قضية تهريب كميات من المواد المخدرة

GMT 07:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"Mon Guerlain Eau de Parfum Florale "لاطلالة أنثوية تأسر القلوب

GMT 11:47 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

شركة يابانية تطرح سيارة كهربائية خارقة في معرض باريس

GMT 05:56 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تعرف على أكثر السلالم إثارة في العالم
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca