الملفات الحساسة التي تنتظر المملكة في 2019

الدار البيضاء اليوم  -

الملفات الحساسة التي تنتظر المملكة في 2019

بقلم - نور الدين مفتاح

نستأنف بحمد الله هذه المسيرة بعد استراحة محارب قصيرة بمناسبة نهاية السنة، وكلنا أمل في أن تحمل السنة الجديدة الأجود والأحسن والأصوب، وربّما نقول الأقل ضررا لنكون واقعيين.

لا أعتقد أنه في السنة الجديدة ستتغير أساسيات الانتظارات في المملكة السعيدة، ولكن التاريخ يصنع أساساً بخليط سحري من ضمن توابله المفاجآت.

ومن المسلمات في بلادنا خلال المنظور القريب استمرار المواجهة على جبهة الدفاع عن الوحدة الترابية بنفس المعطيات الأساسية، وهي الانخراط في المسلسل الأممي للحل والتصدي للجبهتين المفتوحتين من طرف الخصوم، وهما استغلال ثروات الصحراء وحقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية. ولكن الجديد هذه السنة سيكون مصدره البيت الأبيض، بحيث إن يد أحد المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية، جون بولتون، بدأت تتحرك في الملف، وبحكم منصبه باعتباره مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة، فإنه يشكل تهديدا باستمالة ترامب المندفع ضد المصالح المغربية، ولا يجب أن ننسى أن بولتون كان ضمن فريق جيمس بيكر، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء ما بين 1997 و2004، ولما كان مخطط بيكر الثاني هو أن ينفذ حكم ذاتي في الصحراء لخمس سنوات يعقبه استفتاء لتقرير المصير، فإن المغرب رفضه بشدة، معتبرا إياه دعوة للمملكة المغربية لتأسيس الجمهورية الصحراوية بيدها، وهذا جعل بيكر وبولتون يعتقدان بأن المغرب هو المسؤول عن عرقلة الحل السياسي في جنوب المملكة.

بولتون كان وراء تقليص مهمة المينورسو، وهو وراء التلويح بإنهائها ووراء اقتراح الإدارة الأمريكية فصل المساعدات المقدمة للمغرب عن تلك التي ستقدم للجنوب باسم "الصحراء الغربية"، ويبدو أن هناك فخاخا تنصب للمغرب من أجل إظهاره بصورة المتحدي للمنتظم الأممي، ومنها دعوته للمشاركة في مفاوضات بدأت بجنيف على الرغم من أنها تتم مع الطرف غير الرئيسي، ورغم المواقف الرسمية المغربية المعلنة من قبل بعدم التفاوض إلا مع الجزائر، فقد فطنت الرباط للمصيدة وشاركت في مفاوضات جنيف، وعليه ستكون سنة 2019 حافلة بالتحديات تجاه بيت أبيض يقوده رجل ليست الصحراء من أولوياته، ولكن بجانبه بولتون الذي يمكنه استغلال اندفاع الرئيس وتقلباته ومزاجيته ليحدث أضرارا بليغة ستكلف بلادنا الكثير من أجل الحد من آثارها.

لا أعتقد من جهة أخرى أن ينزلق المغرب إلى المواجهة الإعلامية مع الجزائر رغم الاستفزازات، واليد الممدودة لملك البلاد في نهاية السنة الماضية ربما تظل كذلك رغم عدم التجاوب من طرف قصر المرادية، لأن الطريقة التي قدمت بها هذه المصالحة كانت تنبئ بأنها استراتيجية وليست تكتيكية وبأنها إنسانية صادقة أكثر منها ديبلوماسية براغماتية.

كل هذا يعني أن الملف الرئيس في المملكة لا مجال أن ننتظر فيه تطورات خارقة، وهذا مؤسف ومنهك ومضر للجميع.

الانتظار الأساسي الثاني في بلادنا هو اجتماعي بدون منازع، فالفوارق تتسع، والفقر يزداد، والقدرة الشرائية تتقلص، والضرائب في ارتفاع مستمر، والأجور في مستويات لا علاقة لها بمتطلبات الواقع المعيش، والبطالة تضرب أطنابها في أوساط أصحاب الشهادات أو غير الحاصلين عليها، وهذا هو الذي يعطي ما يحسه الجميع من احتقان اجتماعي تزداد فقاعته مع الانفجار التواصلي الذي يمكن أن يعبئ الناس لترجمة غضب موضوعي إلى حركات غير متحكم فيها. وإذا كانت فرنسا، قدوتنا وحلم شبابنا وجنة العيش الرغيد في مخيالنا العام، تعرف واحدة من أكبر انتفاضاتها الشعبية من خلال حركة السترات الصفراء، فما بالك بنا نحن الأضعف والأكثر هشاشة!! والمشكل أن حجم الفوارق الاجتماعية في المغرب هو أكبر بكثير من حجمها في فرنسا. فما هو الحل؟

الجميع يبحث عن نموذج تنموي جديد، والغائب الأكبر في خضم هذا البحث هو تعبئة شعبية مؤمنة بالحلول النابعة من السياسة، وهنا مربط الفرس. لقد تحطمت الوسائط وذبلت النقابات، وزاد منسوب عدم الثقة في الأحزاب السياسية، وأصبحت الحكومة بنفس ترهل صورة حكومات ما بعد التناوب التوافقي، وتم تبديد فورة ما بعد 20 فبراير والدستور الجديد.

وبالطبع هناك رابط جدلي بين الوضع السياسي في المملكة والأوضاع الاجتماعية، لأن الحلول لا تأتي من السماء ولكن من السياسات، والذي سيحمل هذه السياسات يكاد يكون قد استنفد رصيد المصداقية.

إن العدالة والتنمية سيجر معه في المنظور القريب كل توابل إضعافه الذاتية والموضوعية، سواء تعلق الأمر بما بعد التخلي عن ابن كيران والتصدع الداخلي أو تبعات تصرفات بعض الأعضاء في حياتهم الخاصة المرتبطة بالحياة العامة، أو بنتائج السياسات الحكومية التي لم تنعكس بالإيجاب على عموم الشعب وحتى على الطبقة المتوسطة.

وتقديري لا يختلف عمن يعتبرون أن مآل العدالة والتنمية سيكون هو نفس مآل الاتحاد الاشتراكي بعد التناوب التوافقي، مع الحفاظ على الفرق في التفاصيل. بمعنى أعم، سيكون حزب الخطيب ضحية للتاريخ مع بداية خسوف جاذبية الإسلام السياسي عموما، وضحية اختياراته السياسية وآثار الارتقاء الاجتماعي على قيادييه وأطره.

وإذا كان الأصالة والمعاصرة يصارع اليوم من أجل مجرد البقاء موحدا والأحزاب التاريخية تجر إنهاكها، فإن الرهان يبقى على حزب الأحرار الذي له حظوظ على الورق في تصدر المشهد السياسي، ولكن ليس له أي حظ في أن يمثل الجديد أو المصداقية الضرورية للتعبئة. إنه حزب التنكوقراط الذي ستوكل له المهمة التي فشل فيها "البام"، وهي هدم ريادة العدالة والتنمية، وحتى وإن استطاع لذلك سبيلا، فإن مواجهته للجماهير الشعبية ستكون أشرس وتحركه بجانب برميل الاحتقان الاجتماعي سيكون أخطر.

لا أريد أن أكون متشائما، ولكن لا أعرف لماذا كلما تقدم الزمن صغرت المؤسسات وكبر الألم، واضمحلت قيمة المناصب والألقاب وتعاظم التذمر! نعم هناك جزء كبير من البناء في أرجاء المملكة، ولكن شيء ما ليس على ما يرام، والسلام على الدوام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملفات الحساسة التي تنتظر المملكة في 2019 الملفات الحساسة التي تنتظر المملكة في 2019



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 19:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 05:32 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

علماء يحذرون من انقراض "فرس البحر" لاختفاء طعامها

GMT 07:39 2015 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

استمتع في "جزيرة غرينادا" في منطقة البحر الكاريبي

GMT 01:13 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

اللون الأحمر الناري في ديكور 2018 لمحبي الجرأة والتغيير

GMT 05:28 2014 الإثنين ,13 تشرين الأول / أكتوبر

فندق "حياة كابيتال" يتربع على الأبراج المائلة

GMT 10:41 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فاطمة ناصر تعلن مشاركتها بفيلمين في أيام قرطاج السينمائي

GMT 04:44 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

شركة تطلق حذاءً رياضيًا جديدًا يمكنه تدفئة القدمين

GMT 16:07 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

نبات الكرفس يحمي من الإشعاعات الضارة

GMT 21:04 2017 السبت ,02 أيلول / سبتمبر

أمال ماهر تتحضر لطرح ألبوم غنائي جديد

GMT 20:45 2018 الأحد ,15 إبريل / نيسان

لمين وهاب يشارك في شالنجر تونس الدولية للتنس
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca