الأحرار: آخر رهان لهزم الإخوان

الدار البيضاء اليوم  -

الأحرار آخر رهان لهزم الإخوان

بقلم - نور الدين مفتاح

قصة المغرب مع إسلاميي المؤسسات فريدة وعجيبة، وفرادتها واضحة، بحيث إن البلد الوحيد، بعد انهيار ما عرف بالربيع العربي، الذي لم يلجأ إلى سلاح الاستئصال هو المغرب بإرادة من الدولة، على الرغم من أن الحكم لم يوطد الثقة إلى حدود الآن مع هذا المكون السياسي الشرعي ولو أنه يقود الحكومة. وأما عجائبيتها فتتمثل في المصادفات التاريخية الخارقة، بحيث إنه بعد نزول السيد فؤاد عالي الهمة من موقعه في الديوان الملكي، وخوضه لمعركة تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة لمواجهة المد الإسلامي، جاءت موجة 20 فبراير 2011 لتعصف بهذا المشروع، وليعود المؤسس إلى موقعه بالقصر الملكي، ولكن مع وصول الإسلاميين إلى رئاسة الحكومة على ظهر حركة احتجاجية لم يساهموا فيها، ظل الهاجس هو نفسه مع تغيير طفيف. ففي البداية كانت الإشكالية هي ملء الفراغ في الساحة السياسية لمواجهة حزب إسلامي بذراع دعوي وخطاب ديني قريب من مجتمع محافظ حتى لا يصل إلى الحكومة، وبعد وقوع الواقعة بما فيها من تنازلات عن اختصاصات للعرش في دستور 2011 وقيادة الجهاز التنفيذي من طرف عبد الإله ابن كيران، أصبح الهاجس هو كيف يتم هزم هذا الخصم السياسي الذي يمكن أن يستمر عقدين أو أكثر في الحكومة، وربّما "يتغلغل في مفاصل الدولة" حسب خصومه الألداء، فكان قرار استمرار حزب "الأصالة والمعاصرة" في قيادة معارضة شرسة سخرت لها إمكانيات هائلة.

والغريب أن حكومة السيد عبد الإله ابن كيران كانت بعد سنتين من عمرها في عداد الساقطة لولا تدخل الملك الذي أنقذها، بتليين المفاوضات بين رجلين لم يكن يجمع بينهما إلا الشجار والملاسنة، وهما ابن كيران وصلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار.

ورغم وصول إلياس العماري لقيادة "البام" وإدريس لشكر للاتحاد الاشتراكي وحميد شباط للاستقلال، ورغم كل الضجيج والصراخ الذي طغى على الحياة السياسية حينها، فإن نتائج الانتخابات جاءت بموجة ثانية صادمة، بحيث لم يبق الإسلاميون في صدارة الانتخابات، بل حققوا نتائج أكبر وأصبحوا يسيرون أكبر المدن وأكثرها رمزية، وفي أحايين كثيرة بأغلبية مطلقة، كما استحوذوا على 125 مقعداً في البرلمان!

في هذه اللحظة بالذات، بدأ التفكير في بديل للوسيلة التي تمت بها إدارة الصراع مع هذا الحزب الملتحي، وكانت مشاورات ابن كيران لتشكيل حكومته مفاجئة صادمة له ولإخوانه في قيادة الحزب. وبما أن البيجيدي غير حاصل على الأغلبية المطلقة، فإنه وجد نفسه ممزقا بين قوة شرعية صناديق الاقتراع وهشاشة المعادلات الضرورية للحصول على الأغلبية، وهنا بدأ لعب تكتيكي لا قبل للإسلاميين به والقصة معروفة، حيث خسرها ابن كيران شخصيا نظرا لطوبيسيته كما يقال، وخسرها حزبه الذي تزعزعت أركان بيته الداخلي، وربحها مرحليا لاعب جديد قديم هو السيد عزيز أخنوش.

لقد أعفي ابن كيران وتوارى إلياس العماري ولم يكن هناك أثر بارز للمائة واثنين من برلمانيي "البام" في المعارضة، وطار حميد شباط وانحنى ادريس لشكر للعاصفة، وعزل نبيل بنعبد الله من الوزارة، وبقيت حكومة برأس إسلامي دون أن يكون لها طعم ولا رائحة، ليس بسبب رئاستها أو أعضائها -رغم الضعف الواضح في التشكيلة- ولكن بسبب ظروف ولادتها وسياق تشكيلها، بحيث إن نبيا لا يستطيع أن ينفخ الروح فيها.

هذه هي الأرضية المستوية الملساء التي هيئت لعزيز أخنوش، الزعيم الجديد للأحرار ولقيادييه القدامى، ولهذا وبدون انتظار، انطلقت الحملة العلنية من أجل 2021 ببروفايل جديد مخالف لإلياس العماري ومع رئيس حكومة وأمين عام جديد للبيجيدي على طرف نقيض مع شخصية عبد الإله ابن كيران، وفي جو سياسي خال من أسلحة الدمار الخطابية الشاملة.

وإذا كانت تجربة "الأصالة والمعاصرة" قد انبنت على تقرير الخمسينية وتقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، فإن التجربة الجديدة صورت نفسها على أساس أنها "استجابة لنداء صاحب الجلالة لإعادة النظر والتفكير في النموذج التنموي"، ولم تقدم نفسها كنقيض للإسلاميين، بل اعتبرت أن الأفكار والقيم هي ركيزتها للتفوق الانتخابي.

وحتى لا يتعب القائد الجديد للأحرار نفسه بالتأصيل النظري لحركته، فقد أكد أن القيم هي روح وجوهر أسرته السياسية، وأنه يفضلها على الإيديولوجيا والمرجعية المذهبية، إضافة إلى الفخر بالوجود "تحت قيادة جلالة الملك"، والمشكل في هذا الكلام الجميل أن كل الأحزاب السياسية تعتبر القيم هي جوهر مشروعها، وكل الأحزاب أيضا تفتخر بقيادة جلالة الملك. فما هو الجديد عند أحرار السيد أخنوش غير هذا المشترك؟

أولا هناك مقاربة تواصلية مختلفة بدينامية قرب ومحاولة إخراج على الطريقة الأمريكية للتعبئة الجماهيرية، إضافة إلى إصدار كتيب لبرنامج مرقم حول ثلاثي "بيرمودا"، وهو الشغل والصحة والتعليم، وكل هذا جيّد، ولكن إذا كان الإطار "أمريكيا" فالتواصل داخله كان نخبويا، والأحرار لحد الآن لا يملكون خطيبا مفوها مبعئا، بل إن اللغة بدورها تخون كثيرا من قيادات تجد صعوبة في ترجمة أفكارها الجيدة إلى مفردات يفهمها عموم الناخبين المحتملين.

المسألة الثانية والجوهرية هي أن السيد عزيز أخنوش وقيادييه يقدمون برنامجا قابلا للتطبيق في ثلاثة قطاعات اجتماعية أساسية وهم أصلا في الحكومة، مما سيجعل المواطنين يقولون إن أصواتهم التي أعطوها للأحرار في هذه الولاية تمت خيانتها، وإنه لا منطق لانتظار أربع سنوات أخرى لتطبيق وصفة يمكن أن تنقذ الناس من الهشاشة وإهدار الكرامة بدعوى انتظار قطف ثمار انتخابات 2021.

إنه الأسلوب الهادئ والأنيق الذي اختاره الأحرار اليوم كان من الأجدر أن يقوموا به وهم خارج الحكومة ليكرسوا أنفسهم للانتخابات، فلا عذر لوزير له فكرة ويدخرها ليستعملها في الانتخابات البعيدة!

يضاف إلى هذا أن الأحرار تحاشيا لتكرار تجربة "البام" عبروا عن أنهم استمرارية لأربعين سنة من تاريخ الحزب، وهذا خطأ، لأن ظروف حصول السيد أحمد عصمان على الأغلبية المطلقة عرفت تزويرا فاضحا سارت بذكره الركبان ولا يد للجيل الحالي من الأحرار به، وبالتالي فإن ما كان يسمى بالأحزاب الإدارية كانت لها ولادة جديدة مع مشاركتها في حكومة التناوب التوافقي مع الكتلة، ولم يكن هناك داع لإخراج الأشباح من قبورها وكتابتها في كتاب/برنامج يحمل اسم "مسار الثقة". ألم تقم الدولة نفسها بنقد ذاتي بما في ذلك الـ 144 مقعداً التي حصل عليها الأحرار من أصل 267، والتي تكتلت في تجمع عصمان سنة 1977، بمنعها بعد ذلك الترشيح لغير المتحزبين وبإعفائها لرمز التزوير إدريس البصري؟

لقد كان الأسلم والأكثر انسجاما، بالنظر للخطوات التي يسير بها هذا البديل المنتظر لإسلاميي المؤسسات، هو أن يخلقوا تنظيما جديدا على غرار ما جرى في فرنسا، فهل كان مقبولا أن يبقى السيد إيمانويل ماكرون في حكومة فرانسوا هولاند وهو يبشر ببرنامج حركته التي فاز بها بالرئاسة والأغلبية في البرلمان؟

إن المغرب بلد معقد في تركيبته المؤسساتية وفي علاقة حاضره بماضيه المعاصر، وفي علاقة نخبه الاقتصادية والسياسية بالسواد الأعظم من المواطنين، وفي الشرخ الثقافي الموجود بين مغربين لا يجمع بينهما إلا بطاقة التعريف الوطنية، وما دام هذا التعقيد غائبا عن الفاعل الطامح ليحكم المغاربة تحت مظلة الملكية التنفيذية، فإن الباب سيبقى مفتوحا لأكبر المفاجآت سواء في 2021 أو 2027، فصحيح أن المغاربة عموما فقراء ولكنهم ليسوا أغبياء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأحرار آخر رهان لهزم الإخوان الأحرار آخر رهان لهزم الإخوان



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 09:46 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة الحموشي تحتفي بأبناء وأرامل شهداء أسرة الأمن الوطني

GMT 19:39 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

الفضاء الأيكولوجي رهان التنمية المستدامة في مدينة وجدة

GMT 16:56 2015 الأربعاء ,06 أيار / مايو

الفنانة سلمى رشيد تشارك في عمل تلفزيوني جديد

GMT 19:14 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

"طائرة الأهلي" تنهي استعداداتها لمواجهة الشمس الجمعة

GMT 08:55 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة جديدة في أسعار سجائر "مارلبورو" و"ميريت"

GMT 23:12 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

هيثم خيري يعود إلى القصة القصيرة في "الصين الشعبية"

GMT 06:21 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

توين ساراكي تصبح خادمة لنيجيريا كلها بعد فقد جنينها

GMT 13:28 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

ميريام فارس تشارك تامر حسني حفلته الغنائية في القاهرة

GMT 19:15 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

حنان ماضي تشدو بأفضل أغنياتها في دار الأوبرا المصرية

GMT 04:07 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مروة تواصل تصوير مسلسل أردني جديد باللهجة اللبنانية

GMT 11:05 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

العثور على جزيئات بلاستيك في بلح البحر في القطب الشمالي

GMT 11:31 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات تخطف الأنفاس لنانسي عجرم ونادين نجيم وإليسا
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca