نكتة ستدخل التاريخ

الدار البيضاء اليوم  -

نكتة ستدخل التاريخ

بقلم - نور الدين مفتاح

مايزال الألم مما يجري في ما يسمى بحراك الريف سيد الأحاسيس، فعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي تعرفه مدينة الحسيمة، إلا أن كل شيء حول الملف مشتعل. وما إن نكاد نمسك بمسكن لهذا الألم في انتظار العلاج حتى يأتي فعل مشين أو رسالة أو فيديو أو تصريح ليعيدنا إلى نقطة الانطلاق.
 
وعندما آخذنا وزير الدولة في حقوق الإنسان السيد مصطفى الرميد في هذه الزاوية على صمته إزاء ما قالت منظمات وهيئات إنه خروقات جسيمة تعرض لها مواطنون من الشمال، خرج  باجتماع دعا له وسائل الإعلام ووجوها حقوقية معروفة، وهذه مبادرة تحمد له، إلا أن خطابه غلب عليه التوجه الرسمي التبريري، ووصل به الأمر إلى حدود الخروج بواحدة من أكبر النكت العالمية، حين أجاب على ما ورد في جزء من التقرير المسرب للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول تكسير الأبواب ليلا لاعتقال مشتبه فيهم بالحسيمة بأنه: "أخبرني السيد وزير الداخلية بأن الدولة قد أصلحت الأبواب المكسرة"! وحتى وإن كان هذا الجواب من شدة الذهول الذي يصاب به سامعه لا يحتاج إلى تعليق، فإن هذا الاعتراف الرسمي بأن هناك اقتحامات بهذا الشكل المروع للأسر الآمنة في جوف الليل يحتاج فعلا للمحاسبة، ليس لرجال الأمن المنفذين الذين سقط ضمنهم ضحايا، ولكن للسلطة التي أعطتهم الأوامر، ولمدبري الشأن الأمني كجزء من تدبير الشأن العام و للحكومة في النهاية، بدون الدخول في متاهات التعقيدات الدستورية والصلاحيات في المملكة!
 
وزير الدولة في حقوق الإنسان نفسه سينقلب 180درجة عندما سيتم تسريب شريط مهين لناصر الزفزافي وهو يصور في كافة أنحاء جسده بفيديو نشره موقع "برلمان.كوم"، ليقول إنه اتصل بوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت (عاود تاني) ليخبره بتألمه ويعبر له عن غضبه مما وصفه بالعمل "الصبياني"الذي يمس كرامته وكرامة جميع المغاربة. وهذه المرة سيتفق السيد وزير الداخلية مع وزير حقوق الإنسان، حسب رواية الرميد، وسيعبر بدوره عن غضبه من نشر الفيديو، ليتفق الاثنان على فتح تحقيق في الموضوع تجاوب معه وزير العدل السيد محمد أوجار.
 
والغريب أن السيد الرميد لم يدوّن ولا غرد عندما تم سلخ مواطنين السبت الماضي في قلب الرباط العاصمة، وكانت جريمتهم أنهم أرادوا تنظيم وقفة تضامنية من نصف ساعة أمام البرلمان مع معتقلي حراك الريف.
 
كما أن رسالة منسوبة لناصر الزفزافي أخرجها محاميه محمد زيّان أثارت زوبعة رسمية غير مفهومة تماماً، وهبت مندوبية السجون إلى تكذيب أن تكون الرسالة قد خرجت من السجن، ثم قيل إن الرسالة لم يكتبها الزفزافي وقيل إنه أقر بذلك لجهات رسمية، ووصل التصعيد إلى حدود استدعاء السجين إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للتحقيق معه حول الرسالة، مع العلم أن رسالة من سجين إلى محاميه تعتبر من أبسط الأمور، وقد خرجت رسائل بالآلاف من السجون، ومنها مراجعات كبيرة لمعتقلي السلفية الجهادية، بل إن المتطرف فكري الذي كانت يداه ملطختين بالدماء في قضية قتل موثق بدعوى تكفيره في بداية الألفية سبق وأن أخرج رسالة ملأت صفحتين من جريدة من حجم "الأيام" دون أن تقوم هذه القيامة. وهذا قوبل بالتصعيد من طرف المحامي زيّان، الذي لا يعتبر معارضاً للنظام ولا انتمى للنهج ولا إلى الأمام، بل كان قياديا في الاتحاد الدستوري ووزيراً لحقوق الإنسان ومحاميا للحكومة، وهذا الريفي هو الذي يقول اليوم: "إن النظام الذي يتدخل بين المحامي وموكله هو نظام فاسد"، ويضيف في حوار مع "الأيام" أن الملك محمد السادس يتعرض لمؤامرة في ملف الحسيمة!
 
والأغرب في هذه التفصيلة ضمن تفاصيل كثيرة تتراكم لتصبح متنا هو أن منطوق الرسالة المصاغة بشكل جيد ليس فيه ما يفزع، بل إن الزفزافي المنسوبة إليه يتوجه في البداية بتحية احترام لكافة "إخواننا في ربوع الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه"، ويحدد أن تضحياته إنما هي: "في سبيل تحقيق مطالب ساكنة الريف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحقوقية"، ولا يذكر ملك البلاد إلا معتبرا أنه لم يسلم من المسؤولين الذين كذبوا عليه، ناعتا إياه بـ "أمل" حراك الريف، ويوصي المحتجين بالسلمية ونبذ العنف "كسبيل وحيد لتحقيق ملفنا المطلبي".
 
أمن أجل هذا تقام الدنيا ولا تقعد وتحول أنظار الرأي العام إلى موضوع يزيد سطرا في كتاب التدبير السيء لملف حساس؟ إن الأسئلة الاستنكارية هي أكبر من هذا الملف ذاته. فبقدر ما رأينا كيف تم نسج مقاربة من الكياسة في التعامل مع الحراك لمدة شهور البلوكاج، بقدر ما صدمنا بإشعال شرارة الانفلات عن طريق رعونة سياسية اتهمت المحتجين بالانفصال من طرف أحزاب الأغلبية، ودخلنا في دوامة من العنف والاعتقالات وتناقض الخطاب الرسمي ما بين الاعتراف بالتقصير في المشاريع المبرمجة للحسيمة، مما يعني أن المحتجين كانوا على صواب، وما بين قمع هذا الصواب ليبقى في أيدينا هذا الملف الملغز، الذي لا محالة يحمل بصمة "لعب الكبار على حساب الصغار".

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نكتة ستدخل التاريخ نكتة ستدخل التاريخ



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 03:25 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

تعرفي على أفضل عطر للعروس يوم الزواج

GMT 07:55 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مجموعة "سلڤاتوري فيراغامو" لربيع وصيف 2018 للمرأة المتفرّدة

GMT 14:01 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

البناطيل عالية الخصر أحدث صيحات موضة المحجبات

GMT 00:33 2018 الأحد ,23 أيلول / سبتمبر

شريف إكرامي يُعلن رفضه دور المُوظّف في الأهلي

GMT 12:19 2018 الخميس ,13 أيلول / سبتمبر

العالمية

GMT 20:05 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

تشكيل لجنة مؤقتة لتسيير الاتحاد المغربي للغولف

GMT 13:15 2018 الأحد ,02 أيلول / سبتمبر

شباب الريف الحسيمي يستقبل في إمزورن دون جمهور

GMT 18:19 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

قارورة عطر سان لوران بتصميم ناعم باللون الوردي

GMT 05:41 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

جينيفر لوبيز أنيقة في بلوفر مخطط وسروال جينز

GMT 16:17 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

حادثة سير مروعة في مرتيل كادت تودي بحياة مراهقين

GMT 05:37 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفِ أقلام حمرة الشفاه الجديدة من مارك جايكوبس
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca