ليس مجرد شغب!

الدار البيضاء اليوم  -

ليس مجرد شغب

حسن طارق

ببساطة جديرة بالخواء المهيمن على فضائنا العمومي، مررنا جميعا قرب أحداث الشغب الرياضي لنهاية الأسبوع الماضي، دون أن نطرح الأسئلة المطابقة التي يمكن أن تذهب قليلا إلى أبعد ما تستدعيه تلك المحطة المؤلمة من مجرد  قراءات سريعة وأجوبة جاهزة ومكررة.
استغرقنا اللحظة الأولى في الذهول والمشاعر الإنسانية، ثم انتقلنا بسرعة فائقة إلى الهواية الوطنية الأولى للبلاد: إنتاج اللغة المغرقة في بلاغة الخشب.
ما وقع ليس مجرد أحداث متفرقة في زحمة الأخبار، بل عينة عشوائية من كمية العنف المستقر في قعر المجتمع، ودليل إضافي على الشرط الاجتماعي والنفسي الذي تعيشه الشبيبة المغربية، خاصة في امتداداتها الحضرية وهوامشها الفقيرة.
ما وقع لا يقتضي -فقط- مجرد عقوبات إدارية، أو تعزيزات للمنظومة الجنائية والأمنية المحيطة بالأنشطة الرياضية ذات البعد الجماهيري، بل يدعو إلى استدعاء السؤال الغالب حول واقع السياسات الموجهة للشباب في هوامش المدن، وداخل القرى البعيدة، حول حدود الالتزام الاجتماعي للدولة في مواكبة التحولات الكبرى للشبيبة المغربية، وحول الفضاءات السوسيو ــ تربوية الموضوعة رهن إشارته، وحول مدى استبطان المدرسة العمومية ضمن مناهجها وأهدافها لثقافة السلوك المدني وقيم المواطنة.
من جهة أخرى، ثمة حاجة ماسة إلى إعادة تعريف الرياضة المغربية ضمن أفق تربوي وقيمي، يجعلنا من جديد ننظر إليها كمغامرة إنسانية نبيلة محفزة على التنافس، وتعلم الحياة، والتربية على المثابرة، والإيمان بالعمل الجماعي والتقاسم والتضحية، وثقافة الجهد وأخلاق احترام الخصوم.
لنلاحظ أن الخطاب المنتج حول الرياضة في بلادنا، من طرف الفاعلين والمؤسسات والصحافة، هو عموما خطاب تقنوي بلا روح، لا يعمل سوى على إعادة إنتاج بعض الكليشيهات الساذجة حول البعد الاقتصادي للأنشطة الرياضية، لذلك يبدو منبهرا بمفردات «الاحتراف»، «الإشهار»، و»المانجمانت»… في المقابل نكاد نجزم بغياب أدنى فكرة لدى مدبري الشأن الرياضي، حول الوظائف المفترضة للرياضة في السياق السياسي والاجتماعي والثقافي للشبيبة المغربية، سواء كآلية للإدماج الاجتماعي، أو كمعبرة عن الروح الجماعية للأمة.
أكثر من ذلك، فإن هامشية المساحة التي تحتلها أنواع مثل الرياضة القاعدية، رياضة القرب داخل الأحياء والقرى، الرياضة المدرسية، مقابل التركيز المبالغ فيه على «رياضة النخبة»، يجعل الحديث عن الأبعاد الاجتماعية والتربوية للرياضة، فاقدا للمعنى.
الرياضة المغربية التي ارتبطت بالحركة الوطنية، وبلحظة بناء المشروع الجماعي للشباب المغربي في محطاته التأسيسية، تبدو في الغالب، اليوم، أسيرة للفساد المالي والأخلاقي، مستعملة ببشاعة ضمن الرهانات السياسوية والانتخابية، ومختطفة ضمن لعبة السلطة والبزنس.
لذلك، فمشاهد السبت الأسود – كما تقول العبارة الكسولة – لا تعبر في الواقع، سوى عن الحقيقة الجوهرية للرياضة، كما هي اليوم: مزيج قابل للانفجار من الفساد والسياسة، المال والسلطة، الشباب والفقر. كل ذلك تحت تأثير السحر الغامض..للكرة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس مجرد شغب ليس مجرد شغب



GMT 19:47 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

الاثنين أو الأربعاء

GMT 19:40 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

«إسرائيل الكبرى»: الحلم القديم الجديد

GMT 19:37 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

2025 سنة دونالد ترمب!

GMT 19:34 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

هل يقدر «حزب الله» على الحرب الأهلية؟

GMT 19:31 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

أحلام ستندم إسرائيل عليها

GMT 19:28 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

GMT 19:24 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

المستهلك أصبح سلعة

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 21:15 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

فهد الهاجري ينافس في قائمة الكويت في "خليجي 24"

GMT 13:10 2014 الثلاثاء ,22 إبريل / نيسان

الرضاعة تُقلل من مُضاعفات الأمراض المُعديّة

GMT 10:04 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 2

GMT 15:18 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الحكم على الفنان السوري سامو زين بالسجن عامين

GMT 09:50 2020 الخميس ,12 آذار/ مارس

في بعض أبعاد سيكولوجية الهلع
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca