نهاية أوروبا

الدار البيضاء اليوم  -

نهاية أوروبا

بقلم : حسن طارق

بقليل من المجازفة يمكن القول إن استفتاء الجمعة الماضي الذي أقرّ بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بفارق ضعيف من الأصوات، هو تعبير واضح عن نهاية “أوروبا السياسية”. ذلك أن هذا القرار يعني بالأساس أفولا للحلم الأوروبي، الذي لم يعد قادرا على تعبئة المواطنين كفضاء للتقدم الاقتصادي والرخاء الاجتماعي والتعايش الثقافي .
طبعا، ظلت بريطانيا لأسباب تاريخية موزعة بين الهوى الأوروبى والهوى الأمريكي، ولذلك كانت عضويتها في الاتحاد الأوروبي عضوية مشروطة ومتطلبة، ومن ذلك رفضها الانخراط في “فضاء شنغن” أو في نظام “اليورو”، ولذلك، ربما، ظلت دائما على مسافة انتقادية من نفوذ الزوج الألماني /الفرنسي.
تداعيات هذا الخروج، قبل أن تكون أوروبية في الأساس، ستكون في البداية بريطانية / بريطانية، ذلك أن المملكة المتحدة صارت مهددة جديا بالتفكك، ذلك أن “اسكتلندا” قد أصبحت عمليا على أبواب استفتاء لمغادرة بريطانيا، بالنظر إلى تمسك مواطنيها بخيار الاتحاد الأوروبي، وهو أمر يمكن أن تعرفه، كذلك، “أيرلندا الشمالية” أو “ويلز” لتنكمش بريطانيا، في نهاية هذا السيناريو الواقعي، إلى حدود ما كان يُعرف بإنجلترا.
بعيدا عن الاتحاد البريطاني، التداعيات، كذلك، جدية على مستوى القارة العجوز، فالتيارات اليمينية المتطرفة في الدول الأوروبية الكبرى، ستعتبر أن الاستفتاء البريطاني، بمثابة سقوط قطعة “الدومينو” الأولى، والتي لاشك سيكون لها ما بعدها. فسواء في فرنسا أو ألمانيا أو هولندا أو إيطاليا أو السويد، استعملت العبارات نفسها وتكررت المقولات ذاتها حول ضرورة تملك الشعوب لسيادتها، وحول الحاجة إلى تحرير القرار السيادي الوطني في مواجهة تحديات الهجرة والإرهاب .
استفتاء الجمعة الماضي، ليس حالة سياسية بريطانية، لكنه جزء من المزاج الأوروبي العام، الذي فقد الثقة في الانتماء إلى هوية أوروبا سياسية وموحدة، نتيجة تعمق وضعية انكفاء هوياتي بدلالات وطنية شوفينية، تغذيها كراهية مقيتة للأجانب و”فوبيا” متزايدة من الإسلام، فضلا عن آثار أزمة ما بعد دولة الرعاية الاجتماعية، مضافة إليها آثار الانفتاح على العضويات الجديدة، وصعوبات تدبير الملفات الطارئة مثل القضايا الأمنية وقضية اللاجئين، والتي تجعل قطاعات واسعة من الرأي العام داخل الدول الأوروبية، تعلق أسباب الانكماش الاقتصادي على مشجب “نخب بروكسيل”، وعلى سياسات التقارب المتبعة من طرف القيادة الأوروبية .
عربيا، تبدو الآثار الممكنة لهذا الزلزال السياسي، موزعة بين مخاوف تأثيره على النموذج البريطاني المبني على التعايش والتنوع وهو نموذج تستفيد من خصوصياته العديد من الجاليات المسلمة والعربية، وبين الأمل في إضعافه لوقع السياسة العربية لبريطانيا، وهي سياسة ظلت في قضايانا العربية رديفة دائمة للاختيارات الأمريكية .
وبين تلك المخاوف وذلك الأمل، كان على مجتمعاتنا أن تقف مشدوهة أمام درس جديد في الديمقراطية، وفي احترام إرادة الشعوب .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية أوروبا نهاية أوروبا



GMT 09:40 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

فعول، فاعلاتن، مستفعلن.. و»تفعيل» !

GMT 06:51 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

من يسار ويمين إلى قوميين وشعبويين

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 06:13 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

GMT 07:07 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المهنة: مكتب دراسات

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 21:15 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

فهد الهاجري ينافس في قائمة الكويت في "خليجي 24"

GMT 13:10 2014 الثلاثاء ,22 إبريل / نيسان

الرضاعة تُقلل من مُضاعفات الأمراض المُعديّة

GMT 10:04 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 2

GMT 15:18 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الحكم على الفنان السوري سامو زين بالسجن عامين

GMT 09:50 2020 الخميس ,12 آذار/ مارس

في بعض أبعاد سيكولوجية الهلع
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca