دروس بليغة، فهل من عقول تعتبر؟

الدار البيضاء اليوم  -

دروس بليغة، فهل من عقول تعتبر

أحمد عصيد

لم يكن المشهد في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط في يوم ما أكثر بيانا وإفصاحا مما هو عليه هذه الأيام، الدروس والعبر تتوالى من كل صنف ونوع، والوقائع تكاد تصرخ في الناس لتعلن لهم ما يهربون من سماعه، فالإسلام السياسي يحصد الأرواح بالجملة، ودعاته وأنصاره هم أول ضحاياه، والعالم يتعبأ لحماية نفسه من الإرهاب، رغم ذلك ما زالت عقول أولائك الذين أشعلوا فتيل هذه الفتن يمانعون ضدّ أية مراجعة أو اعتراف بخطئهم، مما يجعلهم ينهمكون في مزيد من التنظير للكراهية، وفي مزيد من التزكية المقنّعة للقتل والتفجير، وكأنهم يشعرون باقتراب النهاية، فيعمدون إلى إلحاق أكبر الأضرار بهذا العالم قبل مغادرته غير مأسوف عليهم.

يعيش الإسلام المعاصر جرحا بليغا استعصى على العلاج لقرن كامل، ويتمثل هذا الجرح في فشل مسلسل التحديث من الداخل، وفشل اللحاق بالدول المتقدمة، وتوفر السيولة من أموال البترول في غياب حسّ حضاري وعقل مدبر، وهيمنة الماضي على الحاضر والمستقبل، مما جعل كبرياء المسلمين تتلقى ضربات كثيرة، لم تنفع لجعلهم يستيقظون على أوضاعهم الحقيقية، وأدت عكس ذلك إلى نشوء أمراض وتشوهات كثيرة، كان أبرز مظاهرها الاستبداد السياسي المزمن، الذي أصبح ذهنية سائدة في المجتمع، والعنف والتطرف باسم الدين.

ما زال ثمة من يحلمون بإقامة "الدولة الإسلامية" عبر العنف والتقتيل، كما ما زال هناك من ينتظر أن تأتي عبر صناديق الاقتراع، بينما الحقيقة أن الذين يسعون إلى إقامة الدولة الدينية عبر الجهاد المقدس يعكسون في سلوكاتهم مظاهر البدائية السابقة على وجود الدولة، بينما الذين ينتظرون فتوحات انتخابية لا يؤمنون بالديمقراطية، مما يجعلهم في حالة تنافي مزمنة. فلا هؤلاء يفهمون معنى الدولة ولا أولائك، لكنهم رغم ذلك يجعلونها نصب أعينهم فلا تفارق أحلامهم.

والدرس الذي لم تستوعبه بعد تيارات التطرف الديني السياسية منها والجهادية هو التالي: أن الدولة الدينية لن تعود أبدا لا بالعنف ولا بالانتخابات، لأن العنف لا يبني دولة ولا يؤسس حضارة. ولأن الانتخابات آلية من آليات الدولة الحديثة وليس لها أي معنى أو أية مردودية خارج النموذج الذي تنتسب إليه، وهذا ما يفسر عدم جدوى الانتخابات حتى الآن في بلدان المنطقة.

العنف يعود بممارسيه تدريجيا إلى البدائية الأولى حيث ينزلقون دون شعور منهم إلى اقتراف الجرائم البشعة وهم يعتقدون أنهم يقتربون من أهدافهم، ولهذا يتخذ العنف الأصولي طابع الانتحار الجماعي. كما تقتضي الانتخابات وعيا نسبيا يستحضر الآخرين باعتبارهم شركاء في الفضاء وفي مشروعية التداول على الحكم، وهو ما لا يقبله من يقسم العالم إلى مؤمن وكافر، أسود وأبيض، مهتدي وضال. لهذا سرعان ما يقع المشارك في الانتخابات بهذا المنظور في التناقض بين نسبية التداول على السلطة وإطلاقية الرغبة في الاستيلاء على الدولة، والنتيجة أن الانتخابات تصبح بداية المشاكل وليست نهاية لها.

لن نقول ما قاله المعرّي قبل ألف عام: "ولا حلّ إلا بالطوفان يغسل هذه الأرض"، ولكننا نقول إن وقف المأساة وإنهاء حمام الدم الحالي لا يكون إلا بالاهتداء إلى أمر بسيط للغاية، وهو أن الدين لا يمكن أن يكون دولة، وأن الدولة لا يمكن اختزالها في دين معين، وأن الإنسان في جوهره حرية، أي إرادة واختيار، وما دون ذلك توافق وتنافس، وحوار وإبداع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس بليغة، فهل من عقول تعتبر دروس بليغة، فهل من عقول تعتبر



GMT 19:47 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

الاثنين أو الأربعاء

GMT 19:40 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

«إسرائيل الكبرى»: الحلم القديم الجديد

GMT 19:37 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

2025 سنة دونالد ترمب!

GMT 19:34 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

هل يقدر «حزب الله» على الحرب الأهلية؟

GMT 19:31 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

أحلام ستندم إسرائيل عليها

GMT 19:28 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

GMT 19:24 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

المستهلك أصبح سلعة

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 19:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 19:15 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 12:28 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور السبت26-9-2020

GMT 23:26 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

زهير العروبي يتدرب مع فريق الوداد الرياضي

GMT 01:36 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

العابدين يؤكد الانتهاء من تصوير مشاهد فيلم "عصمت أبو شنب"

GMT 17:07 2018 الثلاثاء ,31 تموز / يوليو

حافلة للنقل الحضري تدهس طفل وسط مدينة مراكش

GMT 03:32 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

مكياج بألوان الطبيعة يوقظ البشرة الشاحبة

GMT 13:43 2018 الخميس ,05 إبريل / نيسان

شاوشي يكشف تفاصيل شجاره مع حامل الكرات

GMT 06:34 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

راغب علامة يحتفل بعيد ميلاد إبنه لؤي في أجواء عائلية

GMT 14:14 2013 الخميس ,21 شباط / فبراير

"Ryugyong" أكبر فندق مهجور في كوريا الشمالية

GMT 03:05 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

"الأصالة" ينظم ندوة بشأن ظاهرة شغب الملاعب في المغرب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca