الاتفاق النووي بين الفرصة والإمكانية

الدار البيضاء اليوم  -

الاتفاق النووي بين الفرصة والإمكانية

مصطفى فحص


تدرك طهران جيدا أنها أمام فرصة تاريخية لن تتكرر، من أجل إنهاء خلافها مع الولايات المتحدة. وهي تسابق الزمن مع ما تبقى من الوقت للرئيس الأميركي بارك أوباما من فترة رئاسته الثانية، قبل خروجه من البيت الأبيض، من أجل التوصل إلى اتفاق شامل، يساعدها على الخروج من عزلتها السياسية والاقتصادية والاعتراف بنفوذها الإقليمي.
تعتبر الدبلوماسية الإيرانية أنه «ليس للعالم طريق آخر إلا الاتفاق مع طهران»، وتعلل ذلك بتمسك الأطراف الدولية (دول «5+1») باستمرار المفاوضات، التي أنتجت تمديدا ثانيا لاتفاق جنيف الأول، وأنهت المرحلة الثانية منه بالتوافق على جدول أعمال للجولات المقبلة في شهر مارس (آذار) المقبل، محورها ضرورة التوصل إلى اتفاق أطر ينظم مستقبل التفاهمات الإيرانية - الغربية. وهي في الوقت نفسه تعتبر أن هذا الموعد يشكل الفرصة الحقيقية والوحيدة المتبقية لها، ويتطلب منها مجهودا حثيثا من أجل إقناع خصومها بشفافية برنامجها النووي، وحسن نواياها في مسألة إنهاء خلافاتها مع المجتمع الدولي، خصوصا الولايات المتحدة، وهذا ما عبر عنه الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى الـ36 لانتصار الثورة.
في السياق نفسه، لمح رئيس مصلحة تشخيص النظام الرئيس السابق الشيخ هاشمي رفسنجاني، في حديث، إلى الفرصة المتاحة أمام الجميع من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي، في جولات جنيف المرتقبة، التي كما قال «يباركها مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي»، مؤكدا أن بلاده «دخلت المفاوضات النووية بملء إرادتها، وهي مستمرة بها، بدعم من السيد خامنئي، حيث تختصر مطالبها في ضمان حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية».
منذ انطلاق المفاوضات النووية بين إيران ودول «5+1» تلوح في الأفق فرص للتوافق، إلا أنها تصطدم في اللحظة الأخيرة بعدم القدرة على تحقيقها، فإمكانية تحقيق التوافق حول الملف النووي بين الأطراف المفاوضة ما زالت تعترضها الكثير من العقبات.
فقد اكتشفت طهران أن رغبة الرئيس الأميركي بارك أوباما في تحقيق اتفاق معها هي من باب تسجيل إنجاز تاريخي ينهي به حياته الدبلوماسية المتعثرة، لكن هذه الرغبة غالبا ما تصطدم بضيق رقعة الخيارات والإمكانيات المتاحة لأوباما وفريق عمله في البيت الأبيض، الأمر الذي يؤدي إلى استحالة في تجاوز العقبات والحواجز التي يضعها مهندسو صنع القرار الأميركي، هذا عدا عقبات إضافية تضعها الدول المشاركة في المفاوضات، التي تتسبب في إعادتها في اللحظة الأخيرة من كل جولة إلى نقطة البداية.
كما تعرف طهران أن مفاوضات التوصل إلى اتفاق مع المجتمع الدولي تصعب يوما عن يوم، ويتطلب تذليل الصعوبات تنازلات أصعب، قد لا تتوقف عند حدود الملف النووي، بل تتعداه إلى تحجيم أو تقنين قدرات عسكرية أخرى تمتلكها، وربما الدخول في تفاهمات إقليمية تضع حدا لتدخلاتها في شؤون الجوار، أو تقليص دائرة نفوذها الحالية. فعلى الرغم من رغبة إدارة البيت الأبيض الجدية في إنهاء الخلاف معها، فإن ذلك لا يمكن أن يتحقق على حساب حلفاء آخرين، لديهم شروطهم وملاحظاتهم وتحفظاتهم، إضافة إلى أنهم يملكون أدوات تسمح لهم بتعطيل الاتفاق أو تأجيله في حال لم يلحظ مصالحهم أولا.
بين الفرصة والإمكانية خيط رفيع مزدحم بتفاصيل تسكنها الشياطين، كل واحدة منها قادرة على إعادة الفرق المفاوضة إلى ديارها خالية الوفاض. وهناك في طهران من يعلم أن ظروف التفاوض صعبة كما الوصول إلى اتفاق، ومع ذلك يقوم بوضع العراقيل بدوره، لأنه يبدو أنه مكتفٍ بمكاسب عملية التفاوض على الصعيد السياسي، وليس بالمفاوضات بشكل عام.
فالاتفاق الذي من الممكن أن تحققه إدارة حسن روحاني قد يسلب الطرف المناوئ للمفاوضات داخليا شرعيته الدينية والجماهيرية، التي بناها على العداء للغرب، وستكون خصومته الآيديولوجية مع الغرب أولى ضحاياه. وفي حال جرى التوقيع فإنه سيرمي بكرة لهبه إلى الداخل الإيراني، الذي سيسارع حتما إلى قلب الطاولة، وتحويل الفرصة المتاحة إلى واقع ملموس، وسيتمسك الشعب الإيراني بما قدم له، ولن يسمح برفضه من قبل بعض أجنحة الحكم، التي ستخسر بالتالي وبطريقة تدريجية مواقعها ونفوذها، وستذعن لما سيحدده الاتفاق المتوقع، مجردة من كل أسلحتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاتفاق النووي بين الفرصة والإمكانية الاتفاق النووي بين الفرصة والإمكانية



GMT 19:47 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

الاثنين أو الأربعاء

GMT 19:40 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

«إسرائيل الكبرى»: الحلم القديم الجديد

GMT 19:37 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

2025 سنة دونالد ترمب!

GMT 19:34 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

هل يقدر «حزب الله» على الحرب الأهلية؟

GMT 19:31 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

أحلام ستندم إسرائيل عليها

GMT 19:28 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

GMT 19:24 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

المستهلك أصبح سلعة

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 00:01 2018 الأربعاء ,16 أيار / مايو

دجاج على الطريقة الصينية "دجاج كانتون"

GMT 22:00 2017 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

الارشيف الوطني ومشجب أسرار الدفاع الوطني

GMT 03:34 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

طرح منزل الكشافة بادن باول للبيع مقابل 3.5 مليون استرليني

GMT 16:43 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

متشرد يوقف "طرامواي’" الدارالبيضاء في الحي المحمدي المغربي

GMT 11:24 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الفنان حسن كامي والفنانون ينعوه برسائل مؤثرة

GMT 06:35 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر نفط عُمان يرتفع الى 71.14 دولار الخميس

GMT 12:44 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

هوجو جاستون يحرز ذهبية التنس في أولمبياد الشباب

GMT 07:00 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

ألوان ظلال الجفون "الصارخة" تسيطر على موضة الخريف

GMT 22:22 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

اكتشفي طرق سهلة و مريحة لتنظيف أواني الطهي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca