إيران من الثورة إلى الانتداب

الدار البيضاء اليوم  -

إيران من الثورة إلى الانتداب

مصطفى فحص


اعتبر الرئيس الإيراني، الشيخ حسن روحاني، أن بسط السلام والاستقرار واستئصال الإرهاب في الشرق الأوسط يمران عبر الجمهورية الإسلامية. وأضاف روحاني في الخطاب الذي ألقاه يوم الأربعاء في الذكرى الـ36 على انتصار الثورة، أن إيران هي الدولة الوحيدة التي ساعدت شعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن لمواجهة المجموعات الإرهابية.

ولكن بعد 36 سنة على الثورة الإيرانية، وادعاءات طهران بمكافحة الإرهاب وصناعة الاستقرار، تدفعنا مشاهد أشلاء الأطفال المتناثرة، في مدينة دوما في ريف دمشق، التي تمر أمام أعيننا منذ عدة أيام، وقبلها المجازر المتنقلة بين المدن والقرى والأحياء على كامل التراب السوري، التي يرتكبها نظام بشار الأسد، وبينها عودة حمزة الخطيب من صف القراءة إلى حضن أمه، وحضن التراب مقطع الأعضاء، وخروج الرضيع بلال فرزات الديلاتي من تحت أنقاض البيوت التي سقطت فوق رؤوس قاطنيها في دوما، والحصار المستمر لمخيم اللاجئين الفلسطينيين في اليرموك، إلى الشروع بمراجعة جدية لقناعاتنا والتزاماتنا، ليس فيما يتعلق بحاضرنا فقط، بل بماضينا القريب أيضا، من منطلق إنساني وأخلاقي بعيد من العصبيات القومية والمذهبية والسياسية، لعلنا بذلك نتمكن من أن نتعاطى بطريقة أكثر واقعية مع إيران الثورة والنظام.

يقال إن الفرد لا يمكن أن يسقط، وإن تعثر، حين يلزم نفسه بموقف أخلاقي، وقد تسقط الأنظمة إن لم تدافع عن مصالحها، أو حين تبالغ في الدفاع عنها. والدول مصالح وليست مؤسسات خيرية أو قيما أخلاقية، لذلك فهي، أي الدول أو الأنظمة، في خضم تصديها لا تحتاج إلى مسوغات أخلاقية كي تحمي نظام مصالحها. كما أنها حين تستشعر العظمة نتيجة تراكم قدراتها، أو ضعف خصومها، فإنها ترفع تفوقها إلى مستوى الآيديولوجيا، وتحولها إلى رأس حربة في خدمة مشاريعها.

لكن ثورة الشعب السوري عرّت كل خبايا طهران، ووضعتها وجها لوجه في مواجهة مع الشعوب العربية قبل أنظمتها، فثورة المستضعفين على المستكبرين تستضعف الآن المواطنين في سوريا واليمن والعراق ولبنان وتستكبر عليهم، وتقوض مطالبهم بالعيش بكرامة وحرية، كأن لا حق للشعوب العربية بالثورة ونعمة الحرية، إلا بما أمرت وما اكتسبت وما سوف تكتسب.
إيران بعد 36 عاما على ثورتها ضد الاستبداد، هي لا تسمح حتى الآن للعراقيين، وخصوصا الشيعة، بأن يبنوا دولتهم الوطنية، رغم سقوط صدام حسين، عدوها، مستعينة بالميليشيات التي صنعتها على الدولة التي أجهضتها، واختزلت سوريا ببشار الأسد وربما المنطقة كلها، فاستباح بلاده وشعبه، وأحرق ما حوله بتغطية ومباركة كاملة منها، وصلت طهران إلى اليمن أيضا، فمزقت ما تبقى من النسيج الاجتماعي اليمني الجاهز للانفجار والتشظي، أما في لبنان، رغم دورها الإيجابي بدعم المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنها تجر شبان الطائفة الشيعية إلى المحرقة السورية، وتعطل الاستحقاقات الوطنية، وتربطها بمستقبل مفاوضاتها النووية مع الغرب.

في الذكرى الـ36 على الثورة، يبقى الرهان على أن تعود إيران دولة وطنية تهتم بشؤون مواطنيها، وتنمية قدراتها واستثمار إمكانياتها لصالح الداخل الإيراني، وإنهاء خلافاتها مع جوارها العربي، من خلال دور بناء، يعيد دمجها مع المكونات السياسية والعرقية والمذهبية لجوارها العربي والإسلامي، بعد أن تسبب طموحها بنفوذ إمبراطوري إلى إفلاسها ماديا وعزلها سياسيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران من الثورة إلى الانتداب إيران من الثورة إلى الانتداب



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 04:38 2016 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

معتقدات متوارثة عن الفتاة السمراء

GMT 18:38 2017 الثلاثاء ,20 حزيران / يونيو

شاروخان يعيش في قصر فاخر في مدينة مانات الهندية

GMT 12:25 2012 الإثنين ,23 تموز / يوليو

إيطاليا، فرانكا سوزاني هي لي

GMT 11:25 2014 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

"عام غياب الأخلاق"

GMT 01:38 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

فالفيردي يحشد قوته الضاربة لمواجهة "سوسيداد"

GMT 21:23 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل مُثيرة جديدة بشأن زواج "شابين" في المغرب

GMT 18:28 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

جوجل تدعم أذرع تحكم "Xbox" على إصدار Android 9.0 Pie
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca