«14 آذار» الآن ما العمل..؟

الدار البيضاء اليوم  -

«14 آذار» الآن ما العمل

مصطفى فحص

لم تكن الحركة الشعبية التي عرفت بانتفاضة الاستقلال، والتي اجتاحت ساحة الشهداء يوم الرابع عشر من مارس (آذار) سنة 2005 بعد شهر من اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري، رد فعل على الجريمة فقط، بل كانت أيضا نتيجة لتراكمات سياسية ثقافية واجتماعية ومعيشية، كان في أولوياتها الدفاع عن السيادة وحماية الاستقلال والحفاظ على الكيان، بعد أن تجاوز مستوى تدخل أجهزة نظام الأسد في حياة اللبنانيين كل الحدود والأعراف، حيث تم تعطيل الحياة السياسية اللبنانية، لتصبح أحزابها وشخصياتها بمثابة عضو رديف في الجبهة التقدمية في دمشق، لصاحبها حزب البعث الحاكم، ولم تعد الحياة التشريعية اللبنانية تختلف عن الصلاحيات الصورية، المعطاة لمجلس الشعب السوري، فقد توجت سلطة الوصاية السورية على لبنان نفوذها النهائي، بإخضاع مؤسسات الدولة لسلطات النظام الأمني السوري اللبناني المشترك، الذي حول قصر بعبدا (مقر إقامة رئيس الجمهورية) إلى فرع أمني يتحكم في الحياة السياسية اللبنانية، وفقا لما يراه مقر المخابرات السورية العالمية في لبنان في مدينة مجدل عنجر البقاعية مناسبا.

منذ تلك اللحظة وحتى الآن، أي منذ 10 سنوات مرت على هذه الانتفاضة، بعد أن فرض مليون ونصف مليون لبناني نزلوا إلى الشارع على المجتمع الدولي إخراج جيش نظام الأسد من لبنان، وسبقه إسقاط حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي، تمارس قوى الرابع عشر من آذار في أغلب الأوقات ردود فعل سياسية، وقليلا من الفعل السياسي، فقد اكتفت بإنهاء عهد الوصاية، وفتحت من بعدها عهد التسويات السياسية مع كل الفرقاء اللبنانيين، دون الالتزام بالحد الأدنى من الشعارات التي رفعها جمهورها وانتفض من أجلها، وقدم العديد من قادته شهداء في معركة حرية لبنان واستعادة الاستقلال.
تعرضت قوى «14 آذار» لضغط هائل ومبرمج من قبل حزب الله المدعوم من قبل النظامين الإيراني والسوري، الذي اجتاح بيروت في 7 مايو (أيار) 2008، بعد احتلاله وسط بيروت لأكثر من عام، متوجا ثورته المضادة بإسقاط حكومة الرئيس فواد السنيورة، تلا ذلك خروج زعيم الدروز وليد جنبلاط من «14 آذار»، لتصاب بانتكاسة معنوية وسياسية لم يزل يصعب عليها تعويضها، ولكن لم تعد أزمة هذه القوى أنها تتعامل سياسيا مع خصم يمتلك ترسانة عسكرية، قادر على لي ذراعها في أي لحظة من أجل الحصول على امتيازاته السياسية، بل إن الأداء المضطرب داخل صفوفها ساعد على تراجع مكانتها بين مؤيديها، خصوصا نخبتها المدنية العابرة للطوائف، التي جمعت مسلمين ومسيحيين، يساريين ويمينيين، تقدميين وتقليديين، في مشهد قل نظيره في المشرق العربي، واستطاعت هذه المجموعة ردم الهوة سريعا بين المكونات اللبنانية التي تشكلت منها قوى «14 آذار»، وأعادت ترميم الجسور بينها بمختلف حساسياتها بعد عقود من التفرقة، التي مارستها سلطة الوصاية الأسدية، فكانت صلة الوصل بين مشارب متعددة ومختلفة من طبقات المجتمع الأهلي اللبناني، بانتماءاته الحزبية والمناطقية والطائفية وبين الطبقة الحاكمة، مما أمن لها أدوات مواجهة مهمة. لكن هذه القوى لم تعرف الاستفادة مما حققته في أكثر من محطة، ففشلت في تنفيذ وعودها، وانعكس ذلك على جمهورها، الذي سرعان ما أصيب بخيبات أمل، أعادته إلى المربع الأول، وأفقدته شعور القدرة على التغيير، بسبب امتثال قادته الآذاريين لشروط اللعبة السياسية والتسويات ونظام المصالح التي تدير لعبة السلطة والنفوذ والمكاسب بين جميع الفرقاء.
بالنسبة للكثير من النشطاء المؤثرين داخل «14 آذار» فإن التسويات السياسية، ولعبة المصالح والمحاصصات وتقاسم المناصب والمنافع، ليست عيبا يحسب على الأحزاب وصناع القرار، لكن من الخطورة أن تمارس هذه التسويات على حساب القضايا الكبرى، والثوابت التي خرج اللبنانيون من أجلها، فبعد 10 سنوات أصبحت أحزاب «14 آذار» بحاجة إلى تعريف جديد للقضية المركزية التي تناضل من أجلها، وهل هي قضيتها حصرا أم القضية اللبنانية بشكل عام.. وهل لدى هذه الأحزاب والشخصيات والأفراد مشروع مستقبلي، يواكب التحولات السورية المقبلة مهما طال انتظارها، والعربية مهما بلغت درجة اليأس.. وكيف لنا أن نزيح لبنان عن خط الزلزال السني - الشيعي، ونربطه بالموقف العربي المنطلق من رفض التدخل في الشؤون العربية، وعدم استخدام الدين لأهداف سياسية والمذاهب لأسباب توسعية.
بين السياسة والمصلحة أضاعت «14 آذار» فرصا كثيرة، وليس واضحا إذا كان بمقدورها ألا تضيع المستقبل الذي تتجاوز تعقيداته ما مضى في السنوات السابقة، وهي مطالبة اليوم أكثر من غيرها بأن تعبر بلبنان إلى بر الدولة، وعليها إقناع المغامرين بالعودة إلى حضن التسويات الداخلية، وإفهامهم أن لتجاوز الحدود الجغرافية عواقبه غير المحمودة.
أضاعت «14 آذار» دليلها، لكنها ما زالت على الطريق القويم. تعثرت لكنها لم تسقط. وهي ما زالت قوة، لكنها قوة غير متماسكة، ويسهل اللعب على متناقضاتها. وهي الآن مطالبة بالرد على مسألتين: الاعتراف بأنها تجمع أحزابا متناقضة، أو أن تقدم لجمهورها رؤية جديدة تعيد الأمور إلى نصابها، وتكون بمستوى ثوابتها الوطنية التي انتفضت من أجلها، وحجم التحولات الإقليمية المستجدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«14 آذار» الآن ما العمل «14 آذار» الآن ما العمل



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 04:38 2016 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

معتقدات متوارثة عن الفتاة السمراء

GMT 18:38 2017 الثلاثاء ,20 حزيران / يونيو

شاروخان يعيش في قصر فاخر في مدينة مانات الهندية

GMT 12:25 2012 الإثنين ,23 تموز / يوليو

إيطاليا، فرانكا سوزاني هي لي

GMT 11:25 2014 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

"عام غياب الأخلاق"

GMT 01:38 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

فالفيردي يحشد قوته الضاربة لمواجهة "سوسيداد"

GMT 21:23 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل مُثيرة جديدة بشأن زواج "شابين" في المغرب

GMT 18:28 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

جوجل تدعم أذرع تحكم "Xbox" على إصدار Android 9.0 Pie
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca