التيه اللبناني من بغداد إلى الكويت

الدار البيضاء اليوم  -

التيه اللبناني من بغداد إلى الكويت

بقلم - مصطفى فحص

لم يقتنع أهل السلطة في لبنان، وحتى جمهورهم، بأن جائحة «كورونا» وما سبقها وما تلاها من انكماش في الاقتصاد العالمي، وتراجع في مستوى الطلب على الطاقة، أدى إلى فرض نوع من الأنانية الوطنية لدى معظم الدول والمجتمعات، حتى الثرّية منها، التي تضررت أيضاً مما خلفته الجائحة. لم تدرك السلطة المثل الشعبي القائل «إن الزيت إذا احتاجه البَيت يِحرَم على الجامع» إلى أن سمعت ما يشبهه، ولكن بطريقة دبلوماسية من دولة الكويت التي قدمت تاريخياً كثيراً من المساعدات إلى لبنان مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
فعشية وصول المُوفَد اللبناني إلى العاصمة الكويتية حاملاً معه رسالة تمنيات رسمية لبنانية على القيادة الكويتية بمساندة لبنان في أزمته المعيشية، كان الجدل الداخلي الكويتي منشغلاً بكيفية تغطية عجز ميزانية الدولة العامة عن طريق الاقتراض الخارجي أو الداخلي عبر صندوق الأصول السيادية، وقد ذكرت وسائل إعلام محلية أن الكويت تحتاج إلى ما يقارب 60 مليار دولار لفك العجز في الميزانية. بمعنى آخر فهم الوفد اللبناني أن زيت الكويت للكويت، وأنه لا يمكن أن يُحَمّل الإمارة عبء أزمته.
الوفد اللبناني الذي عاد بخُفي حنيّن إلا من بعض الوعود، التي يبدو أنها ستنفذ عبر صندوق التنمية الكويتي فقط، يواجه أسئلة داخلية صعبة نتيجة صدمة اللبنانيين الذين راهنوا على هذه الزيارة بعد الكم الهائل من الضخ الإعلامي الممنهج الذي قامت به السلطة، ولوحت بانفراجات في الأزمة ستبدأ من الكويت وتنتقل وتنتقل إلى بغداد وعواصم عربية أخرى أبدت استعدادها لمساعدة لبنان من دون شروط مسبقة.
يُروّج الطرف اللبناني بأن هناك إمكانية كبيرة لمبادلة النفط مقابل المنتوجات اللبنانية، خصوصاً الزراعية، وبأن العراق مستعد لبيع النفط بالعملة اللبنانية أو بأسعار منخفضة جداً، وأنه سيقبل مقايضة النفط بالبضائع اللبنانية، الأمر الذي أثار الرأي العام العراقي، ورأى في هذه المبادلة محاولة احتيال جديدة لسرقة ثرواته الوطنية، في الوقت الذي تواجه الميزانية أزمة في السيولة وعدم قدرة على تأمين رواتب القطاع العام. كما أن العراق لديه فائض زراعي ويحتاج إلى تصديره، وقد صرّح وزير الزراعة بأن شركة عراقية واحدة لديها فائض 500 طن لكل صنف من البطاطا والطماطم والباذنجان، وقد أقدم بعض المزارعين على إتلاف محاصيلهم بعد عجز الدولة عن تصريفها في الأسواق الخارجية.
لا تعي المنظومة الحاكمة حجم تراجع الحضور اللبناني الرسمي، وأن الدولة باتت مصنفة، وبأن «الفهلوة اللبنانية» لم تعد تنطلي على أحد، فالسلطة التي تتعامل مع الأزمة كأنها معيشية، وتطالب مواطنيها بممارسة الجهاد الزراعي، لا تُقيم اعتباراً لمصالحهم ومستقبلهم، والمفارقة أنها تطالب الخارج بالاكتراث لمصيرها بعدما قطعت أوصال التفاهم مع أشقائه التاريخيين واستَعدَتهم نتيجة قرارها عدم النأي بالنفس عن صراعات المنطقة.
تحتاج المنظومة الحاكمة إلى مراجعة خطابها الخارجي، خصوصاً العربي، وذلك من أجل إصلاح التصدعات في علاقاتها العربية نتيجة انحيازاتها وخطابها السياسي والعقائدي، الأمر الذي تسبب في خسارة لبنان فرصة الدبلوماسية الموازية التي كانت امتيازاً لبنانياً أمّن مخارج للكثير من الأزمات، وبات أي مُوفد لبناني مهما كان حضوره وقوته في الدولة، يمثل هذا الانحياز الذي تمارسه السلطة الحاكمة ضد الأشقاء العرب.
وعليه فإن دول الخليج العربي ليست جمعيات خيرية يمكن استرضاؤها، كما أن المراهنة على تبايناتها ليست في مصلحة لبنان، هذه الدول بالرغم من خروج بعضها عن الإجماع الخليجي لكنها محكومة إلى حد ما بانتماءات اجتماعية وروحية تفرض نفسها على سياسة دولها، حيث من الملاحظ منذ سنوات تراجع الحاضنة الشعبية الخليجية للبنان نتيجة أخطاء ارتكبتها السلطة اللبنانية.
فمنذ انتهاء الحرب الأهلية اعتادت دول الخليج العربي على شخصية سياسية لبنانية تفهم خصوصياتها، ولها حضورها المؤثر عربياً وإسلامياً ودولياً، نجحت تاريخياً في إقناعهم بالمساعدة على تجاوز لبنان أغلب الأزمات التي مرت عليه. فمن مؤتمرات باريس المتعددة إلى مؤتمر سيدر كان لرفيق الحريري وورثته دالتهم على الخليجيين، ومما لا شك فيه أن غيابه أثر على ثقتهم بلبنان، فكيف يمكن أن تطلب المنظومة الحاكمة مساعدتهم عشية نطق المحكمة الدولية بجريمة اغتياله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التيه اللبناني من بغداد إلى الكويت التيه اللبناني من بغداد إلى الكويت



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 14:46 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

دراسة تكشف عن 9 مهن تقود أصحابها للخيانة الزوجية

GMT 07:22 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

"دي باريس" يحيي جناح أميرة موناكو بتجديدات فخمة

GMT 23:21 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الملقب بـ"حبيلو" مُصنّف خطر في قبضة شرطة فاس‎

GMT 03:50 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

إغلاق صحيفة الأطفال الوحيدة في أستراليا لمشاكل مادية

GMT 04:41 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

"Nada G" للمجوهرات الثمينة تُعلن عن مجموعة "بلاط بيروت"

GMT 02:49 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

المغامرات التي يجب خوضها أثناء زيارة مملكة كامبوديا

GMT 15:11 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

الطالبي العلمي يؤكد أن ملعب البيضاء لن يكون جاهزًا قبل 2022

GMT 08:51 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

سيدة هندية تبيع رضيعها من أجل دفع "فاتورة إدمان" زوجها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca