استقالة ظريف... انقلاب الثورة على الدولة

الدار البيضاء اليوم  -

استقالة ظريف انقلاب الثورة على الدولة

بقلم - مصطفى فحص

لم تكن استقالة ظريف مفاجأة، إنما المفاجأة كانت بشكلها الذي يحمل مضامين متعددة، فالوزير المحاصر في الداخل، والمحبط من الخارج، لم يقدم استقالته حتى لرئيسه ولا للقيادة، بل للشعب الإيراني، معتذراً منه على تقصيره في خدمته. ففي مضمون استقالته أيضاً رسالة إيرانية للداخل والخارج بأن النظام الذي امتلك طابعين (الثورة والدولة) قرر إنهاء الثاني لصالح الأول، فالثورة في عامها الـ40 مصابة بشيخوخة مبكرة وترهل يجعلها مجبرة على تغيير طبائعها لتضمن استمرارها، وفي مرحلة متوترة من العلاقة مع جوارها الإقليمي ومع المجتمع الدولي بات خيار النظام المواجهة، لذلك تأتي الاستقالة ضمن السياقات الجديدة التي ستتبناها القيادة الإيرانية في علاقتها مع المجتمع الدولي، وضمن خطواتها في إعادة ترتيب بيتها الداخلي مع اقتراب موعد الإعداد لما بعد الرئيس روحاني وفي حسم الخيارات لخلافة المرشد.
خارجياً، تعتبر الاستقالة نهاية فاشلة للرهانين؛ الأول داخلي أعطى الفرصة لجهود ظريف الدبلوماسية في إمكانية تفكيك التماسك الدولي في التعاطي الموحد ضد إيران، ففشل رهانه على الأوروبيين الذين أبدوا تعاوناً محدوداً لا يفي بالغرض الإيراني من جدوى التعاون معهم، فلم تفلح أوروبا في فك الاشتباك الإيراني الأميركي بعد خروج الرئيس ترمب من الاتفاق النووي، كما أنها عجزت عن تقديم المخارج الممكنة لفك عزلة إيران المالية والاقتصادية نتيجة العقوبات الأميركية، أما الثاني فهو خارجي، وهو إقرار بفشل الرهانات الأوروبية على قدرة جواد ظريف إقناع النظام الإيراني تقديم تنازلات بناءة تساعد أوروبا على إقناع الولايات المتحدة تخفيف شروطها التفاوضية مع النظام، فقد كانت أوروبا ترى في ظريف الوجه الناعم الذي يمكن تسويقه دولياً، باعتباره يمثل الطبيعة الأخرى للنظام، أي الدولة التي تبحث عن دور بمواجهة طبيعة الثورة التي تمارس النفوذ.
داخلياً، تعتبر استقالة جواد ظريف من منصبه إيذاناً بعودة الدبلوماسية الإيرانية بكل تفرعاتها إلى بيت المرشد، حيث من المحتمل جداً أن يعاد طرح اسم مستشار المرشد للسياسة الخارجية وزير الخارجية الأسبق علي ولايتي لتولي المنصب، أو الذهاب إلى اختيار شخصية مقربة من المرشد تنسجم عقائدياً مع رؤية علي ولايتي في السياسة الخارجية لإيران في المرحلة المقبلة؛ سياسة خارجية تلائم التطلعات التوسعية لوزير خارجية «الحرس الثوري» أو الجنرال قاسم سليماني، الذي بات يمثل الجناح الأقوى داخل المعسكر بين المرشد، والذي يعود إليه تحديد طبيعة النظام الإيراني في المرحلة المقبلة، فمما لا شك فيه أن الجناح الذي يمثله الجنرال سليماني، والذي يشكل تقاطع العسكريتارية مع الراديكاليين الذين يعملون على تحصين الجبهة الداخلية استعداداً لأي مواجهة خارجية أو فوضى داخلية بعد اتساع حدة التذمر الشعبي بسبب سياسات النظام، فقد فتحت استقالة ظريف الباب على مصراعيه أمام هذا الجناح من أجل إنهاء الولاية الثانية للرئيس حسن روحاني مبكراً، وإخراجه من السلطة من دون إعطائه القدرة على ترشيح وريث له، أو جعله لاعباً في اختيار الرئيس المقبل، أو في إشراكه في اختيار خليفة للمرشد، فمن الواضح أن هذا الفريق الحاصل على تغطية مرشد الجمهورية يستعد أيضاً لحسم الصراع على أعلى منصب في الجمهورية، وعلى ما يبدو أنه مهد الطريق أمام مرشح الرئاسة الفاشل السيد إبراهيم رئيسي الذي يقترب من تعيينه رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، باعتباره الشخص الأكثر انسجاماً مع رؤية «الحرس الثوري» لشكل النظام ومستقبله، الذي بات تحت قبضة العسكريتارية العقائدية.
وعليه، لم يعد مستبعداً أن تتعرض الولاية الثانية للرئيس روحاني إلى «انقلاب قصر» يفرض عليه التنحي قبل نهاية ولايته، فمنذ خروج واشنطن من الاتفاق النووي يتعرض روحاني لهجوم ممنهج من قبل المحافظين، الذين يحملونه وفريقه الوزاري مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي، إضافة إلى تهم الفساد التي وصلت حلقته الضيقة، بعدما قام القضاء الإيراني بتوجيه تهم الفساد وسرقة المال العام لشقيقه حسين فريدون، وكان عضو البرلمان السابق عن التيار الأصولي علي رضا زاكاني قد اتهم روحاني بأنه رأس الفساد، وقال: «يجب على الرئيس روحاني الذي يبحث عن مكافحة الفساد، أن يبدأ بشقيقه، ومن مكتبه، وأن يلتفت إلى حجم الفساد في وزارة النفط والعقود الخيالية التي تبرمها خارج القانون مع جهات خارجية».
ما بعد ظريف، من الواضح أن النظام الإيراني اتخذ قراره بتغيير قواعد الاشتباك، وبتفويض وجوهه الخشنة المواجهة في الخارج والداخل، الذي على ما يبدو أنه سيخضع لأسوأ مرحلة استبداد في تاريخه المعاصر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استقالة ظريف انقلاب الثورة على الدولة استقالة ظريف انقلاب الثورة على الدولة



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 08:07 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الميزان الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 07:30 2018 الإثنين ,10 أيلول / سبتمبر

تسيبراس يعد المواطنين بخفض معدلات البطالة

GMT 22:59 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة تويوتا تكشف عن سيارتها "كورولا 2020" الجديدة كليًا

GMT 12:45 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

تنظيم حملة للتبرع بالدم في مدينة وجدة

GMT 18:56 2015 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

عامر يتأهل لنصف نهائي البطولة الأفريقيَّة للسلاح

GMT 11:21 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدي لاستقبال فصل الشتاء بخطوات بسيطة في المنزل

GMT 21:57 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

النجمة الهندية دراتشي دهامي تنشر صور زواجها على "إنستغرام"

GMT 23:37 2019 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

توقيف شخصين رفقة شابتين في أوضاع مخلة في أغادير

GMT 03:45 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

ماديسون بير تتألق باللون الأبيض في لوس أنغلوس

GMT 04:55 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

طرح منزل بسيط في ملبورن للبيع مقابل 2 مليون دولار

GMT 17:30 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

إدارة سجن وجدة تنفي دخول معتقلي "جرادة" في إضراب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca