الاتفاق النووي... التعطيل لم يعد سياسياً

الدار البيضاء اليوم  -

الاتفاق النووي التعطيل لم يعد سياسياً

مصطفى فحص
بقلم : مصطفى فحص

واضح جداً أن مشروع القرار الذي طرحته، يوم الأربعاء الفائت، الدول الغربية (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي يدين طهران بسبب انتهاكاتها المستمرة لنسب تخصيب اليورانيوم المتفق عليها في الاتفاق النووي 2015، ظاهره تقني ولكن باطنه سياسي. فبعدما أغلقت جولات المفاوضات النووية قبل شهرين على ضرورة أن تؤدي إلى توقيع الاتفاق بعدما أكملت الفرق الفنية مهمتها ووضعت اللمسات الأخيرة على أوراق وبنود اتفاق قديم جديد، دخلت عليه بعض التعديلات التي أثارت الطرف الإيراني وأدت إلى تأجيل التوقيع، حيث لا يمكن للمفاوض الإيراني أن يعود إلى طهران، فيما «الحرس الثوري» لم يُرفع من قائمة الإرهاب الأميركية ولن ترفع عنه العقوبات الاقتصادية.
ففي الوقت الذي عادت فيه فرق التفاوض النووي من فيينا إلى بلادها قبل أشهر عدة، عادت الأنشطة الدبلوماسية السرية منها والعلنية إلى حركتها، وذلك بسبب قلق بعض الأطراف الأوروبية من تأثيرات خارجية على الاتفاق النووي، بداية من الحرب الأوكرانية الروسية، مروراً بالانتخابات النصفية الأميركية وتأثير الضغوط الإسرائيلية، وصولاً إلى نفوذ إيران الإقليمي (دور «الحرس الثوري»)، قد تطيح ببعض المكتسبات التي تحققت خلال سنة كاملة من المفاوضات، لكن مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل اعترف أخيراً بأن ما تم تحقيقه في الجولات السابقة مهدد بالضياع، وأبدى تشكيكه في إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد في فيينا، حيث قال: «كلما أطلنا الانتظار، فإن إمكانية الوصول إلى نتيجة نهائية للمفاوضات تصبح أكثر صعوبة». فمن الواضح أن الصعوبة تأتي من الطرفين، الإيراني والأميركي، حيث يحاول كل طرف منهما أخذ المفاوضات في مسار مختلف كلياً عن الآخر، ما أدى إلى تراجع الآمال في إعادة إحياء الاتفاق القديم، وذلك بسبب مطالب إيران التعجيزية من جهة، ومن جهة أخرى عدم قدرة واشنطن داخلياً وخارجياً على تلبيتها.
لم تفلح الوساطة الأوروبية في تدوير زوايا «الحرس» من جهة، ومن جهة أخرى لم تستطع الحفاظ على الليونة الأميركية، رغم أن مشروع القرار الذي تقف وراءه واشنطن لا يلمح إلى إمكانية إعادة إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن إذا لم تتعاون مع الوكالة فيما يخص أنشطتها النووية السرية، إلا أن توقيت الطرح يؤكد أن مغزى سياسياً يقف وراءه، يخطط إلى ممارسة مزيد من الضغوط على إيران في الوقت الضائع الأميركي ما بين زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة وبين نتائج انتخابات الكونغرس في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
اللافت في بيان الدول الغربية أنه ربط التقني بالسياسي عندما اعتبر أن «النشاطات النووية الإيرانية ليست فقط خطيرة وغير قانونية؛ بل إنها تخاطر بإفشال الاتفاق النووي بشكل كامل، وأنه كلما زادت إيران تخصيب اليورانيوم أصبح من الصعب العودة للاتفاق النووي»، ما يعني أن الدول الغربية قررت خلط الأوراق التفاوضية من جديد مع إيران، إذ لا يمكن العودة إلى المفاوضات من حيث توقفت عند عقدة «الحرس الثوري»، بل إن تسليط الضوء مجدداً على أنشطة إيران النووية السرية سيعيد إغراقها بالتفاصيل التقنية في الوقت الذي تحاول فيه تحقيق مكاسب سياسية، وهذا ما دفع واشنطن إلى تحميل طهران مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق نووي جديد، إذ أكدت واشنطن من خلال بيان اجتماع لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية: «ما نحتاج إليه هو شريك لديه إرادة في إيران، وتحديداً، فإن على إيران إسقاط مطالب رفع العقوبات التي تتجاوز بوضوح خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، وهي المطالب التي تمنعنا الآن من التوصل إلى اتفاق».
وعليه، من المستبعد أن تكون الولايات المتحدة قد تخلت عن الفرص الدبلوماسية مع إيران من أجل التوصل إلى اتفاق جديد أو إحياء القديم مع بعض التعديلات، لكن يبدو أن سلوك إيران ومطالبها دفعا حتى أصدقاءها داخل إدارة بايدن وبعض الأوروبيين إلى التخلي عن مرونتهم واللجوء إلى استخدام أوراق الضغط الكثيرة حتى تتخلى طهران عن مطالبها التعجيزية، لكن طهران التي ردت بإيقاف عمل بعض كاميرات المراقبة التابعة للمنظمة الدولية للطاقة الذرية كمؤشر تصعيدي يبدأ في طهران مروراً بمسيّرة أربيل وقد ينتهي على حدود لبنان البحرية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاتفاق النووي التعطيل لم يعد سياسياً الاتفاق النووي التعطيل لم يعد سياسياً



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 04:19 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

بناء منزل مقوس يشبه ثعابين الريف الإنجليزي على يد زوجان

GMT 14:05 2021 الجمعة ,10 كانون الأول / ديسمبر

محمد الريفي يكشف تفاصيل معاناته بعد انتشار فيديو له

GMT 06:08 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

إبراهيم نصر طاقة فنية كبيرة لم تستغل بعد

GMT 06:31 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 08:31 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف مبتكرة في عام 2018 لإطلالات جريئة للعروس

GMT 03:46 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

وقف احتساب علامات دورة الحاسب الآلي في مدارس بريطانيا

GMT 18:55 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

التليفزيون المصري يعرض مسلسل "وكسبنا القضية" المميّز

GMT 13:22 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

10أعوام سجنًا في حق صحافي بتهمة هتك عرض قاصر

GMT 03:53 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

موظف في "أرامكو" لم ينم لمدة ليلتين متواصلتين بسبب "فيلم"

GMT 07:49 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد المغربي يعاقب عبد الرحيم طاليب و خوان غاريدو

GMT 12:17 2015 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد السمسم وزيته كمقوي للمبايض

GMT 07:36 2016 السبت ,15 تشرين الأول / أكتوبر

مغامرة الوقوف على صخرة ترول تونجا البارزة في النرويج

GMT 13:05 2015 السبت ,15 آب / أغسطس

انتحار إمرأة من فوق سطح منزلها في مراكش

GMT 00:26 2016 الإثنين ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أمور سخيفة للغاية يتشاجر عليها الزوجين
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca