حلب بين غروزني وبيرل هاربر

الدار البيضاء اليوم  -

حلب بين غروزني وبيرل هاربر

بقلم : مصطفى فحص

مخطئ من يراهن على ضعف الإمكانيات الاقتصادية والقدرات العسكرية الروسية في التأثير على اندفاعات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العسكرية في سوريا. لقد نجح سيد ا

الكرملين في تحويل هذه الحرب إلى غطاء لأغلب عيوب بلاده الداخلية٬ ويحاول فعل المستحيل كي يستخدمها خارجًيا في ابتزاز خصومه الغربيين٬ من أجل استدراجهم٬ وفقً لشروطه٬ للتفاوض معه في ملفات أخرى تشكل حر ًجا كبي ًرا لهم٬ لكنها ذات أهمية قصوى له كما في جورجيا وأوكرانيا.

في أحياء حلب المحاصرة٬ تتصرف روسيا كقوة عظمى٬ تستخدم ما تبقى من ترسانة عسكرية سوفياتية بدائية٬ من أجل دفع الجزء الشرقي من المدينة إلى الاستسلام٬ وهي لن تتوانى عن القيام بجرائم حرب وإبادات جماعية من أجل فرض الاستسلام على الحلبيين٬ فلم يعد الروس يمتلكون سوى خيار احتلال المدنية٬ كفرصة أخيرة في إنهاء محنتهم السورية٬ فقد قرروا الاستقواء على السوريين الذين تخلى عنهم العالم٬ كما فعلوا في العاصمة الشيشانية غروزني٬ التي أدى احتلالها إلى إنهاء الصراع في القوقاز٬ ولكن ا من سكانها٬ حيث وصفت الأمم المتحدة ما جرى في غروزني بأسوأ كارثة إنسانية بعد

دون الاكتراث لسقوط 15 ألف شيشاني٬ وتدمير كلي للمدينة وتهجير أكثر من 150 ألفً الحرب العالمية الثانية٬ إلا أنه بالنسبة للكرملين كان احتلال غروزني الانتصار الذي يمنح روسيا فرصة الخروج من الماضي.

مخطئ أكثر من يعتقد أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيتدخل من أجل وقف الجريمة الروسية في حلب٬ أو سيسمح للآخرين بالبحث عن حلول مؤقتة تمكن المدينة من الصمود حتى خروجه من البيت الأبيض٬ فهو متمسك بحقه الدستوري ليس حتى الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني)٬ بل حتى 20 يناير (كانون الثاني)٬ وهي فترة تخول له امتلاك كل الصلاحيات من أجل الاستمرار في تنفيذ سياسته تجاه سوريا٬ وهذا ما كشفت عنه صحيفة «واشنطن بوست»٬ بأن أوباما ترك قرار تزويد المعارضة السورية بالأسلحة اللازمة لوقف الهمجية الروسية الإيرانية الأسدية إلى الإدارة الجديدة٬ كما أدت سياسته إلى كف يد من تبقى للشعب السوري من حلفاء٬ فنجح في تقييد هامش المناورة عند الأتراك٬ والمفترض أن يكونوا أقوى المؤثرين في سوريا٬ لكنهم تحولوا إلى أكبر المتضررين٬ تكبلهم الورقة الكردية التي حركتها واشنطن في البداية٬ ثم استفادت منها موسكو٬ في محاصرتهم وابتزازهم٬ إلى أن توصل الطرفان إلى تفاهمات سياسية اقتصادية وعسكرية سمحت لأنقرة بالقيام بعملية درع الفرات٬ فبات الأتراك يحسبون خطواتهم بدقة٬ وغير قادرين حتى على التعبير عن استيائهم المباشر مما يجري في حلب. ا٬ مما أوصل الحلبيين إلى التسليم بأن قدرهم مقيم بين الجريمة والهزيمة٬ والتعامل معهما

وعليه٬ من فيينا إلى جنيف مرورا بلوزان ولندن٬ لم ولن يحرك باراك أوباما ساكنً كأمر واقع لا يمكن منعه أو حتى مواجهته.

سيخطئ فلاديمير بوتين كثي ًرا في حساباته إذا اعتقد أن مصير حلب أشبه بمصير غروزني٬ وبأنه في الأيام المقبلة أقرب أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة رسم التوازنات الدولية٬ فقد تحولت حلب إلى عنوان المواجهة الدولية المقبلة بين الغرب وروسيا٬ ولم يعد بإمكانه المراهنة طويلاً على تهرب الأميركيين من المواجهة٬ وعلى عدم رغبة الأوروبيين في التصعيد٬ والأسوأ له أن يكون اجتماعه الأخير مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أشبه بلقاء الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالسفيرة الأميركية في بغداد أبريل غلاسبي عشية احتلاله الكويت٬ فأغلب الانطباعات عن لقاء برلين الثلاثي تشير إلى تمسك موسكو بخيار الحسم العسكري في حلب٬ يقابله رفض أوروبي لمطالب بوتين والتلويح بعقوبات جديدة على روسيا ونظام الأسد٬ مما يعزز احتمال قيام موسكو بالمزيد من الأعمال العدائية في حلب والمدن السورية الأخرى٬ إضافة إلى احتمالات لا تستبعد خطوات غير مدروسة في أوكرانيا والبلطيق٬ تصل إلى حدود المجازفة التي باتت من صفات موسكو في الآونة الأخيرة٬ خصو ًصا بعد أن تمت إعادة تسليط الأضواء على كيفية التعاطي الروسي مع الأزمات الدولية٬ وعلى وجه الخصوص في سوريا٬ وتهيئة الرأي العام الغربي إلى الاستعداد لتقبل ردة فعل أميركية أوروبية أطلسية تجاه روسيا٬ حيث لم تعد مستبعدة ردة الفعل الروسية من القيام بعملية عسكرية شرسة لن يكون بمقدور الكرملين تحمل أعبائها٬ فيحولها الغرب إلى بيرل هاربر جديدة٬ تستخدمها الإدارة الأميركية الجديدة ذريعة أمام الأميركيين من أجل تبرير تدخلها في سوريا٬ فتاريخًيا قدم الخطأ في التقدير أو الضربة الاستباقية التي نفذها سلاح الجو الياباني ضد الأسطول الأميركي في بيرل هاربر سنة 1941 الذريعة للولايات المتحدة للدخول في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء٬ ولعل خطأ التقدير الروسي المنت َظر ارتكاب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلب بين غروزني وبيرل هاربر حلب بين غروزني وبيرل هاربر



GMT 23:06 2022 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

إيران... المرأة والنظام والشرخ الأعظم

GMT 12:20 2022 الجمعة ,30 أيلول / سبتمبر

هل إيران أمام مفترق طرق؟

GMT 18:45 2022 الجمعة ,09 أيلول / سبتمبر

لبنان والعراق وفائض الخرائط الإيرانية

GMT 14:37 2022 الجمعة ,26 آب / أغسطس

فيينا بين الرد والرد على الرد

GMT 18:08 2022 الجمعة ,12 آب / أغسطس

العراق... النظام بين الشرعية والمشروعية

GMT 15:10 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

رئيس الرجاء يحاول اقتناص لاعبين أحرار بدون تعاقد

GMT 05:33 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن موقع هبوط يوليوس قيصر لغزو بريطانيا

GMT 09:33 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

عهد التميمي

GMT 10:19 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الروسي يعلن وصول أول كتيبة من سورية إلى موسكو

GMT 11:50 2016 الثلاثاء ,20 أيلول / سبتمبر

مقتل 4 من عناصر "بي كا كا" في قصف تركي شمالي العراق

GMT 06:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

8 معلومات مهمة عن "جسر العمالقة" تزيد الفضول لزيارته

GMT 17:21 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب الأرجنتين يعلن عن تشكيلته لمواجهة البرازيل

GMT 00:21 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

صحيفة بريطانية تكشف أفضل 10 فنادق في مدينة روما

GMT 22:46 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

حسن الفد يعيد شخصية كبور من خلال عرضه " سكيتش"

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

2016 عام حافل بالأنشطة والعروض في الدار العراقية للأزياء

GMT 04:38 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مرضٌ خطير يصيب الأبقار ويعزل عشرات القرى في سطات

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

وفاة الممثل المسرحي المغربي إدريس الفيلالي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca