الثابت الإسرائيلي والمتحول العربي في الأوهام الإيرانية

الدار البيضاء اليوم  -

الثابت الإسرائيلي والمتحول العربي في الأوهام الإيرانية

مصطفى فحص

عندما كان الرئيس الإيراني الأسبق السيد محمد خاتمي، يلقي خطابه أمام طلاب وأكاديميي معهد العلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية، في حضور مجموعة من الخبراء والدبلوماسيين الروس الحاليين والسوفيات السابقين، ربيع سنة 2001، كنت جالسا إلى جانب أستاذي، وهو خبير سوفياتي سابق في شؤون العالم العربي، فسألته عما إذا كان الكرملين يستطيع أن يواجه الضغوط الإسرائيلية الأميركية الغربية، بعد قراره بيع إيران مروحة الضغط العالي، التي يحتاجها مفاعل بوشهر من أجل دخوله الخدمة النووية الفعلية، التفت صوبي قائلا: «نحن فعلا لدينا علاقات مميزة مع تل أبيب، ونحتاجها في مجالات تقنية وصناعية ملحة، ولكننا نعلم جيدا وتعلم تل أبيب أيضا، أن قنبلة إيران النووية خيار مؤجل جدا بالنسبة لملالي طهران، والإعلان عنها يحتاج تحولات كبيرة في الجغرافيا السياسية، وفي بنية التحالفات والعلاقات الاستراتيجية، بين الدول الكبرى والدول الإقليمية المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط»، لكن أردف موضحا، أنه «لا يمكننا الحديث الآن عن سلاح نووي إيراني، بل عن مشروع نووي سيبقى تحت السيطرة، وبالنسبة لنا هو ليس بالضرورة ضد إسرائيل»، غامزا «هو على الأرجح ضدكم».
لم يكتب لأستاذي السوفياتي المخضرم طول العمر، لكي يشهد وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وانتقال عدوى الثورات الملونة، من ساحات تبليسي وكييف وطهران، إلى ساحات عربية تحول بعضها إلى نزاعات مسلحة بإدارة وإشراف إيراني، أو لكي ينتظر ولادة عسيرة لاتفاق نووي إيراني أميركي، ربما سيبدل الكثير من الاستراتيجيات الإيرانية، ويطلق صافرة التحولات الإيرانية التدريجية والبطيئة، في البنية العقائدية للجمهورية الإسلامية على المستويين الداخلي والخارجي، يؤمن لطهران موقعا جديدا الذي تتجاوز جغرافيته قدرتها على إدارته، وتعجز إمكانياتها عن الحفاظ على استقراره، وقد لا تكون موسكو بعيدة عن تداعياته وتصدعاته الجيو - سياسية.
ففي طهران تتسابق حاليا تصريحات قادة النظام بأغلب فروعه «محافظون معتدلون إصلاحيون» مع حركة الآليات العسكرية لقوات فيلق القدس، وروافدها من ميليشيات شيعية على الجبهات المفتوحة في العراق وسوريا واليمن، من أجل إعلان انتصار عسكري، باعتقاد طهران أن نتائجه ستشكل حدود نفوذها، ويكون الفرصة التي لن تتكرر، أمام دعاة إعادة التشكل الإمبراطوري لإيران، على حساب حدود وسيادة دول أخرى، ودون الأخذ بالاعتبار، لقرن من التأسيس الوطني المبني على الموروث العثماني في السياسة والاجتماع، لشعوب ودول المنطقة.
تتصرف طهران وفقا لهذه التصريحات، كأنها غير ملزمة بحدود «سايكس - بيكو» التي تجاورها أو تطالها أذرعتها، وهي تتبناها بالاقتراب من تشكيل شرق أوسط جديد بإمضائها، وليس بإمضاء كوندوليزا رايس، وترفض الاعتراف بالحدود السياسية السابقة، والاتفاقيات والمعاهدات التي تنظم العلاقات بين دول المنطقة باستثناء واحدة هي «وعد بلفور».
فتماشيا مع سير المفاوضات بينها وبين الشيطان الأكبر، تبدو طهران معنية أكثر من أي وقت مضى بالتأكيد على سلامة واستقرار دولة إسرائيل والقبول بحدودها، وقد برهنت ذلك عندما رسمت لنفسها حدود الرد على اغتيال إسرائيل قادة عسكريين إيرانيين ولبنانيين في الجولان السوري، ضمن ما يسمح به القرار الأممي 1701 على التحرك، فيما تفاخر وزير خارجيتها، أثناء رده على ما جاء في خطاب نتنياهو في الكونغرس، بأن التاريخ يسجل لبلاده أنها أنقذت شعب إسرائيل ثلاث مرات، وعلى الرغم من سيطرتها على قرار نظام الأسد، لم تقم بتشكيل مقاومة سورية لتحرير الجولان مثل تلك التي كانت في لبنان.
تبدو إسرائيل أنها الثابت الوحيد في عقل الاستقواء الإيراني على دول وشعوب المنطقة، والاعتراف بحدود «سايكس بيكو» ينحصر في الاعتراف بحدود إسرائيل، وفيلق القدس اتجه إلى كل عواصم الجوار باستثناء العاصمة التي يحمل اسمها، من هنا يفسر اهتمام الوزير يونسي ببغداد، والأدميرال شامخاني بباب المندب، والجنرال همداني بشواطئ المتوسط، والمجتمع الإيراني بالولايات المتحدة، حيث تصبح أهداف إيران لا تختلف عن أهداف الذين قوضوا مشاريع التنوير العربية.
ما لن تدركه طهران أن وهم القوة لن يمكنها من فرض نفوذها على جوارها، ولو كان هذه المرة بقبول أميركي وغض طرف إسرائيلي، فطهران أصبحت مرفوضة من الشعوب العربية قبل أنظمتها، ومهما كابرت وحاولت الالتفاف، فلن تشهد مناطق نفوذها أي استقرار بسبب رفض مكوناته لها، وأن دورها أصبح مرهونا بالتخلي عن أوهامها، وإعادة تقبلها يتطلب السعي إليه من الرياض، وليس من أي عاصمة أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثابت الإسرائيلي والمتحول العربي في الأوهام الإيرانية الثابت الإسرائيلي والمتحول العربي في الأوهام الإيرانية



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 15:10 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

رئيس الرجاء يحاول اقتناص لاعبين أحرار بدون تعاقد

GMT 05:33 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن موقع هبوط يوليوس قيصر لغزو بريطانيا

GMT 09:33 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

عهد التميمي

GMT 10:19 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الروسي يعلن وصول أول كتيبة من سورية إلى موسكو

GMT 11:50 2016 الثلاثاء ,20 أيلول / سبتمبر

مقتل 4 من عناصر "بي كا كا" في قصف تركي شمالي العراق

GMT 06:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

8 معلومات مهمة عن "جسر العمالقة" تزيد الفضول لزيارته

GMT 17:21 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب الأرجنتين يعلن عن تشكيلته لمواجهة البرازيل

GMT 00:21 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

صحيفة بريطانية تكشف أفضل 10 فنادق في مدينة روما

GMT 22:46 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

حسن الفد يعيد شخصية كبور من خلال عرضه " سكيتش"

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

2016 عام حافل بالأنشطة والعروض في الدار العراقية للأزياء

GMT 04:38 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مرضٌ خطير يصيب الأبقار ويعزل عشرات القرى في سطات

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

وفاة الممثل المسرحي المغربي إدريس الفيلالي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca