مناورات إيرانية لتغطية التصعيد في لبنان والبحرين

الدار البيضاء اليوم  -

مناورات إيرانية لتغطية التصعيد في لبنان والبحرين

خيرالله خيرالله

لا تغطي الجولة الخليجية التي يقوم بها وزير الخارجية الإيراني حقيقة ما تستهدفه بلاده. اللعبة الإيرانية مكشوفة. تريد إيران استغلال الاتفاق مع “الشيطان الأكبر” في شأن ملفها النووي من أجل التفرقة بين دول مجلس التعاون الخليجي. لا تغيير في السياسة الهجومية الإيرانية، بمقدار ما أن هناك مزيدا من المناورات التي لا تنطلي، لحسن الحظ، على أي من الدول العربية في الخليج. كان ملفتا ترافق جولة ظريف مع المزيد من التصعيد الإيراني، أكان ذلك في لبنان أو في البحرين.

في لبنان جاء الخطاب التصعيدي للأمين العام لـ“حزب الله”، حسن نصرالله، الذي أكد فيه أن لا تغيير في الوقف الإيراني من الحزب. قال نصرالله، في أول ظهور له بعد توقيع الاتفاق بين إيران و“الشيطان الأكبر” في شأن ملفها النووي “أن علاقات إيران مع حلفائها تقوم على أرضية عقائدية تسبق المصالح السياسية (…) الولايات المتحدة (هي) الشيطان الأكبر قبل الاتفاق النووي وبعده”.

هذا التصعيد كان تصعيدا يخصّ الداخل اللبناني وفحواه أن “حزب الله”، بصفة كونه ميليشيا مذهبية مسلّحة، ليس حكما. يقول صراحة أننا “لسنا وسطاء”. يكشف نصرالله، مرة أخرى، أنّ “حزب الله” ليس سوى قوة احتلال في لبنان، قوّة تسعى، ظاهرا، إلى لعب دور المتفرج بهدف إظهار النزاع في البلد نزاعا سنيا -مسيحيا، وليس نزاعا بين الحزب- الميليشيا من جهة، واللبنانيين المتمسكين بثقافة الحياة من جهة أخرى.

في أساس النزاع، بل في أساس الأزمة اللبنانية، السلاح غير الشرعي الذي تستقوي به إيران على اللبنانيين وعلى مؤسسات دولتهم.

كان لا بدّ من التصعيد لتغطية ما قامت به إيران والذي يختزل بصفقة، بكل ما في كلمة صفقة من معنى، مع الإدارة الأميركية. تخلت إيران بموجب الصفقة، التي لم تكن إسرائيل بعيدة عنها على الرغم من تظاهرها بمعاداتها، عن برنامجها النووي بجانبه العسكري. في المقابل، حصلت إيران على رفع تدريجي للعقوبات الدولية. يمكن لرفع العقوبات أن يعود عليها، في حال التزمت بالاتفاق، بنحو مئة وخمسين مليار دولار هي في أشد الحاجة إليها للخروج مؤقتا من أزمتها الاقتصادية.

مثل هذا الكلام الصادر عن الأمين العام لـ”حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، موجّه قبل كلّ شيء إلى مناصري الحزب في لبنان. هؤلاء يشاهدون بأمّ العين سقوط عدد كبير من القتلى من أبنائهم في الحرب السورية التي يخوضونها بطلب مباشر من طهران، فيما يحتفل المواطنون الإيرانيون بالاتفاق الذي تم التوصل إليه مع المجتمع الدولي، مع الأميركيين تحديدا. يصرّ نصرالله على أنّ أميركا ما تزال “الشيطان الأكبر”، فيما الشعب الإيراني في حال عشق وغرام مع أميركا.
    
إنّه منطق اللامنطق يلجأ إليه حسن نصرالله لتبرير اتفاق أميركي-إيراني شكّل في نهاية المطاف محاولة جدية قام بها النظام في طهران من أجل إنقاذ نفسه من جهة، والحصول على شرعية من “الشيطان الأكبر” من جهة أخرى. في النهاية، أين مشكلة الولايات المتحدة في سقوط مزيد من الشبّان اللبنانيين في سوريا خدمة لنظام أقلّوي يسعى إلى إلغاء سوريا والشعب السوري؟

هل يهمّ مستقبل سوريا الإدارة الأميركية، أم كل همها محصور في طمأنة اسرائيل إلى طبيعة البرنامج النووي الإيراني، وإلى أنّه لا يمكن أن يشكل أي تهديد لها في يوم من الأيّام؟

منطق اللامنطق ينطبق في الوقت ذاته على تصرّفات إيران نفسها التي تسعى إلى طمأنة الذين راهنوا عليها في مملكة البحرين، من منطلق مذهبي بحت. حسنا فعلت مملكة البحرين عندما استدعت سفيرها في طهران، بعد اكتشاف مجموعة تسعى إلى تهريب كمية كبيرة من المتفجرات والأسلحة إلى المملكة. حسنا فعلت عندما ندّدت المنامة بما يصدر من كلام عدائي للبحرين عن كبار المسؤولين في إيران.

صحيح أن إيران تستفيد من التجاذبات الداخلية في البحرين، وهي تجاذبات حالت دون تمكين المملكة في يوم من الأيّام من عرض قضيتها بشكل منصف يليق بالإصلاحات التي تحقّقت، لكن الصحيح أيضا أن الإدارة الأميركية لم تدرك يوما حقيقة الوضع في البحرين. لم يكن من هم أميركي سوى التعاطي مع البحرين بشكل سطحي، بما يعطي فكرة عن مدى جهل إدارة أوباما بشؤون الشرق الأوسط والخليج.

أين مشكلة إيران عندما تسمح لنفسها بالتدخل الوقح في الشؤون الداخلية للبحرين، ما دامت إدارة أوباما قرّرت الوقوف موقف المتفرّج من التهديدات التي تتعرّض لها الدول الخليجية؟

على الرغم من كلّ التحديات التي تواجه لبنان، حيث تمنع إيران انتخاب رئيس للجمهورية وتصر في الوقت ذاته على خلق مشاكل ومتاعب للحكومة التي يرأسها تمام سلام عبر أدواتها المعروفة، لن يكون الوطن الصغير لقمة سائغة. يستطيع حسن نصرالله التصعيد مقدار ما يشاء. ما لا يستطيعه هو هزيمة لبنان واللبنانيين، وذلك بغض النظر عن كل الجهود المبذولة من أجل جعل البؤس ينتشر في كل بقعة لبنانية، خصوصا في بيروت الغارقة في النفايات.

بالنسبة إلى البحرين، ليس ما يشير إلى أن دول الخليج العربي، على رأسها المملكة العربية السعودية، مستعدة للرضوخ للإملاءات الإيرانية بأي شكل. لم تستشر دول مجلس التعاون الولايات المتحدة عندما تدخلت في البحرين في العام 2011 بغية وضع حدّ للممارسات الإيرانية التي في أساسها الاستثمار في الغرائز المذهبية.

لبنان يقاوم والبحرين تقاوم. البلدان الصغيران يقاومان المشروع التوسّعي الإيراني الذي يسعى، في المرحلة الراهنة، إلى جس النبض الأميركي في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي.

ما تتجاهله إيران هو أن شعب لبنان يقاوم مشروعها، نظرا إلى أنّه يعرف كم هو خطر عليه. الشعب اللبناني يدرك، تماما، خطورة سلاح “حزب الله” الموجه إلى صدور أبنائه العارية. اللبنانيون يدركون أن سلاح “حزب الله” هو سلاح إيراني قبل أي شيء آخر، كما إنه سلاح مذهبي لا هدف له سوى تحويل لبنان مستعمرة إيرانية وذيل للهلال الفارسي الممتد من طهران إلى مارون الرأس في جنوب لبنان. لبنان لا يستأذن أحدا في مقاومته المشروع الإيراني. لا يستأذن لبنان “الشيطان الأكبر”، ولا “الشيطان الأصغر”. لبنان يقاوم لأن مصلحته في ذلك لا أكثر ولا أقلّ، وإن كانت هذه المقاومة تجتاز ظروفا في غاية الصعوبة والتعقيد.

تتجاهل إيران أيضا أنّ البحرين ليست وحدها التي تقف في وجه المشروع التوسّعي الإيراني. كلّ العرب الشرفاء معها. دول الخليج معها. كذلك المغرب والأردن. لا اتكال في البحرين، لا على أميركا ولا على الدول الغربية. كلّ ما في الأمر أنّ إيران تختبر الإدارة الأميركية في المكان الخطأ.

عاجلا أم آجلا، ستكتشف إيران، مهما قامت بمناورات سياسية من نوع جولة ظريف، ما إذا كان عليها التصرّف كدولة طبيعية، أو على الأصحّ هل تستطيع ذلك.

وهذا يعني، في طبيعة الحال، الاعتراف بأنّ مشروعها التوسّعي غير قابل للحياة. تستطيع تخريب المنطقة، بما في ذلك إيران نفسها. تستطيع خلق كل نوع من الاضطرابات. تستطيع التسبب في نشر البؤس في لبنان، وفي تفتيت سوريا والعراق واليمن. تستطيع الرهان على سلاح الغرائز المذهبية، والمتاجرة بالقدس وفلسطين والفلسطينيين. ولكن في نهاية المطاف هل تستطيع البناء؟ هل تستطيع البناء في إيران نفسها؟

ما يبعث على بعض التفاؤل أنّ إيران ما كانت لتقدم على ما أقدمت عليه، بتأخير ستة وثلاثين عاما، إلّا بعد اكتشافها أنّ ثورتها، التي كانت في العام 1979، في حاجة إلى اعتراف بشرعيتها من جهتين. من الشعب الإيراني ومن “الشيطان الأكبر”. هل من إفلاس أكبر من هذا الإفلاس؟ لماذا على بلدين صغيرين مثل لبنان والبحرين دفع الثمن الباهظ لهذا الإفلاس؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مناورات إيرانية لتغطية التصعيد في لبنان والبحرين مناورات إيرانية لتغطية التصعيد في لبنان والبحرين



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 00:53 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

يومين راحة لدوليي الوداد بعد "الشان

GMT 04:12 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

رايس يدافع عن الإصلاحات التي تتجه تونس لتنفيذها

GMT 00:02 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

"كرسي معهد العالم العربي" يكرم المفكر عبد الله العروي

GMT 07:36 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

بسيمة الحقاوي تملّص الحكومة المغربية من فاجعة الصوية

GMT 13:23 2015 الأحد ,25 تشرين الأول / أكتوبر

خل التفاح والكريز علاجات طبيعية لمرض النقرس

GMT 05:00 2015 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الشمر والزنجبيل والبقدونس أعشاب للمرارة

GMT 02:45 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الممثل هشام الإبراهيمي يخوض تجربة الإخراج

GMT 20:41 2015 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

جامعة مراكش الخاصة تشتري كلية الطب في السنغال
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca