حلف الأقليات في أساس الخطر على دروز سوريا…

الدار البيضاء اليوم  -

حلف الأقليات في أساس الخطر على دروز سوريا…

خيرالله خيرالله

 النظام الذي أسّسه حافظ الأسد، أراد القول للدروز أن كل الأقليات في حمايته، وأن على من يرفض هذه الحماية ودفع ثمن الحماية تحمل النتائج.

عندما لا يدخل فريق مذهبي حلف الأقليات، يبحث النظام السوري عن طريقة لمعاقبة هذا الفريق الذي يفترض به أن يكون تحت جناحيه وفي تصرّفه بصفته العلويّة.

هذا ما يحصل حاليا في السويداء، حيث يهدّد النظام الدروز بـ”داعش”، حليفه الموضوعي في الحرب التي يشنّها على شعبه.

استفاد النظام، من دون شك، من مجزرة قلب لوزة في محافظة إدلب السورية، وهي مجزرة راح ضحيتها نحو عشرين مواطنا درزيا قتلتهم “جبهة النصرة”، التي تعتبر حاليا قوّة أساسية في المواجهة مع النظام. أراد استغلال المجزرة في مكان آخر، أي في السويداء التي تمثّل مع جبل لبنان ثقل الوجود الدرزي في سوريا ولبنان والمنطقة.

أراد النظام، الذي أسّسه حافظ الأسد، القول للدروز أن كلّ الأقلّيات في حمايته، وأن على من يرفض هذه الحماية ودفع ثمن الحماية تحمّل النتائج. هذا ما يفسّر، إلى حدّ كبير، سحب النظام قواته من مناطق معيّنة قريبة من السويداء دعما لـ”داعش”. أراد أن يؤكّد للدروز أنّه سيتركهم لمصيرهم، خصوصا بعد رفض دروز جبل العرب في حوران التجنيد الإجباري، أي أنّهم رفضوا الدخول في الحرب التي يشنّها النظام على شعبه من منطلق مذهبي.

اللعبة التي يمارسها النظام السوري قديمة. لا يتقن غيرها على الرغم من أنّه عفا عنها الزمن من جهة، إضافة إلى أنّها صارت مكشوفة من جهة أخرى. لا يعرف النظام، وربّما لا يريد أن يعرف، من هم الدروز، وما أهمّية الدروز في المنطقة، وما أهمّية الدور الذي لعبوه في مجال نشوء الكيان السوري. رهانه على لعبة تجاوزتها الأحداث، خصوصا أن التطورات على الأرض تتسارع على نحو سريع، وذلك في اتجاه واحد وحيد يتمثل في سقوط النظام بشكل رسمي، بعد سقوطه عمليا على أرض الواقع وتحوّله دمية إيرانية لا أكثر.
    
متى استعرضنا ما فعله النظام السوري في لبنان منذ سبعينات القرن الماضي، خصوصا من خلال تعامله مع الطوائف فيه، نجد أنّ بشّار الأسد لا يمتلك غير القراءة من الكتاب القديم الذي تركه له والده. في الفصل الأول من الكتاب العداء لسنّة المدن والتحالف مع سنّة الأرياف. هذا ينطبق على سوريا ولبنان في آن، علما أن بشّار لم يدرك، أصلا، معنى دخوله في مواجهة مع سنّة الأرياف انطلاقا من درعا.

في فصل آخر من الكتاب القديم الذي يقرأ منه بشّار الأسد، وهو فصل لا يقلّ في أهمّيته عن الفصل الأوّل، هناك تركيز على الأقليات وعلى كيفية بث الرعب في جسم كلّ أقلّية من أجل الاحتماء بصاحب أكبر ميليشيا مذهبية في المنطقة، أي ما يُفترض أنّه “الجيش العربي السوري”، الذي يسيطر عليه الضباط العلويون.

هناك نظام حماية للأقلّيات فرضه حافظ الأسد الذي عمل في البداية على تدجين مسيحيّي لبنان عن طريق تخويفهم بالفلسطينيين. كان حافظ الأسد في أساس انتشار الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان وتوسيعه. كان الهدف واضحا كلّ الوضوح. أراد التأكيد للمسيحيين أن جيشه هو الوحيد القادر على حمايتهم من السلاح الفلسطيني الذي كان يتدفّق على لبنان من الأراضي السوريّة.

قبل ذلك، في صيف العام 1973، بعث، عندما أغلق الحدود مع لبنان، برسالة بالغة الأهمّية والوضوح إلى سليمان فرنجية، الرئيس اللبناني وقتذاك. فحوى الرسالة، التي فهمها سليمان الجدّ تماما، أن هناك رئيسا واحدا لسوريا ولبنان هو حافظ الأسد، وأن لا مجال لتعاط من الندّ للندّ بين رئيسي البلدين.

جاء إغلاق الحدود في مايو 1973 بعد مواجهات بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية المسلّحة. ساهم في إشعال المواجهات تنظيم فلسطيني، موال في قسم منه، للنظام في سوريا (الجبهة الديمقراطية). خطف هذا التنظيم، الذي تبيّن أن بعضه تحت رعاية الأجهزة السورية، جنديين لبنانيين… على الأرض اللبنانية.

كان تسليح الميليشيات التابعة للأحزاب المسيحية في لبنان ووضعها في مواجهة مع المسلّحين الفلسطينيين جزءا من إستراتيجية النظام السوري الذي عمل في الوقت ذاته على تهجير مسيحيي الأطراف إلى جبل لبنان. من يتذكّر مجزرة القاع قرب الحدود السورية-اللبنانية وغيرها من المجازر التي ارتكبها النظام السوري بدم بارد في السبعينات من القرن الماضي؟

سقط المسيحيون، في معظمهم، في الفخّ السوري. لم يدركوا خطورة حلف الأقلّيات عليهم، وهو الحلف الذي يؤمن به اليوم ويعمل من أجله شخص مثل النائب المسيحي ميشال عون أراد في العام 1990 الانتصار على حافظ الأسد مستعينا بصدّام حسين وياسر عرفات.

في موازاة عملية إخضاع المسيحيين ودفعهم حتّى في اتجاه إسرائيل، كان هناك جهد انصبَّ على تدجين الدروز أيضا. لم يكن اغتيال كمال جنبلاط في العام 1977 بعيدا عن هذا الجهد في وقت كان حافظ الأسد يرفض، كلّيا، أن يشاركه أي طرف لبناني وغير لبناني في الإمساك بالورقة الفلسطينية. كان مطلوبا في كلّ وقت إخضاع الدروز وتأليب المسيحيين عليهم وتأليبهم على المسيحيين. هل صدفة تشجيع عملاء النظام السوري الدروز على قتل مسيحيين في قرى الشوف فور انتشار نبأ اغتيال كمال جنبلاط على يد ضابط علوي معروف بالاسم ومجموعة تابعة له؟

كان هناك في كلّ وقت، عداء لا حدود له لدى النظام السوري لأهل السنّة في لبنان، خصوصا لسنّة المدن. تشهد على ذلك بيروت وطرابلس وصيدا.

اغتال النظام السوري، أو الذين يمون عليهم، شخصيات عدة. اغتال المفتي حسن خالد في عهد الأسد الأب، واغتال رفيق الحريري في عهد الأسد الابن. اغتال الرئيسين صائب سلام وتقيّ الدين وآخرين سياسيا.

حدث على كلّ ذلك على خلفية استمالة شيعة لبنان كي يشكلوا عنصرا وازنا يضمن استمرار حلف الأقلّيات بقيادة العلوي السوري.

جاءت الثورة السورية لتغيّر كلّ المعادلة الإقليمية التي طرأ عليها تغيير جذري في العام 2003 مع تسليم أميركا العراق على صحن من فضّة إلى إيران. جاءت الثورة في وقت صارت إيران اللاعب الأساسي في سوريا ولبنان، خصوصا بعد ملئها الفراغ الأمني والعسكري الناجم عن الانسحاب السوري من لبنان بعد حصول جريمة اغتيال رفيق الحريري في العام 2005.

يلعب بشّار الأسد حاليا في الوقت الضائع. إنّه الوقت الذي يفصل بين السقوط العملي للنظام وسقوطه رسميا. ما ورد في الكتاب القديم الذي ورثه عن والده لم يعد ينفع. هذا لا يعني في أي شكل التقليل من الخطر الذي يهدّد دروز سوريا.

من هذا المنطلق، تبدو دعوات وليد جنبلاط إلى التعقّل والرويّة في محلّها. وليد جنبلاط يعرف ما هو النظام السوري. يعرف، تماما، مدى خطورته ومدى اقتناعه بنظرية أنّ نهايته يجب أن تعني نهاية سوريا أيضا، بما في ذلك نهاية دروزها وكلّ الأقلّيات فيها… إنّه بالفعل نظام خطر على كلّ ما هو حضاري في المنطقة مثل ثقافة العيش المشترك. إنّه نظام خطر في حياته وفي مرحلة مماته ذات الطابع الذي يتسّم بالبطء الشديد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلف الأقليات في أساس الخطر على دروز سوريا… حلف الأقليات في أساس الخطر على دروز سوريا…



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:29 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

استبدال رائدة فضاء سمراء فجأة من بعثة "ناسا"

GMT 12:18 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

الغيطي يعترض على قيام سلفي بتحطيم تمثال في روما بلفظ مسيء

GMT 08:10 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

C3 إيركروس بديل مثالي لسيتروين C3 بيكاسو الشعبية

GMT 05:16 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تعلن أنّ الأطفال يرغبون في رؤية العقاب العادل

GMT 02:05 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لفتيت يؤكد ضرورة وضع قانون لتنظيم العمل الإحساني في المغرب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca