تفاهم مع 'الشيطان الأكبر' بمراقبة 'الشيطان الأصغر'

الدار البيضاء اليوم  -

تفاهم مع الشيطان الأكبر بمراقبة الشيطان الأصغر

خيرالله خيرالله

القرار السعودي بدعم الشرعية في اليمن قرار في غاية الشجاعة للملك سلمان بن عبدالعزيز إنّه قرار تاريخي في مستوى الأحداث التي يشهدها الإقليم.

كان التوصل إلى إطار لاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني أمرا أكثر من طبيعي. لم يفاجئ الاتفاق الأوّلي، الذي يمكن وصفه بتفاهم على مبادئ عامة، سوى الذين كانوا يراهنون على غياب الرغبة الإيرانية في تقديم تنازلات من جهة وإدارة أميركية تعرف ما هو النظام الإيراني فعلا من جهة أخرى.

إيران تستهيب “الشيطان الأكبر”، و”الشيطان الأكبر” يطمح إلى التطبيع مع ايران، ولكن بمباركة “الشيطان الأصغر”. لذلك، لم يتردّد باراك أوباما في طمأنة بنيامين نتانياهو إلى أنّه لن يوقع اتفاقا نهائيا مع إيران من دون مباركة إسرائيلية.

يعود التوصل إلى الاتفاق إلى سببين الأوّل إيراني والآخر أميركي، وذلك بغض النظر عما يصدر عن المتشددين في إيران عن رفض الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة كي تتمكّن من تسويق الاتفاق. يعود السبب الإيراني إلى إنّ طهران كانت لاهثة إلى التوصل إلى تفاهم ما، حتى لو لم يتخذ شكل اتفاق نهائي، من أجل رفع العقوبات الأميركية والدولية والأوروبية.

هناك قبل كلّ شيء أزمة حقيقية ذات طابع اقتصادي في إيران، التي يعيش ما يزيد على نصف سكّانها تحت خطّ الفقر. سيؤدي أيّ رفع، ولو جزئي، للعقوبات إلى توفير متنفس للاقتصاد الإيراني. هذه الأزمة الاقتصادية العميقة زادت النقمة الشعبية على نظام لم يعد لديه ما يقدّمه لشعبه سوى الشعارات والهرب المستمرّ إلى خارج.

تبيّن بكل بساطة من خلال ردّة الفعل الشعبية على الاتفاق أن الشعب الإيراني، خلافا للاعتقاد الذي يحاول أن يروّج له النظام وأدواته المنتشرة في العالم العربي، مغرم بالأميركيين. لم يكن هناك في أيّ يوم عداء شعبي إيراني للولايات المتحدة. أميركا محطّ إعجاب شديد لدى الإيرانيين عموما، كذلك قيم المجتمع الأميركي.

    ما يبعث على بعض الاطمئنان وجود وعي عربي لضرورة المبادرة في إثبات أن الشرق الأوسط ليس ملعبا إيرانيا

كلّ ما كنّا نشاهده في طهران من إحراق للأعلام الأميركية والإسرائيلية، لم يكن سوى جزء من ممارسات ذات طابع فولكلوري لا علاقة لها من قريب أو بعيد بحقيقة ما يكنّه الشعب الإيراني للأميركيين. كان حرق الأعلام والشعارات من نوع “الموت لأميركا” و”الموت لإسرائيل” مجرّد جزء من أسلوب في التصرّف يصبّ في نهاية المطاف في تقديم أوراق الاعتماد لـ”الشيطان الأكبر”، تمهيدا للدخول في صفقات معه أوّلا، ثمّ مع “الشيطان الأصغر” عندما يصبح الوقت مناسبا لذلك… وحين تنضج الظروف طبعا.

أما السبب الأميركي، فهو عائد إلى قناعة لدى الرئيس باراك أوباما والمحيطين به بأنّ التوصل إلى اتفاق مع إيران يقود إلى تطبيع العلاقات معها هو إنجاز كبير. مثل هذا الإنجاز سيجعل أوباما يدخل التاريخ. هذا على الأقلّ من وجهة نظره ووجهة نظر الحلقة الصغيرة المحيطة به التي تعتبر التقرّب من إيران الجائزة الكبرى التي يمكن أن يحصل عليها الرئيس الأميركي الذي لم يعد أمامه في البيت الأبيض سوى أقلّ من سنتين..

هناك مجموعة في موقع القرار في واشنطن تؤمن إيمانا عميقا بأنّ تطبيع العلاقات مع إيران سيجلب الاستقرار للشرق الأوسط وأنّ إيران شريك في الحرب على الإرهاب، علما بأنّها تفعل كلّ شيء من أجل خدمة الإرهاب والإرهابيين.

في المطلق، لا يمكن لعاقل أن يكون ضدّ أي اتفاق أميركي ـ إيراني. مثل هذا الاتفاق يمكن أن يساعد في الحؤول دون انتشار السلاح النووي في المنطقة التي لا تحتاج، بكلّ تأكيد، لأيّ سباق في التسلّح، خصوصا في المجال النووي.

المشكلة ليست في الملف النووي الإيراني. المشكلة في مكان آخر وهي تتلخّص بسؤال واحد هو الآتي: هل تنصرف إيران إلى الاهتمام بشؤونها الداخلية، في حال بدء رفع العقوبات الدولية عنها، أم تتابع السير في مشروعها التوسّعي الذي يقوم على الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية، بكلّ أنواعها وأشكالها؟

إيران دولة ذات حضارة عريقة. ولا يمكن لأيّ شخص تجاهل الوجود الإيراني في المنطقة. هذا شيء، وتصرّفات النظام شيء آخر. ولذلك، من المنطقي التساؤل هل سيؤثّر الاتفاق مع “الشيطان الأكبر” على السلوك الإيراني أم أن النظام سيستغلّ رفع العقوبات من أجل الذهاب إلى أبعد من ذلك في التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية؟

    من المنطقي التساؤل هل سيؤثر الاتفاق مع "الشيطان الأكبر" على السلوك الإيراني أم أن النظام سيستغل رفع العقوبات من أجل الذهاب إلى أبعد من ذلك في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية

المؤسف أنّه لا يوجد ما يشير إلى رغبة إيرانية في أخذ العلم بأنّ السياسة التي تتبعها طهران منذ العام 1979 ستعود بالكوارث عليها وعلى الدول العربية. ليس معروفا بعد ما الذي تريده إيران من لبنان. ليس معروفا لماذا تمنع اللبنانيين بالقوّة من انتخاب رئيس للجمهورية ولماذا هذا الاستثمار في تغيير طبيعة الطائفة الشيعية الكريمة في بلد تبيّن أن صيغته، بكلّ ما فيها من علل، أقوى بكثير مما يعتقد.

لا حاجة إلى الابتعاد كثيرا، أي إلى اليمن حيث عملت إيران على إيجاد موطئ قدم لها عن طريق ميليشيا مذهبية سميّت “أنصار الله” لا تمتلك سوى مشروع واحد هو إثارة النعرات في بلد لم يفرّق يوما بين زيدي وشافعي. ما الذي لدى الحوثيين يقدّمونه لليمن واليمنيين غير مزيد من البؤس والتخلّف، على كل الصعد، وفوضى السلاح؟ هل يقدّم الوجود الإيراني في اليمن أو يؤخّر في شيء؟ ما الذي يمكن أن تستفيد منه إيران في حال استطاعت أن تكون في اليمن الذي لديه حدود طويلة مع المملكة العربية السعودية؟ أبهذه الطريقة تستطيع إيران الضغط على السعودية التي أثبتت المرّة تلو الأخرى كم مؤسسات الدولة فيها صلبة؟

لا حاجة أيضا إلى التساؤل ماذا تريد إيران من البحرين ولماذا لا تدعم الإصلاحات التي قام بها الملك حمد بن عيسى آل خليفة بدل تأجيج المشاعر المذهبية والعمل على إثارة الاضطرابات في بلد صغير يطمح إلى تطوير تجربته على نحو إيجابي؟

كذلك، لا حاجة إلى التساؤل لماذا الإصرار الإيراني على المشاركة في ذبح الشعب السوري من منطلق مذهبي بحت؟ هل ذلك عائد إلى معاداتها كلّ ما هو سنّي في المنطقة؟

هناك أخيرا العراق. ماذا قدّمت إيران للعراق غير خلق نزاع طائفي أدّى في نهاية المطاف إلى ظهور “داعش” وتوفير حاضنة شعبية له للأسف الشديد؟

في الوقت الذي كان يُعلن فيه عن الاتفاق المبدئي الإيراني ـ الأميركي، كانت ميليشيات “الحشد الشعبي” في العراق ترتكب كلّ نوع من الفظاعات في تكريت. كانت هناك عملية منظّمة لنهب منازل تلك المدينة العراقية. هذه الميليشيات جزء من المنظومة الإيرانية في المنطقة. تصرّفاتها تجعل “داعش” يتمدّد وينتعش. يخسر “داعش” اليوم ويربح غدا ما دام هناك في إيران من يصرّ على إذلال السنّة العرب في العراق، عن سابق تصوّر وتصميم..

من الباكر إعطاء رأي في التفاهم الإيراني ـ الأميركي. لا شكّ أنّه حدث في غاية الأهمّية على الصعيد الإقليمي. ما يبعث على بعض الاطمئنان وجود وعي عربي لضرورة المبادرة في إثبات أن الشرق الأوسط ليس ملعبا إيرانيا. لذلك كان القرار السعودي بدعم الشرعية في اليمن قرارا في غاية الشجاعة للملك سلمان بن عبدالعزيز. إنّه قرار تاريخي في مستوى الأحداث التي يشهدها الإقليم، بما في ذلك التقارب الإيراني مع “الشيطان الأكبر” في ظل مراقبة شديدة لما يجري يمارسها “الشيطان الأصغر”.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفاهم مع الشيطان الأكبر بمراقبة الشيطان الأصغر تفاهم مع الشيطان الأكبر بمراقبة الشيطان الأصغر



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 04:38 2016 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

معتقدات متوارثة عن الفتاة السمراء

GMT 18:38 2017 الثلاثاء ,20 حزيران / يونيو

شاروخان يعيش في قصر فاخر في مدينة مانات الهندية

GMT 12:25 2012 الإثنين ,23 تموز / يوليو

إيطاليا، فرانكا سوزاني هي لي

GMT 11:25 2014 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

"عام غياب الأخلاق"

GMT 01:38 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

فالفيردي يحشد قوته الضاربة لمواجهة "سوسيداد"

GMT 21:23 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل مُثيرة جديدة بشأن زواج "شابين" في المغرب

GMT 18:28 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

جوجل تدعم أذرع تحكم "Xbox" على إصدار Android 9.0 Pie
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca