بات للبنان 'مرشد'

الدار البيضاء اليوم  -

بات للبنان مرشد

خير الله خير الله

    
شفي خطابه الأخير بمناسبة إحياء ذكرى عاشوراء كشف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أمورا كثيرة. لعلّ أول ما كشفه وضع نفسه في مقام من يفرض رئيسا للجمهورية على لبنان. عيّن نفسه “مرشدا” على لبنان واللبنانيين يتحكّم بمصيرهم كيفما شاء ووقتما يشاء مستندا إلى السلاح غير الشرعي للميليشيا المذهبية التي هي تحت تصرّفه. كانت ذكرى عاشوراء مناسبة لقيام هذه الميليشيا باستعراضات لا هدف منها سوى بث الرعب في صفوف المواطنين.
قال نصرالله بالحرف الواحد للبنانيين إن لا رئيس للجمهورية إلا ذلك الذي يريد أن يفرضه الحزب عليهم. الحزب لواء في “الحرس الثوري” الإيراني لا أكثر ولا أقل. إيران لا تريد في الوقت الحاضر رئيسا للجمهورية لأسباب مرتبطة بطريقة لعب أوراقها في لبنان والمنطقة. لذلك لا رئيس للبنان في المستقبل المنظور.

في الواقع، كشف الأمين العام لـ”حزب الله” اللعبة الإيرانية في المنطقة. فالخطاب الذي ألقاه الرجل في ذكرى عاشوراء كان كلام حقّ يراد به باطل. يقول مثلا “إننا نصوّت لمن نشاء”. نعم من حق نواب حزبه التصويت لن يشاؤون وذلك في جلسة يعقدها مجلس النوّاب لانتخاب رئيس للجمهورية. لماذا لا تنعقد مثل هذه الجلسة؟ لماذا ممنوع عقد مثل هذه الجلسة؟ لماذا يقاطع “حزب الله” الجلسات المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، وقد بلغ عددها حتّى الآن ثلاثين جلسة، ما دام يريد أن يكون هناك رئيس للجمهورية… أو هكذا يدّعي؟

نعم، من حق نوّاب “حزب الله” التصويت لمرشّحهم، ولكن هل من حقّهم فرض الرئيس الذي يشاؤون؟ هل من حقهم فرض القانون الانتخابي الذي يشاؤون؟ حبّذا لو يتعلّم الأمين العام لـ”حزب الله” الفارق بين انتخاب رئيس يكون لجميع اللبنانيين من جهة، وفرض رئيس يكون موظّفا لدى الحزب من جهة أخرى.

لم يعد السؤال هل مسموح لمجلس النوّاب انتخاب رئيس للجمهورية؟ السؤال هل يمكن لميليشيا مذهبية، عناصرها لبنانية، تابعة لإيران فرض رئيس على اللبنانيين على غرار ما كان يفعله نظام الوصاية السوري الذي قتل رينيه معوّض في 1989 ليحل مكانه إلياس الهراوي والذي أراد بعد 1998 الذهاب إلى أبعد في ممارسة وصايته ففرض على اللبنانيين إميل لحّود؟


من يتمعّن في الخطاب الأخير لنصرالله، يكتشف إلى أي حدّ تبدو إيران شبه مفلسة. من المبكر الكلام عن إفلاس كامل لإيران، خصوصا أنّها باتت الطفل المدلل لدى إدارة باراك أوباما التي تختزل كلّ أزمات الشرق الأوسط بالملفّ النووي الإيراني.

أفلست إيران نسبيا، لأنّه بات لها شريك روسي في سوريا. صارت شبه مفلسة لأنّها باتت عاجزة عن نهب ثروات العراق الذي لم تعد لديه أي احتياطات مالية. كلّ ما تستطيعه إيران في العراق، حاليا، هو ممارسة السلطة بطريقة غير مباشرة عبر الميليشيات التابعة لها لا أكثر.

فوق ذلك، تلقت إيران صدمة “عاصفة الحزم” في اليمن. لم تكن تتوقع ردّ الفعل العربي، والسعودي تحديدا، على سعيها إلى تطويق المملكة وشبه الجزيرة العربية ودولها من كلّ الجهات وعبر كلّ المنافذ، بما في ذلك مضيق باب المندب.

لم يعد لإيران سوى لبنان. لذلك صعّد حسن نصرالله في كلّ الاتجاهات، مؤكّدا أنّه يلعب دور “المرشد” في الوطن الصغير. أخيرا صار للبنان “مرشد”، تماما كما الحال عليه في إيران. يريد نصرالله انتخاب الرئيس الذي يشاء، ويريد فرض القانون الانتخابي الذي يشاء. يريد أيضا أن يكون لبنان مجرّد تابع لإيران لا شريك لها فيه. وهذا يفسّر، إلى حدّ كبير، تلك الحملة المستمرّة منذ ما يزيد على أربع سنوات، خصوصا منذ تشكيل الحزب حكومة برئاسة السنّي نجيب ميقاتي في 2011، من أجل عزل لبنان عن محيطه العربي، خصوصا عن أهل الخليج الذين كانوا يساعدون لبنان بكل الطرق الممكنة، بما في ذلك الاستثمار فيه وتطوير القطاع السياحي.

كان عزل لبنان عن محيطه العربي خطوة أخرى في مسيرة انقلابية طويلة بدأت مطلع ثمانينات القرن الماضي. تستهدف هذه المسيرة الانقلابية تغيير طبيعة لبنان، مجتمعا ونظاما سياسيا، على غرار تغيير طبيعة المجتمع الشيعي فيه.

تبدو كلّ الوسائل المتوافرة لدى “حزب الله”، في مقدّمتها السلاح غير الشرعي الموجّه إلى صدور اللبنانيين، مشروعة لفرض “مرشد” على لبنان. أكثر من ذلك، تشمل عدّة الشغل لدى “حزب الله” الهجوم على السياسة الأميركية في المنطقة والتذرع بـ”المشروع الأميركي” لتبرير الحرب التي يشنّها الحزب على لبنان واللبنانيين، بالتزامن مع مشاركته في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري.

من أطرف ما تضمّنه خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” الحملة على السياسة الأميركية في المنطقة متجاهلا الحلف غير المقدّس القائم بين واشنطن وطهران، خصوصا في مرحلة الإعداد للغزو الأميركي للعراق. كانت إيران الشريك الوحيد في الحرب الأميركية التي استهدفت التخلص من النظام العائلي ـ البعثي لصدّام حسين. كلّ حلفاء “حزب الله” في العراق جاؤوا إلى السلطة على دبّابة أميركية ولا شيء آخر غير الدبابة الأميركية. على رأس هؤلاء نوري المالكي الذي بقي رئيسا للوزراء ثماني سنوات والذي رفع “حزب الله” صوره في بيروت، على طول طريق المطار تحديدا!

على من يضحك حسن نصرالله؟ يستطيع أن يضحك على أنصاره الذين تسيّرهم الغرائز المذهبية التي تُعمي الإنسان وتجعله يتصوّر أن إيران، التي يعيش نصف شعبها تحت خط الفقر، والتي تحتلّ أراض عربية، يمكن أن تكون مثلا أعلى يحتذى به.

مرّة أخرى استخدم الأمين العام لـ”حزب الله” كلّ المغالطات والتناقضات، بما في ذلك شنّ حملة جديدة على المملكة العربية السعودية، لتبرير وضع يده على لبنان والإعلان عن وجود “مرشد” في هذا البلد. الأكيد أن اللبنانيين لا يمكن أن يرضخوا لهذا الواقع، علما أنّهم يعرفون قدرة الحزب على التخريب والتدمير، كما يعرفون أن لا خيار أمامهم سوى المقاومة.

قاوم اللبنانيون في الماضي الوصاية السورية… يقاومون الآن الوصاية الإيرانية التي توّجها تعيين نصرالله نفسه “مرشدا” للوطن الصغير. هل يتحمّل لبنان مثل هذا “المرشد”… أم كلّ ما في الأمر أن “حزب الله” يسعى عبر التصعيد إلى تغطية ضعفه الذي في أساسه بدء تراجع المشروع التوسّعي الإيراني القائم على الاستثمار في الغرائز المذهبية أوّلا وأخيرا…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بات للبنان مرشد بات للبنان مرشد



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 22:05 2017 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

الإنسان ومواقع التواصل الاجتماعي

GMT 05:09 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

محمد صلاح طلب تعيين حسام غالي مديرا للمنتخب

GMT 20:18 2018 الأربعاء ,30 أيار / مايو

خمس فتيات يجرين عمليات تجميل ليصرن هيفاء وهبي

GMT 13:10 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

منتجع مميز وسط سهول توسكانا في إيطاليا

GMT 13:54 2015 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

صحة كاليفورنيا توقف صيد سرطان البحر بسبب السموم

GMT 22:57 2015 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

احذري كريمات فرد الشعر

GMT 07:14 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات ناسي عجرم في "ذا فويس كيدز" تُشعل مواقع التواصل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca