الرهان على مصر كان في محله

الدار البيضاء اليوم  -

الرهان على مصر كان في محله

خيرالله خيرالله

سمح صمود مصر بأن تكون هناك بداية لمشروع كبير يفضي إلى استعادة بعض التوازن في الإقليم. السنة المقبلة ستكون حاسمة لمعرفة هل كان الرهان على مصر في محله؟ الميل إلى الآن، أنه كان في محله فعلا.

كانت السنة 2014 مهمّة، بل مفصلية، بالنسبة إلى مصر وإلى العالم العربي في الوقت نفسه. هذا ليس عائدا إلى أنّه أصبح لمصر رئيس جديد منتخب هو المشير عبد الفتاح السيسي فحسب، بل هو عائد أيضا إلى بداية تحسّن على الصعيد الداخلي أيضا. هناك بداية شعور بالأمن وبعودة الدولة بكلّ هيبتها، على الرغم من المحاولات الدؤوبة التي يبذلها الإرهابيون من أجل العودة بالوضع إلى الخلف.

لا شكّ أن مشاكل مصر ضخمة، وأنّ السيسي لا يمتلك حلولا سحرية. لكنّ الأكيد أنّ هناك محاولة جدّية لدعم صمود مصر ومساعدتها في مواجهة هذه المشاكل. هذه المحاولات عربية أوّلا وأخيرا، وقد جاءت في البداية على خلاف الرغبات الأميركية.

لم تنعقد القمّة الخليجية في الدوحة إلا بعد بلورة اتفاق على دعم مصر وعلى الوقوف مع المشير السيسي بالاسم. كان ذلك موقفا سعوديا حازما توجته جهود بذلها الملك عبدالله بن عبدالعزيز من أجل تحقيق مصالحة مصرية ـ قطرية تفتح صفحة جديدة بين البلدين.    

لعب العرب الواعون دورا أساسيا في تمكين مصر من استعادة وضع شبه طبيعي يمكن البناء عليه. كان هناك استثمار في مصر ورهان عليها. لم يكن ذلك ممكنا لولا أن الشعب المصري ساعد نفسه أوّلا. لم تكن “ثورة الثلاثين من يونيو” 2013 التي أخرجت الإخوان المسلمين من السلطة سوى ثورة حقيقية من أجل إنقاذ مصر.

كانت تلك ثورة حقيقية من أجل منع مصر من السقوط، بعدما تبيّن أن ليس لدى الإخوان المسلمين، الذين وضعوا محمّد مرسي في الرئاسة، أي مشروع لبناء دولة. لم يكن لديهم أي مشروع اقتصادي لمصر. كان لديهم مشروع سياسي يربط القاهرة بغزّة. كان الهمّ الأول للإخوان يتمثل في نقل تجربة “الإمارة الإسلامية”، على الطريقة الطالبانية، التي أقامتها “حماس” في القطاع إلى مصر.

وُجد من يساعد مصر. الأهمّ من ذلك، أن مساعدة مصر لم تكن موسمية. هناك متابعة جدّية ويومية ودقيقة للموضوع، نظرا إلى أن وقوف مصر على رجليها مجددا سيساعد، إلى حدّ كبير، في استعادة بعض من التوازن الإقليمي. إنّه التوازن الذي اختلَّ إلى حدّ كبير في ضوء الهجمة الإيرانية على كلّ ما هو عربي في الشرق الأوسط. كانت مصر جزءا من هذه الهجمة التي استهدفت توسيع رقعة النفوذ الإيراني من جهة، والقضاء على أيّ أمل بعودة مصر إلى لعب دور على الصعيد الإقليمي من جهة أخرى. كانت هناك محاولة إيرانية جدّ واضحة لتطويق مصر من كلّ الجهات، بما في ذلك من داخل القاهرة نفسها عن طريق الزيارات المتبادلة، وزرع موالين لطهران حول مرسي.

كان لا بدّ من فكّ الحصار عن مصر. هذا ما فعله العرب الذين وقفوا معها. نجحت مصر بعدما تصدّت بفاعلية للإرهاب في سيناء، والذي مصدره غزّة، وذلك الذي مصدره الحدود الليبية، وبعض مما يأتي من السودان. لكنّ النجاح الأكبر ونقطة التحوّل كانا الامتحان الذي مرّت به القاهرة خلال الصيف الماضي.

اندلعت وقتذاك حرب بين “حماس” وإسرائيل استمرّت أكثر من شهر. كان هناك من افتعل تلك الحرب التي استغلتها إسرائيل إلى أبعد الحدود لممارسة إرهاب الدولة وتدمير أحياء بكاملها على أهلها من المدنيين، بما في ذلك المدارس والمستشفيات.

كان واضحا أنّ “حماس” هيأت نفسها لتلك الحرب التي استهدفت عبرها إحراج مصر. صمدت “حماس” بفضل شبكة الأنفاق التي أقامتها تحت الأرض وكبّدت الإسرائيليين خسائر كبيرة. لكنّ عين “حماس” كانت على مصر وكيفية إحراج مصر.

صمدت مصر التي طرحت منذ الأسبوع الأوّل للحرب مبادرة لوقف النار. كانت المفاجأة رفض “حماس” لتلك المبادرة التي قبلت فيها، على غير ما هو متوقّع، حكومة بنيامين نتانياهو. لم يحصل شيء في مصر. لم يحصل شيء في الضفّة الغربية. كانت النتيجة اضطرار “حماس”، في نهاية الأمر، إلى قبول المبادرة المصرية التي كانت اللعبة الوحيدة في المدينة، كما يقول الأميركيون. لم يكن هناك غير اللعبة التي طرحتها مصر. كان في استطاعة “حماس” توفير الكثير من الدمار والضحايا، لكنّها فضّلت اختبار مصر ومدى قوة النظام فيها.

تبيّن أن النظام أقوى بكثير مما يعتقد. هذا ما جعل الرهان عليه يستمرّ عربيا، إضافة إلى حصول تغيير في الموقف الأميركي. من الواضح أن الأردن لعب، عبر الملك عبدالله الثاني، دورا في حصول هذا التغيير الأميركي لمصلحة الثورة المصرية. الدليل على ذلك الاتصال الأخير بين الرئيس باراك أوباما والرئيس المصري والذي جاء بعيد الزيارة التي قام بها السيسي لعمّان.

ما تشهده مصر من تحوّلات يوفّر بصيص أمل في المستقبل، وذلك في منطقة تجتاحها الكوارث وفيما باتت دول عدّة مهدّدة بالتفتت. ما مستقبل ليبيا، ما مستقبل اليمن، ما مستقبل سوريا، ما مستقبل العراق؟ هذا غيض من فيض الهزّات التي تنتظر الشرق الأوسط، حيث تمارس إيران لعبة في غاية الخطورة.

لا يزال هناك الكثير أمام مصر. لكنّ الموقف الخليجي الموحّد تجاهها، في حال كانت له ترجمة على أرض الواقع، يمكن أن يساعد في تحسين الوضع الإقليمي إلى حدّ كبير.

في النهاية يحتاج الاقتصاد المصري إلى دعم الدول الخليجية، على رأسها السعودية التي يبدو أنّها ألقت بثقلها في مصلحة مصر. والحديث هنا ليس عن المملكة وحدها، بل يشمل دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت أيضا. كذلك، هناك دعم سياسي قوي مصدره الأردن. هذا الدعم العربي لمصر ما كان ليستمر لولا اكتشاف أنّ في القاهرة من يستوعب حقيقة الوضع على الأرض من جهة، ومدى عمق الأزمة الاقتصادية من جهة أخرى. الوضع على الأرض يتطلب قرارات جريئة في ما يخص الحرب على الإرهاب، فيما الأزمة الاقتصادية تستوجب الاعتراف بأن لا مستقبل لمصر من دون حلول جذرية. تشمل هذه الحلول الجذرية، بين ما تشمل، مواجهة النمو السكّاني العشوائي الذي يأكل مسبقا كلّ تقدّم يتحقّق في مجال التنمية.

سمح صمود مصر بأن تكون هناك بداية لمشروع كبير يمكن أن يفضي إلى استعادة بعض التوازن في الإقليم. الأكيد أن السنة المقبلة ستكون حاسمة لجهة معرفة هل كان الرهان على مصر في محلّه؟ الميل إلى الآن، أنّه كان في محلّه فعلا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرهان على مصر كان في محله الرهان على مصر كان في محله



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 20:31 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

كومباني يعلن جاهزية مانشستر سيتي لمواجهة ليفربول

GMT 11:14 2018 الجمعة ,16 شباط / فبراير

تزيني بمجموعة مميزة من المجوهرات في عيد الحب

GMT 16:31 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

برانت دورتى ينضم لفيلم "Fifty Shades Of Grey"

GMT 01:15 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مميّزات جديدة في هاتف "iPhone X" الجديد من أبل

GMT 11:16 2014 الأربعاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة وفيتامينات لعلاج النهايات العصبية للجهاز العصبي

GMT 05:31 2016 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

علماء يتوصَلون لمعرفة مسارات طيور السنونو خلال رحلاتها

GMT 00:27 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مناقشة كتاب "أيام من حياتي" سيرة سعد الدين وهبة

GMT 23:31 2017 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

الريان يخرج حمد الله من "جحيم" الجيش القطري

GMT 05:04 2016 الخميس ,14 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca