أدوغان الذي كشفته مصر...

الدار البيضاء اليوم  -

أدوغان الذي كشفته مصر

خيرالله خيرالله

ما المشروع الذي يخدمه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان؟ هل من تفسير منطقي للموقف الذي يتّخذه من مصر غير الفكر الإخواني الذي ينتمي إليه ويؤمن به؟ هل يمكن بناء سياسة متماسكة في اساسها دعم الإخوان ولا شيء آخر غير ذلك؟

من المعترف به، بلغة الأرقام، أن تركيا قصة نجاح على الصعيد الإقتصادي، بالمعنى التركي للكلمة، أي في الداخل التركي. أمّا على صعيد السياسة الخارجية، فكلّ ما يمكن قوله أنّ السياسة التركية تصرّ على الإصطدام  بحائط مسدود. فشلت في مصر. فشلت في فلسطين واليمن والعراق وليبيا وفشلت في لبنان وفشلت خصوصا في سوريا.

يعطي الفشل السوري فكرة عن سياسة تركية مضعضعة تصبّ في نهاية المطاف في تفتيت هذا البلد العربي بدل المساعدة في تغيير في العمق يحرّر الشعب السوري من نظام عائلي أقلّوي يسعى منذ اكثر من أربعة عقود على استعباده.

 عملت تركيا ـ رجب طيب اردوغان، قبل أن يصبح الأخير رئيسا للجمهورية، كلّ ما تستطيع من أجل منع الشعب السوري من الإنتصار. دعمت ثورته من دون أن تدعمها. في آخر المطاف، أن تركيا التي فشلت في اقامة منطقة حظر جوّي على الحدود مع سوريا، التقت عمليا مع ايران من حيث تريد أو لا تريد. التقت مع ايران، من حيث تدري أو لا تدري، في مخطط تفتيت سوريا وتقسيمها.

ساهمت ميوعتها وانتهازيتها في  صعود المنظمات المتطرّفة التي بينها "داعش" والتي تعتبر خير حليف للنظام السوري الطامح إلى تصوير شعبه بأنّه مجموعة من "العصابات الإرهابية".

ما الذي تريده تركيا في سوريا، هي التي كان يدعي غير مسؤول فيها أنّ انقرة من بين اكثر من يعرف حقيقة ما يدور في دمشق والمدن الكبرى؟ مثل هذا الإدعاء صحيح. هناك غير مسؤول تركي كبير يعرف كلّ شيء تقريبا عن دمشق وحلب وحمص وحماة وعن اساليب النظام السوري وما يشعر به ابناء الطبقة البورجوازية وعامة الناس. ولكن ماذا فعل رجب طيب اردوغان بكلّ هذه المعلومات عندما كان رئيسا للوزراء ثمّ رئيسا للدولة؟ الجواب لا شيء باستثناء المساهمة في اطالة أمد الحرب التي يشنّها النظام على شعبه بما يؤدي في النهاية إلى عدم بقاء حجر على حجر في سوريا.

انتقلت تركيا من فشل إلى فشل في سوريا. لا تأثير يذكر لها في العراق ولا تأثير ايجابيا في لبنان. كلّ ما فعلته في اليمن هو ارسال اسلحة إلى الإخوان المسلمين. وعندما كشف احد النوّاب اليمنيين الأمر، جاء السفير التركي يعاتبه في منزله.

كانت تركيا تطمح إلى دور في اليمن من خلال الإخوان الذين وفّروا كلّ الظروف التي مكّنت الحوثيين، أي "انصار الله" من السيطرة على صنعاء وعلى القرار السياسي اليمني وتجييره لمصلحة ايران.

غريبة التصرّفات التركية، خصوصا الكلام الأخير الصادر عن اردوغان الذي يتناول مصر. اين مشكلة تركيا مع مصر؟ هل المشكلة في أنّ مصر تتعافى، وان ببطء، بعد ثورة شعبية حقيقية طوت صفحة حكم الإخوان المسلمين الذين استخدموا كلّ الأساليب الدنيئة والملتوية من اجل الوصول إلى رئاسة الجمهورية.

الأكيد أن لا حاجة إلى العودة إلى مناورات الإخوان الذين اعتبروا أن صندوق الإقتراع يصلح لمرّة واحدة فقط، أي للوصول إلى السلطة والبقاء فيها إلى الأبد. لميسقط الإخوان في مصر، لأنّهم حزب سياسي من حقّه الطبيعي الوصول إلى السلطة. سقطوا لأنّهم لم يمتلكوا أي مشروع سياسي ديموقراطي أو أيّ مشروع اقتصادي له معنى لمصر. كلّ ما كانيمكن أن يصلوا إليه عبر محمّد مرسي هو تسليم مصر على صحن من فضّة لإيران، تماما كما فعل الأميركيون بالنسبة إلى العراق.

كشف اردوغان تركيا عربيا. كشف أنّ هدف سياسة انقرة في عهدهيتمثّل في منع العرب من استعادة مصر ومن اقامة توازن على الصعيد الإقليمي. كان القرار الذي اتخذّه العرب الشرفاء، على رأسهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والكويت والأردن، باستعادة مصر من أهمّ القرارات التي اتخذت على الصعيد العربي منذ سنوات طويلة. تحدّى العرب الولايات المتحدة وقرّروا مساعدة مصر والوقوف مع شعبها وخياراته. هذا ما لم يفهمه الرئيس التركي الذي يراهن على دور إقليمي اكبر في مرحلة ما بعد سقوط العرب.

لعلّ اكثر ما لم يفهمه اردوغان هو أن المتاجرة بالقضية الفلسطينية لا تجدي. بيع الفلسطينيين الأوهام لا يفيد الفلسطينيين في شيء. لو كان الرئيس التركي صادقا مع الفلسطينيين، لكان فهم منذ فترة طويلة أنّ الخدمة الوحيدة التي يستطيع تأديتها لهم هو عودة غزّة إلى الحضن الدافئ للشرعية الفلسطينية بدل عمل "حماس" على اقامة "امارة اسلامية" في القطاع لا تشبه سوى امارة "طالبان"  في افغاستان أو ما تطمح إليه "داعش" في سوريا والعراق.

شجّع اردوغان "حماس" على ارتكاب كلّ الأخطاء التي تخدم الإحتلال الإسرائيلي.ساعدها على خوض حروب لا طائل منها لم تأت لأهل غزّة سوى بالويلات والنوم في العراء.

 أين مصلحة الفلسطينيين في بقاء غزّة محاصرة بحجة أنّها قاعدة لإطلاق الصواريخ في اتجاه الأراضي الإسرائيلية؟

ارسل اردوغان قبل اربع سنوات سفينة "مرمرة" لفكّ الحصار عن غزّة. ماذا كانت النتيجة؟ اذا وضعنا جانبا الفشل الذريع لتلك المغامرة، تبيّن أن "حماس" اعتقدت أنّ في استطاعتها الإستمرار في تحدّي السلطة الوطنية ومصر ورفض المشروع الوطني الفلسطيني القائم على حلّ الدولتين والذي لا لعبة سياسية غيره في المدينة.

من يريد بالفعل خدمة الشعب الفلسطيني، لا يحرّض الفلسطينيين على بعضهم بعضا من أجل تكريس الإنقسام بين الضفّة وغزّة، ولا يحرّضهم على مصر ولا يراهن على أنّ "حماس"، بصفة كونها جزءا لا يتجزّأ من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ستكون قادرة على تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني والتأثير في الداخل المصري.

 إنّ تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني المنفتح، في طبيعته، على العالم وعلى كلّ ما هو حضاري فيه يعني قبل كلّ شيء نقله إلى مزيد من التخلّف لا اكثر. هل هذا ما يطمح إليه الرئيس التركي الذي يواجه في بلده حركة اعتراضية على محاولاته الهادفة إلى اعادة تركيا إلى خلف؟

في انتظار معرفة ما يريده اردوغان، ليس امام العرب سوى الإنتظار، عليهم انتظار استرداد الرئيس التركي لوعيه. ماذا يعني ذلك؟ يعني بكلّ بساطة أن عليه التوقف عن لعب لعبة لا تصبّ سوى في خدمة المشروعين الإيراني والإسرائيلي من جهة وبيع العرب الأوهام من جهة أخرى.

ما يحلم به اردوغان مستحيل التحقيق، لا لشيء سوى لأنّ تركيا لم تتقدّم إلّا عندما تخلّت عن احلامها الإمبراطورية وانصرفت إلى معالجة مشاكلها الداخلية مستندة إلى القيم والمبادئ المعترف بها عالميا وليس القيم والمبادئ المضحكة ـ المبكية للإخوان المسلمين وما شابه هذا النوع من التنظيمات السنّية أو الشيعية التي شهدنا ما فعلته بالعراق والتي كادت أن تقضي على مصر...

هل مصر، التي رفضت أن تخضع للإخوان المسلمين ومن على شاكلتهم، هي في النهاية عقدة اردوغان؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أدوغان الذي كشفته مصر أدوغان الذي كشفته مصر



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 08:05 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أزياء أسبوع ميلانو لموضة الرجال جريئة ومسيطرة

GMT 06:29 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

منع أقدم سجناء "غوانتانامو" من قراءة كتاب دون أسباب

GMT 12:15 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

"ثقافة الإسكندرية" تعلن عن إصدار 4 كتب جديدة

GMT 09:23 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

النمر التسماني يظهر مجددًا بعد الاعتقاد بانقراضه

GMT 10:40 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

الزخرفة تميز "دوتشي آند غابانا" في صيف 2018

GMT 11:44 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

وزير الفلاحة والصيد البحري يصل إلى مدينة جرادة

GMT 05:38 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

كتاب جديد يشرح خبايا السيرة الذاتية لبيريغيت ماكرون

GMT 05:51 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

حمادة هلال يطرح كليب "حلم السنين" في عيد الحب المقبل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca