اليوم معامل ”أرامكو“… غدا ماذا؟

الدار البيضاء اليوم  -

اليوم معامل ”أرامكو“… غدا ماذا

بقلم : خيرالله خيرالله

كشفت العملية التي شنتها إيران مستهدفة النفط السعودي وشركة “أرامكو” بالذات أن “الجمهورية الإسلامية” اعتمدت خط التصعيد ردّا على العقوبات الأميركية التي تستهدفها. كشفت هذه العملية، في الوقت ذاته، إدارة دونالد ترامب. تبدو الإدارة الأميركية في حيرة من أمرها في غياب خيارات أخرى غير متابعة فرض العقوبات وعرض حوار من دون شروط مسبقة على طهران.

ردت إيران على خيار الحوار من دون شروط مسبقة بعمل أقلّ ما يمكن أن يوصف به أنّه إعلان حرب. نعم، إنّه إعلان حرب بكل معنى الكلمة نظرا إلى أنّه يهدد “إمدادات البترول العالمية وأمنها، بما يشكل تهديدا للاقتصاد العالمي”. هناك اعتراف بذلك من وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان الذي لم تنقصه الجرأة في الكلام عن الأمور كما هي واصفا ما حدث بدقة وشفافية.
 
من الواضح أن إيران تشعر بالاختناق وتعتبر أنّها تتعرّض لحرب وصفها أحد دبلوماسييها في بيروت بـ”الموت البطيء”، مشددا على أنّها “لن تقف مكتوفة أمام هذا الموت البطيء وهذه الحرب”.

إذا، اتخذت إيران قرارها. ما أقدمت عليه ردّا على العقوبات الأميركية يعتبر أشدّ خطورة من إغلاق مضيق هرمز الذي اكتشفت إيران أنّه يصعب عليها إغلاقه… في حين أنه من الأسهل ضرب أهداف حيوية في منطقة الخليج العربي. اليوم معامل لشركة “أرامكو”. غدا، قد يكون هناك استهداف لمصانع تحلية المياه. باختصار، تمتحن إيران القدرة الأميركية على الصمود والردّ في وقت تعرف جيدا أن دونالد ترامب يخشى الدخول في أي حرب، خوفا من أن يؤثر ذلك على فرص العودة إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية التي موعدها في تشرين الثاني-نوفمبر 2020.

إلى أي مدى ستذهب إيران في ما تعتبره ردّا على الحرب الأميركية؟ الظاهر أنّها ستذهب بعيدا في ظلّ إدارة أميركية قررت استبعاد الردّ العسكري ما دام الهدف دول الخليج العربي وليس الجنود الأميركيين والقواعد الأميركية في المنطقة.

تبيّن أنّ “الجمهورية الإسلامية” تعيش في أجواء التصعيد في غياب إدارة أميركية قادرة على ردعها. تعرف تماما أن في استطاعتها تجاوز الكثير من الخطوط الحمر باستثناء قتل جنود أميركيين. كان إسقاط الطائرة المسيرة الأميركية فوق مضيق هرمز في حزيران- يونيو الماضي خير دليل على ذلك. في اللحظة الأخيرة، تراجع ترامب عن الردّ العسكري وتصرّف على طريقة باراك أوباما. تذرّع الرئيس الأميركي بأن الردّ كان سيؤدي إلى سقوط ضحايا إيرانية كثيرة، في حين اقتصرت الخسائر الأميركية على طائرة مسيّرة لا يتجاوز ثمنها 150 مليون دولار!

بات على دول الخليج العربي في ضوء المعطيات الراهنة، التي تتمثل بتصعيد إيراني تجاهها وتجاهل أميركي لهذا التصعيد، البحث عن إستراتيجية جديدة تستند إلى معطيات خاصة بالوضع القائم. في مقدّم هذه المعطيات أن إيران، العاجزة عن الدخول في مواجهة مباشرة مع أميركا، لجأت إلى الردّ في الخليج نفسه وفي العراق وسوريا ولبنان واليمن. من المهمّ ملاحظة أنّ الضغوط الإيرانية في العراق زادت أخيرا في غياب سلطة عراقية فعلية. كان أبرز ما كشفته هذه الضغوط استيعاب طهران لمقتدى الصدر مجددا، وظهوره في مجلس “المرشد” الإيراني علي خامنئي، لدى إحياء ذكرى عاشوراء، جالسا إلى جانب الجنرال قاسم سليماني.

لم يعد سرّا أن الميليشيات المذهبية التابعة لإيران، والتي تعمل بكلّ حرّية في العراق تحت تسمية “الحشد الشعبي”، وضعت الأراضي العراقية في تصرّف “الجمهورية الإسلامية”، فيما الولايات المتحدة تتفرّج… أقلّه إلى الآن. هل يفاجئ دونالد ترامب حلفاءه الخليجيين فيثبت أنّه مختلف عن باراك أوباما، وأن إزاحته لمستشاره لشؤون الأمن القومي، جون بولتون، لن يكون لها تأثير يذكر على المواجهة مع إيران؟

لن يعود مستغربا بعد اليوم، في حال لم تتخذ أميركا إجراءات من نوع مختلف ردّا على مهاجمة المنشآت النفطية السعودية، أن يكون هناك لجوء إلى سياسة خليجية مستقلة عن السياسة الأميركية إلى حد كبير. ستشبه هذه السياسة تلك التي اتبعت في عهد باراك أوباما الذي لم يكن يرى مشكلة في استيلاء الإخوان المسلمين على مصر إثر انتخاب محمد مرسي رئيسا للجمهورية في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها مريبة.

تحرّكت دول خليجية عدّة، في مقدمتها السعودية والإمارات من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ودعم الانتفاضة الشعبية التي أدّت إلى تخلّص مصر من حكم الإخوان المسلمين الذي سمح بتغلغل إيراني في عمق البلد. ليس سرّا أن مجموعة من الدول العربية تحرّكت بطريقة مستقلّة ودعمت خيار الشعب المصري منتصف العام 2013.

عندما تتردّد الولايات المتحدة، بسبب حسابات خاصة بها التعاطي، في اللجوء إلى الحزم مع إيران، سيحمل ذلك دولا عدةّ في منطقة الخليج إلى إعادة النظر في مواقفها وسياستها، في وقت تسعى إيران إلى دق إسفين بين هذه الدولة العربية وتلك. في النهاية إن دول الخليج العربي كلّها في مركب واحد ويفترض بها إدراك أن اللعبة الإيرانية المتمثلة في التركيز على السعودية وحدها، هذه الأيّام، لن تمرّ على أحد.

هناك بكل بساطة وضع مختلف في المنطقة، خصوصا في الخليج. تستطيع أميركا الاكتفاء بسياسة تشديد العقوبات على إيران. لكن ليس في استطاعة دول الخليج الاكتفاء بالتفرّج على ردود الفعل الإيرانية التي تستهدفها، خصوصا أنّ ليس ما يشير إلى أنّ “الجمهورية الإسلامية” مستعدة لالتزام حدود معيّنة، نظرا إلى أنّها تعتبر العقوبات الأميركية مسألة حياة أو موت بالنسبة إليها.
 
لم تعد إمدادات النفط مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي أصبحت في وضع القادر عن الاستغناء، ضمن حدود معيّنة، عن نفط الخليج. ولكن ماذا عن بقية دول العالم، بما في ذلك الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية والدول الأوروبية باستثناء بريطانيا ونرويج؟ ما الذي ستفعله إدارة ترامب في حال مارست هذه الدول ضغوطا عليها كي تخفف العقوبات على إيران، خصوصا العقوبات على تصدير النفط، وذلك كي تخفف إيران بدورها من التصعيد في منطقة الخليج؟

تدخل المنطقة ومعها العالم مرحلة جديدة في ظلّ حال من التخبط الأميركي في أساسها رغبة دونالد ترامب في العودة إلى البيت الأبيض بأي ثمن… حتّى لو كان هذا الثمن مصافحة الرئيس الإيراني حسن روحاني والتقاط صورة تذكارية معه. هناك ثمن يبدو المقيم في البيت الأبيض مستعدا لدفعه، فيما لا أحد في المنطقة العربية على استعداد لتحمّل النتائج المترتبة على دفع أميركا لهذا الثمن.
 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليوم معامل ”أرامكو“… غدا ماذا اليوم معامل ”أرامكو“… غدا ماذا



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 18:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 00:01 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تتأهل رسميًا إلى نصف نهائي بطولة أفريقيا للريشة الطائرة

GMT 20:57 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

اختيار هشام نصر متحدثًا رسميًا لاتحاد اليد المصري

GMT 19:36 2018 الخميس ,03 أيار / مايو

ارتفاع أسعار تذاكر مباراة وداع فينغر

GMT 07:53 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

تعرف على قواعد اختيار هدية عيد الحب لشريكة الحياة

GMT 02:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المجلس الأعلى للقضاء يعاقب 15 قاضيا من مختلف المدن المغربية

GMT 06:17 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

جيجي حديد في إطلالة من الجلد في عيد ميلاد حبيبها

GMT 23:48 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

نجل "عبدالرؤوف" يكشف حقيقة حالته الصحية

GMT 06:50 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

الحزب الجمهوري يمدح إيفانكا ترامب ويشيد بمجهوداتها

GMT 12:46 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تنظيم الدورة الثانية للدوري الدولي لكرة الماء في الرباط

GMT 23:36 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي الأحد

GMT 07:43 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مدينة شَرِيش الإسبانية الساحرة الأفضل لقضاء عطلة الأسبوع

GMT 12:31 2015 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على جثة محروقة وملقاة في ضواحي مدينة فاس

GMT 15:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة بريطانية تعلن اكتشاف حقل جديد للغاز الطبيعي في المغرب

GMT 16:50 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

تأكد غياب لاعب برشلونة عن الكلاسيكو عثمان ديمبلي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca