الحفرة المنسية

الدار البيضاء اليوم  -

الحفرة المنسية

بقلم - توفيق بو عشرين

رغم البرد، ورغم الوعود، ورغم مرور أربعة أسابيع على اندلاع الاحتجاجات، نزل آلاف المواطنين في مدينة جرادة، يوم السبت الماضي، حاملين شعار: «بلا صداع بلا شغب، وزير الطاقة غي كذاب». زيارة عزيز الرباح لـ«الحفرة المنسية» لم تزد الوضع هناك إلا سوءا، فالوزير لم يحمل معه حلولا ملموسة، ولا أجوبة مقنعة، ولا حتى أملا في إمكانية وجود حلول لمشاكل 45 ألف نسمة تعيش من فتات الفحم الحجري منذ سنوات، ويخاطر الناس فيها بحياة أبنائهم من أجل لقمة عيش سوداء مطلية بالفحم الحجري، الذي أغلقت مناجمه دون توفير بديل اقتصادي للسكان.

لم تستعمل الدولة، إلى الآن، القبضة الحديدية مع حراك جرادة، كما حصل مع حراكي الريف وزاكورة، لكن، إذا استمر الوضع هكذا، فإن الحل الأمني سيتقدم على الحل السياسي، مع تزايد رقعة الاحتجاجات، وزيادة الخوف من انتقال عدوى الحراك إلى مدن وأقاليم أخرى تعاني المشاكل والأزمات نفسها التي توجد في جرادة. هنا نكتشف فشل «طبخة أبريل»، ووضع حكومة ضعيفة في المشور. هذه هي النتيجة المنطقية لإفراغ الاقتراع من مضمونه السياسي، وإدخال ستة أحزاب إلى خيمة حكومة العثماني، غير قادرة على إطفاء نيران الاحتجاجات الاجتماعية، وغير قادرة على إعطاء أمل في الغد، وغير قادرة حتى على منح الثقة للمحتجين في قدرتها على التخفيف من مشاكلهم غدا أو بعد غد… لا أحد يقول إن الحكومة تستطيع أن تحل مشاكل تراكمت منذ عقود في ساعات أو أيام أو حتى شهور، لكن الحكومات الحقيقية هي التي تستطيع أن تكسب ثقة المواطن في وعودها، وأن تقنعه بالصبر إلى حين نضج الحلول التي تبشر بها، لكن هذه الحكومة، ولأنها ضعيفة ومشروعيتها مشروخة وتركيبتها هجينة وقائدها متردد، فإنها لا تطفئ الحرائق، بل تصب الزيت على النار… ذهب وزير الطاقة والمعادن، عزيز الرباح، إلى جرادة يعرض مواهبه الخطابية، ويستعرض سعة «جبهته»، فماذا كانت النتيجة؟ خرج الآلاف ينعتونه بالكذاب.

ماذا سنصنع بحكومة غير قادرة على إطفاء الحرائق الاجتماعية التي تزداد يوما بعد آخر، مستعملة الشارع ساحة لخوض معركة الكرامة والعدالة الاجتماعية، والحصول على فرص شغل كافية؟ هل سنتخلى عن السياسة، ونستعمل القانون الجنائي مرة أخرى، وندفع بالشباب إلى أقفاص الاتهام، ونرجع إلى المفهوم القديم للسلطة؟ الجميع يرى تداعيات هذه المقاربة في الريف.

في الفراغ تنبت كل الأعشاب الضارة… والبلاد اليوم تشهد فراغا سياسيا مهولا يشعر به الصغير والكبير. الحكومة مترهلة، وقائدها لا يستطيع ترميمها بعد مرور ثلاثة أشهر على خروج أربعة وزراء منها بطريقة ملتبسة، كما لم يستطع العثماني تثبيت أقدام الجهاز التنفيذي بعد مرور عشرة أشهر على ولادته القيصرية، رغم أنه جمع بين رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة (الثوب لا يصنع الراهب)، أما الأحزاب السياسية فأفرغت من مضمونها، وأصبحت قطع خشب ميتة فوق رقعة الشطرنج السياسي، بلا قدرة على الحركة، ولا على المبادرة، وعلى على الوساطة حتى، والنقابات أصابها داء فقر الدم، وأصبحت جماعات ضغط لخدمة أجندات شخصية، والإدارة لم تعد تدير شيئا، وحتى وزارة الداخلية، التي كانت تتمتع بالقدرة على الحركة وضبط الفعل الاجتماعي والسياسي، أصبحت متجاوزة بعدما خسرت معركة الانتخابات الأخيرة ضد حزب العدالة والتنمية، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي صارت عين الرقيب على سلوك الدولة وأجهزتها… ماذا بقي؟ المؤسسة الملكية هي الوحيدة التي مازالت تحظى بقدرة على الحركة والمبادرة، لكن «يدا واحدة لا تصفق»، والملك نفسه أصبح ضجرا من الطبقة السياسية والإدارية، ودائم الانتقاد لها بل والتشنيع عليها، كما حدث في افتتاح البرلمان في أكتوبر الماضي. منذ ذلك الحين والكل ينتظر «الزلازل السياسية» كطريقة جديدة لتدبير أعطاب الحياة السياسية والإدارية، في غياب مشروع كبير للتحول الديمقراطي القادر على ضبط إيقاع العروض السياسية وفق قانون العرض والطلب.

لم يعد تغيير الدستور مطلبا شعبيا، ومثله احترام حقوق الإنسان، والشيء نفسه بالنسبة إلى الزيادة في هامش الممارسة الديمقراطية، ولا حتى محاربة الفساد وتقليص الاستبداد… صار الخبز والشغل على قائمة المطالب الشعبية، والصعوبة هنا تكمن في أن المطالب الاقتصادية والاجتماعية لا تعطي الدولة هامشا للمناورة، عكس المطالب السياسية التي يمكن أن تعطي فيها السلطة بيد وتأخذ بيد أخرى، والأكثر خطورة أن «الحراك الخبزي» هذا ينزل إلى الشارع، ويصرخ بلغة الاحتجاج، ولا يخاف عاملا أو قائدا أو شرطيا، ولا يكلف أحدا بالتفاوض باسمه، ولا ينتظر تعليمات من أحد، ولا يسير خلف قائد. إنه حراك عفوي وقوي ومسلح بثقافة احتجاجية، وبكاميرا وصفحة على الفايسبوك، والأهم أن ليس لديه ما يخسره، فقد خسر الكثير قبل أن يقرر النزول إلى الشارع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحفرة المنسية الحفرة المنسية



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 22:05 2017 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

الإنسان ومواقع التواصل الاجتماعي

GMT 05:09 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

محمد صلاح طلب تعيين حسام غالي مديرا للمنتخب

GMT 20:18 2018 الأربعاء ,30 أيار / مايو

خمس فتيات يجرين عمليات تجميل ليصرن هيفاء وهبي

GMT 13:10 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

منتجع مميز وسط سهول توسكانا في إيطاليا

GMT 13:54 2015 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

صحة كاليفورنيا توقف صيد سرطان البحر بسبب السموم

GMT 22:57 2015 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

احذري كريمات فرد الشعر

GMT 07:14 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات ناسي عجرم في "ذا فويس كيدز" تُشعل مواقع التواصل

GMT 08:48 2017 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

الفنانة الشابة ندى عادل سعيدة بنجاح مسلسل "الأب الروحي"

GMT 01:13 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

المصممة عزة محمود تؤكّد أنها تحب الرسم بالورقة والقلم

GMT 21:29 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

الرسوم الإضافية للمدارس أصبحت إرهاق لكاهل الأسر
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca