ماذا بقي من 20 فبراير

الدار البيضاء اليوم  -

ماذا بقي من 20 فبراير

بقلم - توفيق بو عشرين

ماذا بقي من 20 فبراير؟ لا شيء تقريبا… لنشرح هذه الخلاصة في بضع نقط.

حركة 20 فبراير خرجت من رحمين؛ الأولى هي «الربيع العربي» الذي أطل برأسه من تونس، وانتشر في الخريطة العربية كالنار في التبن، متخذا من الفساد والاستبداد والبطالة والفقر وخروقات حقوق الإنسان وقودا لناره، والرحم الثانية التي خرجت منها حركة 20 فبراير، هي مشروع قتل السياسة في المغرب، وإعطاء الأولوية للاقتصادي على السياسي، وللتقنوقراط على الأحزاب… هذه أسباب النزول، أما طبيعة هذه الحركة، فكانت كالتالي: شبابية، عفوية، احتجاجية، دون هوية إيديولوجية واضحة، ومتعددة المشارب، وكلها تلتقي في الشارع كل يوم أحد، مرددة برنامجا إصلاحيا عميقا، يبتدئ من الملكية البرلمانية، ويمر عبر مناهضة الفساد والاستبداد، وينتهي بالمطالبة بالخبز والكرامة والعدالة الاجتماعية…

هذه الحركة، التي اجتاحت الشارع المغربي، كانت أهم حدث سياسي في عهد حكم الملك محمد السادس، وصدمت الجميع، وحققت ستة أهداف، جلها اندثر اليوم تاركا مكانه لتيارات ومشاريع أخرى:

1- أسهم ضغط الشارع وإرادة الملك في ميلاد دستور جديد وضعه، لأول مرة، مغاربة وليس فرنسيون.. دستور فتح اللعبة السياسية على أفق جديد وعلى دينامية جديدة، وأحدث نوعا من التوازن في السلط بين الجالس على العرش والجالس على صندوق الاقتراع، أي ممثل التاج وممثل الإرادة الشعبية.

2- حصلنا بعد حركة 20 فبراير على انتخابات مفتوحة، ولا أقول شفافة.. انتخابات فتحت المجال للتنافس النسبي بين الأحزاب، وساعدت في بروز «التصويت السياسي» الذي اندثر منذ زمن تناوب الحسن الثاني واليوسفي، ولم تعد الانتخابات صنيعة وزارة الداخلية، حتى وإن بقيت الأخيرة تؤثر فيها، لكنها -الداخلية- لا تقول كلمتها الأخيرة فيها.

3- عرف المغرب، بعد حركة 20 فبراير، عملية إدماج مهم للإسلاميين المعتدلين في لعبة الحكم، وجرى الاعتراف بهم سياسيا بعدما حصلوا على الاعتراف القانوني قبل ذلك، وصار حزب العدالة والتنمية حزبا حكوميا بعدما كان حزبا معارضا، ولم يعد يخيف الكثيرين، كما جرى تشذيب نزعاته الدينية والشعبوية، مثلما شذبت لحى زعمائه، وفي مقدمتهم بنكيران التي تحول إلى زعيم وطني.

4- جرى إعطاب مركبة حزب الجرار، وإفشال مشروعه للاستيلاء على الحكومة في 2012، بفضل حركة 20 فبراير، ومدافع «آية الله بنكيران»، الذي اتخذ من البام هدفا لقتل التحكم، بعدما أصبح البام يصول ويجول في الحقل السياسي والإعلامي والاقتصادي والإداري، وحتى الدبلوماسي.

5- أسهمت حركة 20 فبراير في إدخال أفواج من الشباب إلى الحقل السياسي، وإلى الحراك الاجتماعي، وأنعشت 20 فبراير ثقافة الاحتجاج، وردت الاعتبار إلى الشارع، الذي كان قد مات قبلها، وأصبحت مساحات التعبير السياسي والاجتماعي أوسع داخل المؤسسات وخارجها، وهذا جعل المجتمع يتنفس والنظام يتنفس أيضا.

6- من المكتسبات التي خرجت من رحم 20 فبراير، كسر الخوف من السلطة في نفوس الناس. الربيع المغربي نقل الخوف إلى الدولة من الشعب، وقبله كان الشعب يخاف الدولة. الربيع المغربي خرج من الشارع ودخل إلى الفايسبوك، حيث استأنف حراكه باعتباره جزءا من سلطة الرأي العام.

كل هذه المكاسب تحققت، لكنها اليوم اندثرت في الهواء. الدستور الجديد صار عبئا على الدولة، وسبب إحراجا للأحزاب والحكومات، وهنا لا بد من قول كلمة حق، وهي أن بنكيران والراحل بها يتحملان جزءا ليس قليلا من مسؤولية تعطيل الدستور طلبا للتوافق مع القصر، والنتيجة ما نراه أمامنا اليوم، حيث لم يعد أحد يحسب للدستور حسابا، ولا أحد يحتكم إليه، ولم نعد نطالب بتأويل ديمقراطي للدستور، بل فقط بقراءة حرفية له، وحتى هذه أصبحت بعيدة المنال، والانتخابات التي تقدمت خطوة إلى الأمام رجعت خطوتين إلى الوراء، وأصبحت نتائجها أصفارا على الشمال، حيث تشكلت الحكومة الأخيرة في غياب تام لنتائج الاقتراع، والعدالة والتنمية، الذي دعي إلى المشاركة في الحكومة، ترك مشروعه الإصلاحي عند الباب، وأصبح جزءا من الغطاء السياسي لعودة السلطوية الناعمة، والبام، الذي ذاب مشروعه تحت شمس الاحتجاج سنة 2011، بعث من جديد في قالب التجمع الوطني للأحرار، الذي يستعد لأخذ مكانة الجرار، والشباب الذين دخلوا إلى السياسة من باب حركة 20 فبراير، وجد قادتهم أنفسهم أمام المحاكم متابعين بجرائم الحق العام، ومن دخل إلى الانتخابات بأمل الحلم بمغرب آخر، خرج في أبريل من السنة الماضية بقفة فارغة، ولن يدخل إلى غرف الانتخابات المقبلة يقينا، عقابا للنخب التي فرطت في أصواته، وللسلطة التي تلاعبت بآماله.. وحدها ثقافة الاحتجاج السياسي والاجتماعي مازالت تظهر وتختفي هنا وهناك، بفعل اشتداد الأزمة الاقتصادية والتوترات الاجتماعية في هوامش المملكة وحواضر المغرب غير النافع… إننا أشبه بعجلاتي نفخ ست عجلات، وبعد مدة قصيرة «فشها» وأفرغها من ريحها، ورجع من حيث بدأ، لكن التاريخ، لحسن الحظ، لا يعيد نفسه مرتين، وفي نهره لا يمكن المرء أن يستحم مرتين.. إنه نهر يجري ويتجدد، وتحدياته تتغير، وفرصه تقل، ومخاطره تزيد بالنسبة إلى من لا يعرف كيف يتعامل معه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا بقي من 20 فبراير ماذا بقي من 20 فبراير



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 18:37 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتعد عن النقاش والجدال لتخطي الأمور وتجنب الأخطار

GMT 21:28 2019 الجمعة ,08 آذار/ مارس

"سكودا" تطلق سيارة كروس كهربائية مميزة

GMT 03:08 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

الخريبي يعلن أفريقيا ستقود العالم لمدة 3 قرون "

GMT 02:05 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

أهم الصفات المميزة لشحصية رجل برج الدلو

GMT 19:17 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

وفاة طفلة جراء حادثة سير خطيرة في مدينة وجدة

GMT 10:36 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

الرجاء يحدد أسعار مباراته أمام النجم الساحلي

GMT 18:22 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جمهور الجيش الملكي يكتسح ملعب الخميسات

GMT 02:10 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

جامعة بريطانية تحظر تقديم الكوكتيلات في المناسبات الكبيرة

GMT 13:11 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيمان الشميطي تعتذر للجمهور في الإمارات بسبب إلغاء حفلها

GMT 07:20 2017 الجمعة ,06 كانون الثاني / يناير

إيناس النجار تطلّ في فستان أبيض في أحدث جلسة تصوير

GMT 15:51 2017 الخميس ,21 أيلول / سبتمبر

حادثة سير مروِّعة في سطات والضحايا 8 أساتذة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca