القتل باسم العقيدة

الدار البيضاء اليوم  -

القتل باسم العقيدة

ادريس الكنبوري

هناك اليوم دولتان في الشرق الأوسط قامتا معا على أساس الدين الصافي، دولة إسرائيل التي أعلنتها جماعة من القتلة باسم التعاليم المحرفة لليهودية، ودولة داعش التي أعلنتها جماعة من القتلة باسم التعاليم المشوهة للإسلام. وتشاء الصدف أن تجتمع الدولتان معا في منطقة واحدة بشكل متجاور، وأن تتفقا في توقيت القتل باسم الهوية الدينية الصافية المزعومة، ففي الوقت الذي تقتل فيه إسرائيل أبناء غزة لتكون تعاليم التوراة والتلمود هي العليا، تقتل جماعة داعش أبناء سوريا والعراق دفاعا عن فهم دموي للدين الإسلامي.
لكن بينما يتم التركيز على الجانب العقائدي في مشروع "الدولة الإسلامية" المزعومة في العراق وسوريا، يتم تهميش هذا الجانب في قراءة الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، المستمرة منذ عشرات السنين. بل أكثر من ذلك توضع مساحيق حداثية على دولة قامت على أساس الدين، ويتم بالقوة منح هذه الدولة الطابع المدني، بالرغم من أن مشروعيتها كلها وسلوكها السياسي والعسكري لا يمكن فهمهما خارج ما تتضمنه التوراة من تعاليم تمجد القتل وسفك الدماء وتعتبر الحرب ضد الآخرين طقسا دينيا مقدسا. ولذلك هناك ازدواجية مفضوحة لدى كثير من الأوساط الفكرية والسياسية في الغرب، التي تؤكد بأن إقامة الدول على أساس الهوية الدينية قد ولى عهده في العصور الوسطى، وأن الدولة الدينية لا محل لها في العلاقات الدولية الحالية، وتدين الكراهية الدينية داخل المجتمعات، بينما تدافع علنا عن دولة تمثل بالفعل أبشع نماذج العصور الوسطى في القرن الحالي أو، على الأقل، تلتزم الصمت، وكأن التاريخ يقرأ في اتجاهين وفقا للضرورة، من اليمين إلى اليسار عندما تكون هناك قضايا لا تقبل سوى التواطؤ، ومن اليسار إلى اليمين عندما تكون هناك قضايا لا تقبل سوى التوافق.
هذه الحقيقة الدينية يتم التستر عليها حينما يتعلق الأمر بالتصريحات العلنية أمام أنظار الرأي العام العالمي، فيما يجري التعبير عنها صراحة في اللقاءات المغلقة بين المسؤولين الغربيين ونظرائهم الإسرائيليين. وقبل سنوات، أثار الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن شعورا بالحماسة في الأوساط اليهودية داخل إسرائيل، لمجرد أنه تلفظ بعبارة"مسادا لن تسقط ثانية" في خطاب له أمام الكنيست. فقد كانت تلك العبارة إشارة إلى ما ورد في التوراة عن بقاء نسل بني إسرائيل، حينما تحدثت عن الانتحار الجماعي لهم في الضفة الغربية داخل قلعة تحمل نفس الإسم بعدما حاصرهم الرومان، في ستينيات القرن الأول قبل الميلاد.
لقد نجح الغرب في صياغة مواثيق دولية حول الحرب والعلاقات بين الدول، لكنه يعرف أنه صاغها خارج الدين، نظرا للوقائع التاريخية التي تسجل بأن مرحلة الحروب الدينية كانت أسوأ مراحل التاريخ الإنساني، وأفلح من ثمة في إدخال العالم الغربي إلى عهد الديمقراطية والحوار وثقافة التفاوض السلمي على أساس التوافق على تلك المواثيق، بيد أن دولة واحدة ـ هي إسرائيل ـ بقيت خارج تلك المواثيق، لأنها دولة قائمة على الدين ولأن تلك المواثيق صيغت خارج الدين، فلذا هي غير معنية بها، ويتعامل معها الغرب على هذا الأساس.
في كل المواثيق الدولية، ومنها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، هناك اتفاق على استثناء المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ مثلا من قائمة الاستهداف، لكن هذا هو ما تقوم به إسرائيل بالتحديد، إذ هي ملزمة بتعاليم التوراة لا بنصوص المعاهدات، بل هي في معسكر وجميع الأمم الأخرى في معسكر آخر ويجب على هؤلاء أن يكونوا في خدمتها، كما هو منصوص عليه في سفر المكابيين الثاني:"وقال موسى: يا رب، لماذا خلقت شعبا سوى شعبك المختار؟ فقال: لتركبوا ظهورهم، وتمتصوا دماءهم، وتحرقوا أخضرهم، وتلوثوا طاهرهم، وتهدموا عامرهم". ويكفي التذكير هنا بحالتين، الأولى عندما قال أرييل شارون لجريدة"لوفيغارو"الفرنسية، ردا على سؤال حول عدم وجود حدود مسطرة لدولة إسرائيل وعدم توفر هذه الأخيرة على دستور مكتوب، بأن"التوراة أقوى من أي وثيقة سياسية". والثانية عندما أخرج وزير خارجية إسرائيل الأسبق نسخة صغيرة من التوراة من جيبه أمام الصحافيين الذين سألوه عن تشبث دولته بأريحا، لكي يقول لهم إن تلك المدينة منحها الرب لبني إسرائيل ولا حق لأحد مهما كان أن يكون ضد الكتاب المقدس.
لذلك فإن كل عمليات القتل التي خاضتها إسرائيل ضد الفلسطينيين كانت عمليات ذات طابع ديني مقدس، أما قتل الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة فهو طقس ديني مكرس بالكتاب المقدس الذي يتضمن مئات الآيات التي تدعو إلى قتل هؤلاء تبركا وقربى، منها ما ورد في سفر إشعياء:"وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير، بحد السيف. لا سلام، قال الرب للأشرار"، وفي سفر العدد:"الآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها"، وفي سفر صموئيل الأول:"لا تعف عن أحد منهم بل اقتلهم جميعا رجالا ونساء وأطفالا ورضعا، بقرا وغنما، جمالا وحميرا".
أفليست إسرائيل دولة دينية في عالم يرفض القتل باسم العقيدة؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القتل باسم العقيدة القتل باسم العقيدة



GMT 19:47 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

الاثنين أو الأربعاء

GMT 19:40 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

«إسرائيل الكبرى»: الحلم القديم الجديد

GMT 19:37 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

2025 سنة دونالد ترمب!

GMT 19:34 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

هل يقدر «حزب الله» على الحرب الأهلية؟

GMT 19:31 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

أحلام ستندم إسرائيل عليها

GMT 19:28 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

GMT 19:24 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

المستهلك أصبح سلعة

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 00:01 2018 الأربعاء ,16 أيار / مايو

دجاج على الطريقة الصينية "دجاج كانتون"

GMT 22:00 2017 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

الارشيف الوطني ومشجب أسرار الدفاع الوطني

GMT 03:34 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

طرح منزل الكشافة بادن باول للبيع مقابل 3.5 مليون استرليني

GMT 16:43 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

متشرد يوقف "طرامواي’" الدارالبيضاء في الحي المحمدي المغربي

GMT 11:24 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الفنان حسن كامي والفنانون ينعوه برسائل مؤثرة

GMT 06:35 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر نفط عُمان يرتفع الى 71.14 دولار الخميس

GMT 12:44 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

هوجو جاستون يحرز ذهبية التنس في أولمبياد الشباب

GMT 07:00 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

ألوان ظلال الجفون "الصارخة" تسيطر على موضة الخريف

GMT 22:22 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

اكتشفي طرق سهلة و مريحة لتنظيف أواني الطهي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca