إسبانيا من أزمة سياسية إلى أخرى

الدار البيضاء اليوم  -

إسبانيا من أزمة سياسية إلى أخرى

بقلم - ادريس الكنبوري

جاء إسقاط حكومة الحزب الشعبي في مرحلة دقيقة تمر بها إسبانيا، بسبب التوتر في الحياة السياسية الناتج عن الأزمة في إقليم كاتالونيا الذي يطالب بالانفصال عن مدريد، والتي تستمر منذ عامين.
أخيرا حصلت المفاجأة التي لم يكن يتوقعها أحد في إسبانيا، إذ تم إسقاط الحكومة التي يقودها ماريانو راخوي، أمين عام الحزب الشعبي اليميني، منذ ديسمبر من العام 2011، بموجب قرار بسحب الثقة تقدم به الحزب الاشتراكي العمالي، أكبر أحزاب المعارضة، ولقي تجاوبا من لدن المجموعات النيابية للأحزاب القومية الباسكية والانفصالية في إقليم كاتالونيا، وحزب بوديموس اليساري.

وتعد هذه سابقة في تاريخ الحياة السياسية الإسبانية منذ دخول البلاد عهد الديمقراطية في عقد السبعينات، بعد رحيل الجنرال فرانسيسكو فرانكو الذي قاد البلاد بقبضة من حديد منذ نهاية الثلاثينات.

وجرت خلال العقود الماضية ثلاث محاولات لإسقاط الحكومة عبر التصويت البرلماني بسحب الثقة قدمتها أحزاب المعارضة في أعوام 1980، 1987 و2017، لكنها لم تكلل بالنجاح.

وحل زعيم الحزب الاشتراكي، بيدرو سانشيز، محل راخوي في منصب رئيس الحكومة مباشرة بعد إعفاء هذا الأخير، في سابقة أخرى أيضا، إذ يعد سانشيز أول رئيس حكومة في إسبانيا لا يتوفر على العضوية داخل البرلمان.

وجاء إسقاط حكومة الحزب الشعبي في مرحلة دقيقة تمر بها إسبانيا، بسبب التوتر في الحياة السياسية الناتج عن الأزمة في إقليم كاتالونيا الذي يطالب بالانفصال عن مدريد، والتي تستمر منذ عامين، بعد إجراء انتخابات محلية في الإقليم صوت فيها الناخبون لصالح خيار الانفصال، لكن الحكومة المركزية تدخلت بعنف للحيلولة دون نجاح هذا السيناريو الذي كاد يقسم إسبانيا إلى جبهات متطاحنة، وكاد بالتالي يخلف تأثيرات سلبية على الحياة السياسية في بلدان الاتحاد الأوروبي، خاصة تلك التي ترتفع فيها صيحات الانفصال.

نجاح مشروع سحب الثقة في آخر لحظة فاجأ الحزب الحاكم وراخوي نفسه، فقبل أقل من أسبوع فقط هاجم راخوي زعيم الحزب الاشتراكي وطالبه بالتراجع عن تقديم التماس لإسقاط حكومته بدعوى أن ذلك سوف يهدد استقرار البلاد ويدخلها إلى المجهول. والأربعاء الماضي تنفس راخوي وحزبه الصعداء بعد أن تمت الموافقة بالأغلبية على مشروع الميزانية السنوية للحكومة، إذ اعتقد أن ذلك مظهرا لتماسك أغلبيته، لكن حكم المحكمة الوطنية في اليوم الموالي، الذي أدان الحزب بتهم الفساد، وضع الحزب في زاوية حرجة، وهو ما استغله الحزب الاشتراكي لكي ينتقل إلى التصعيد ويطرح مشروع سحب الثقة داخل البرلمان.

وواجه الحزب الشعبي منذ العام 2012 فضائح متوالية بالفساد والارتشاء والاغتناء غير المشروع لكبار مسؤوليه وموظفيه الحكوميين، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من الأزمة الاقتصادية التي أنهكت ميزانية الدولة، وأدت إلى تراجع الخدمات الاجتماعية وارتفاع نسبة العطالة.

وفتح القضاء الإسباني تحقيقات في التهم المنسوبة إلى الحزب في الشهور الأخيرة كشفت بأن هذا الأخير متورط في خروقات مالية جسيمة وإنشاء “منظومة مؤسساتية للفساد” داخل أجهزة الدولة والتلاعب بالصفقات العمومية، كما كشفت عن صندوق أسود داخل الحزب لا يخضع للمراقبة القانونية أو المصالح الضريبية.

وقبل أقل من أسبوع قضت المحكمة الوطنية العليا في مدريد على الحزب بأداء غرامة قدرها 250 ألف أورو بسبب تهم ثقيلة بالفساد في ملف يطلق عليه اسم “غورتل”، مرتبط باستفادة الحزب من تحويلات مالية من دون سند قانوني، مول بها حملاته الانتخابية، وأدانت المحكمة عددا من المسؤولين الكبار في الحزب.

بيد أن سقوط حكومة راخوي لا يعني نهاية الأزمة السياسية في إسبانيا، فزعيم الحزب الاشتراكي سانشيز رفض الدخول في أي مفاوضات مع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان بشأن المستقبل السياسي وإجراء الانتخابات، وإن كان تعهد بمحاربة الفساد وطي صفحة الحزب الشعبي والدعوة إلى انتخابات مبكرة، لكن دون تحديد تاريخ معين، وقال “اليوم نحن نكتب صفحة جديدة في تاريخ الديمقراطية في بلادنا”.

وسوف يحكم الحزب الاشتراكي خلال الفترة المقبلة بناء على أغلبية هشة يمكن أن تتفكك في أي فرصة، نظرا لإصرار الأحزاب الأخرى على تنظيم انتخابات مبكرة قبل الموعد الدستوري للانتخابات المقررة عام 2020، وهي ترى أن الدعم الذي منحته للحزب الاشتراكي في التماسه بسحب الثقة من الحكومة ليس شيكا على بياض، الأمر الذي قد يقود إلى أزمة سياسية جديدة ترتسم معالمها في الأفق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسبانيا من أزمة سياسية إلى أخرى إسبانيا من أزمة سياسية إلى أخرى



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 23:52 2014 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفستق يعزز جهاز المناعة لإحتوائه على مضادات أكسدة

GMT 21:40 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

14 متسابقة على قدر من التعليم والثقافة مرشحات لملكة جمال العرب

GMT 16:48 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

ثاني حالة وفاة بأنفلوانزا الخنازير في مدينة الدار البيضاء

GMT 21:21 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مغربي يعرض بيع كليته على الـ "فيسبوك"

GMT 08:20 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

قطاع السيارات يتصدر صادرات المغرب إلى الخارج

GMT 06:33 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

أجنحة الحفريات تبيّن أن الفراشات ظهرت قبل 200 مليون سنة

GMT 04:28 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تُعلن تفاصيل دورها في فيلم "قرمط بيتمرمط"

GMT 04:50 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

"سناب شات" يصدر ميزة جديدة للاحتفال بنهاية العام

GMT 03:09 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع أسعار المواد الأساسية التي يستهلكها المغاربة

GMT 04:58 2017 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

اكتشاف ضفادع منقرضة أكلت الديناصورات الصغيرة

GMT 17:37 2015 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الفنانة اللبنانية أمل حجازي تنفي غصابتها بمرض السرطان

GMT 11:09 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أبرز اتجاهات استخدام الألوان في ديكور المنزل الداخلي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca