"بلحسين.. فاكهة الرحلة"..

الدار البيضاء اليوم  -

بلحسين فاكهة الرحلة

بقلم : يونس الخراشي

شكل وجود نور الدين بلحسين، مصور يومية "رسالة الأمة"، بيننا، في الرحلة إلى ريو ديجانيرو، ملح حلنا وترحالنا كله، إذ كنا نتعمد أن نثيره كي نحصل على قفشات تذيب تعبنا، وتذهب عنا غم الإقصاءات المتتالية للرياضيين المغاربة من المنافسات، أما مناقراته التي لم تكن تنتهي مع زميله في الصورة عبد القادر بلمكي، من جريدة "المنتخب"، فكانت هي "وليمتنا المتنقلة".
أعرف بلحسين منذ سنوات، غير أن علاقتي به انقطعت بسبب مكوثي الطويل في المكتب ووجوده الدائم خارجه، وإن لم أزامله في جريدة واحدة، مع أنه حكى لي، أثناء وجودنا في ريو البرازيلية، بأن أحد مديري "رسالة الأمة" كان سأله عني، وطلب منه أن يذكره بي في وقت لاحق، كي ألتحق بتلك اليومية، حيث اشتغل كثير من أصدقائي الأعزاء، يتقدمهم هشام رمرام، وعبد الطيف المتوكل، ومحمود أحياتي، والحسين يزي، وكريم إدبيهي، وغيرهم كثير.
أما وقد أوصاني عبد اللطيف المتوكل خيرا بنور الدين بلحسين، سيما في ما يخص موعد الوخز بإبر الأنسولين، ولما كنت أحرص على أن أبقى قريبا منه، لعلي أستفيد من خبراته الطويلة في الرحلات نحو البطولات العالمية، فقد حظيت بالكثير من الدروس، مثلما حظيت بالكثير من اللحظات الماتعة، والتي لم ينقطع فيها عنه إلهام السخرية أيا كانت الظروف والملابسات والأمكنة.
ويكفي أن تعرفوا بأن برازيليين وبرازيليات، ممن لا يتحدثون سوى البرتغالية البرازيلية، أمسكوا ببطونهم، غير ما مرة، وهم يستسلمون لقفشات نور الدين بلحسين، كي تعلموا أي شخص هذا، وأي قدرات حباه الله ليمنح غيره ابتسامات وضحكات، أما الرجل الوحيد الذي جعله ينزعج في رحلتنا كلها، فلم يكن سوى مصورا من فنيزويلا، على الأرجح، ذلك أنه بالغ في مطالباته له، وكان ثملا جدا، في وقت كان زميلنا بلحسين يرغب في تصوير بطلنا محمد الربيعي، ويركز كلية على الحلبة.
كان صباح الابتسامات، بل وحتى القهقهات، يبدأ من مطعم فندق "أوبسيون"، بحضور بلحسين وبلمكي معا نحو مائدة واحدة، ثم ما يلبث صوت الأخير أن يصدح عاليا، فنعرف بأن الأول قال له شيئا جعله يخرج عن طوره، ثم ينطلق بلمكي ضاحكا، فيتعبه بلحسين، ويبدأ الآخرون في البحث عن السبب، ليضحك الجميع بعدها، وتبدأ رحلة التعب اليومي من حافلة إلى حافلة إلى مشي لمسافات مطولة، إلى متابعات، إلى عمل مضن في المركز الإعلامي أو المراكز الفرعية.
أما حين كنا نعود ليلا إلى الفندق، فقد كانت رحلة العودة، عبر حافلة "باك وان" (BAC1)، تشكل باستمرار مسرحا لأحداث مسلية كثيرة، غالبا ما يكون بطلها نور الدين بلحسين وزميله عبد القادر بلمكي، حتى إن البعض كان يخشى، لفرط ما يندمجان في دوريهما المرتجلين، أن يصل بهما الأمر إلى مشاداة أو مشاجرات، مع أنهما كانا ينهيان مسرحياتهما دائما بضحكة مضحكة من هذا ومن ذلك.
ولكثرة ما اعتدنا على قفشات بلحسين، فقد كان الزميل سفيان إندجار، من يومية "الأخبار"، يحب أن يستضيفه عندنا في الغرفة، على أنه هو الآخر كان يجد في معيتنا سلوة له، تمنحه حافزا أكبر على العمل والبذل، فيرحب بسرعة، وغالبا ما تهم نقاشاتنا يوم عملنا، والبرنامج الذي يتعين علينا أن نعده لليوم الموالي، قبل أن يتحفنا بلحسين بذكرياته من الرحلات الكثيرة التي قادته إلى العالم، وكيف أضحك كثيرين، ضمنهم وزراء، ورجالات دولة، ورياضيين نجوم، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وكيف بقي محبوبا من لدن الجميع.
يحتفظ بلحسين، وهو الذي صار قريبا من التقاعد، وإن كان شابا بعد، بشعره الأسود، وجسمه المتناسق، ووجهه الضحوك، بأرشيف هائل من الصور التاريخية، وبقدرة خارقة على الضحك، ويحب الناس كثيرا، أيا كان جنسهم أو دينهم، كما أنه يمتلك سحرا خاصا في التقاط الصور بدقة عالية، رغم معاناته مع مرض السكري، الذي سلب منه بعض القوة في الرؤيا، دون أن يسلب منه قوة العزيمة، وحب العمل، وقول الحق في وجه الجميع، بل والنصيحة السديدة في الأوقات الحرجة.
في مرة من المرات جاءنا بلحسين إلى الغرفة رقم 421B، حيث كان إندجار يكاد النوم يسرقه وفي يديه "الأيباد"، لكثرة ما كان يعمل، فظننا أنه يرغب في أن نسدي له خدمة، فاستوينا كل في موقعه ننتظر ما سيقول. فما كان منه إلا أن غمز بعينيه، وهمس لنا:"أريدكما أن تعيناني على مقلب أجهزه لبلمكي". صمت برهة، بينما كنا نكاد ننفجر من الضحك، ثم أتم:"ستقولان لي إنكما لم تتوصلا بصور اليوم، وسأعلن استغرابي لذلك، ونرى ما سيفعل الرجل. هل أنتما متفقان؟".
وهل كان يمكننا أن نرفض عرضا كهذا؟
الذي حدث لاحقا أن بلمكي، وهو الذي يكن حبا قدسيا لكمبيوتره الأسود الصغير، أعلن غضبه في التو، وراح يسب، ويصرخ، ويقسم بأنه بعث الصور، ويقدم الأدلة تلو الأخرى على ذلك، فيما كان بلحسين يستغرب، ويؤكد بأن في الأمر خطأ ما، ثم ما أن انصرف زميله ليدقق في الأمر حتى انفجر ضاحكا وقد بلغ مأربه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلحسين فاكهة الرحلة بلحسين فاكهة الرحلة



GMT 12:17 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 16:26 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"كاف إقامة أمم أفريقيا 2023 في الصيف

GMT 14:10 2019 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المنع المتخذ في حق الجماهير الشرقية

GMT 09:10 2019 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تذاكر "الديربي"..خطأ إدارة الوداد

GMT 12:20 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تكتيك الديربي مفاتيح القمة العربية

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 20:11 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 17:07 2022 الجمعة ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الوداد المغربي يستعيد لاعبين بارزين قبل دوري الأبطال

GMT 18:37 2018 الأحد ,10 حزيران / يونيو

الصحابية عاتكة بنت زيد زوجة الشهداء

GMT 18:50 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

طبيب المنتخب الإماراتي يمنح محمد عبدالرحمن راحة سلبية

GMT 20:56 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

"عفة" تقدم مجموعة عباءات بتصاميم مبتكرة للشتاء

GMT 08:56 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم و أبرز اهتمامات الصحف المصرية الصادرة الجمعة

GMT 06:34 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

فورد تخوض غمار سيارات الهاتشباك بـ مونديو استيت 2017

GMT 14:30 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:07 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إدارة سجن وجدة تُصدر بيانًا بشأن ادّعاءات اغتصاب راقي بركان
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca