الرئيسية » اقتصاد عربي
لبنان يرفض قوانين العالم ويجيز حرية التعاملات بالعملات الأجنبية داخليًا

بيروت - المغرب اليوم

هل يُعقل أنّ القوانين في كل بلدان العالم تفرض التعامل بالعملة الوطنية في التعاملات الداخلية إلّا في لبنان التعامل بالعملات الأجنبية حرّ؟ أليست العملة الوطنية هي عنوان من عناوين السيادة الوطنية؟ ألا يُسبّب هذا الأمر ضغوطات على العملة الوطنية؟ أسئلة مشروعة تفرض إعادة النظر بحرّية التعامل بالعملات الأخرى في التعاملات الداخلية.

تكتسب العمّلة الوطنية أبعادًا تتخطى بُعدها الإقتصادي البحت، فهي أكثر من وسيلة تبادل في الإقتصاد. ولا يقتصر دور العملة على التبادل التجاري، بل تمتلك أبعادًا إستراتيجية مثل «تعزيز الهوية الوطنية» أو «إعطاء اللون السياسي للحكومات» وغيرهما. والمعروف أنّ الرأي العام في الدول المُتطورة يتأثر بقوّة العملة الوطنية، حيث أنّ توقعات دائمة بانخفاض العمّلة تُثير الرأي العام تجاه السلطة السياسية وتؤدّي إلى خسارتها في الإنتخابات.

العوامل التي تؤثّر على قيمة العملة الوطنية كثيرة ونذكر منها:

أولًا- العوامل الإقتصادية: وعلى رأسها السياسة الإقتصادية للحكومة التي تُحدّد مدى قوة الإقتصاد الوطني. وبما أنّ «العملة تعكس قوّة الإقتصاد» كما هو معروف في النظرية الإقتصادية، فبالتالي كلما كان الإقتصاد قوياً كانت العملة قوية والعكس بالعكس.

ثانيًا- العوامل السياسية: وعلى رأسها سياسة الحكومة الداخلية والخارجية. فالتخبّط السياسي له تأثير سلبي على العملة الوطنية، من ناحية أنه يُقلّل من ثقة المُستثمرين وبالتالي تقلّ الإستثمارات ومعها الناتج المحلّي الإجمالي، أي حجم الإقتصاد. كما أنّ السياسة الخارجية تؤثّر على صادرات البلد إلى الخارج وعلى تحاويل المغتربين مما يؤثر سلبًا على الناتج المحلّي الإجمالي ومعه العملة الوطنية.

ثالثًا- العوامل النقدية: خصوصًا تلك المُرتبطة بسياسة المصرف المركزي النقدية، إذ كلما كانت سياسة المركزي «تقييدية» كانت العملة أقوى والعكس، كلما كانت سياسة المركزي «توسعية» تنخفض قيمة العملة.

رابعًا- العوامل المالية: بالطبع هنا العامل الوحيد هو مالية الدولة التي تؤثّر على سعر صرف العملة مباشرة من خلال الإفراط بالإستدانة أو بشكل غير مباشر عبر ضرب الإستثمارات، وذلك من خلال المضاربة مع القطاع الخاص على أموال المصارف.

خامسًا- العوامل القانونية: وهنا نقصد بالتحديد القوانين المرعية الإجراء والتي تُحدّد قوانين اللعبة المالية والإقتصادية إن من ناحية حصرية إستخدام العملة في التعامل الداخلي أو من ناحية حريّة العمليات في الأسواق المالية (بهدف المضاربة مثلًا).

سوء هذه العوامل يؤثّر بشكل مباشر على قيمة العملة الوطنية التي قدّ تخسر من قيمتها في الأسواق. وهذا ما يُبرّر بشكل أساسي تغيّر العملات في الأسواق المالية. بالطبع في البلدان ذات الإقتصادات الضعيفة، الإنخفاض في سعر صرف الليرة تكون له تداعيات إجتماعية كارثية وتداعيات نفسية على المواطن من ناحية شعوره بالإذلال.

وردّة الفعل الطبيعية هي قيام المواطن بشراء العملات الصعبة عبر التخلّص من عملته الوطنية، ما يخلق بحدّ ذاته ضغطًا على هذه الأخيرة وتصبح السلطة السياسية رهينة الأسواق المالية. من هذا المنطلق، تأتي سياسة الثبات النقدي لمنع مثل هذا السيناريو.

لكن السؤال الأساسي المطروح في الحالة اللبنانية: هل تستطيع السياسة النقدية وحدها المُحافظة على العملة إذا كانت كل العوامل الأخرى الآنفة الذكر تلعب ضدّ الليرة اللبنانية؟
العوامل الإقتصادية، السياسية والمالية هي عوامل مُتردّية في لبنان ومعروفة من الجميع. أمّا القوانين (أو أقلّه Les us et coutumes) فهي تسمح باستخدام عملات غير الليرة اللبنانية في التعاملات الداخلية وهذا كلّه يُحفّز اللبناني على التخلّص من الليرة اللبنانية لصالح الدولار الأميركي عملًا بمبدأ المصلحة الذاتية العقلانية (Rational Self Interest).

هذا الأمر غير مقبول لأنّ السياسة النقدية لمصرف لبنان والتي تعتمد الثبات النقدي لا تستطيع وحدها الوقوف في وجه كل العوامل الأخرى التي تؤثّر سلبًا على الليرة اللبنانية، فمن هذا المُنطلق، هناك إلزامية التصويت على قانون يمنع إستخدام أي عملة غير الليرة اللبنانية في التعاملات التجارية والإقتصادية الداخلية تحت طائلة العقوبات مع حفظ حريّة الفرد بإمتلاك العملات التي يريدها في حسابه المصرفي وحرية تبديلها بأي عملة بهدف الإستثمار مع منع المضاربة على الليرة اللبنانية.

هذا الإجراء ليس بفريد من نوعه، ففي فرنسا مثلًا، لا يُمكن التعامل في المُعاملات الداخلية إلّا بالعملة الوطنية (سابقًا الفرنك الفرنسي وحاليًا اليورو). وهذا نابع من الحفاظ على هذه العملة وعدم السماح بخلق طلب داخلي على العملات الصعبة تُعقّد من مهام المصرف المركزي الفرنسي، ووبالتالي إذا كان التعامل بعملات غير العملة الوطنية ممنوع في التجارة الداخلية في فرنسا، لماذا نسمح بذلك في لبنان؟ باعتقادنا هذا ترفّ لا نمتلكه!.

تقدّم النائب هاكوب ترزيان من مجلس النواب بمشروع قانون مُعجّل مكرّر ينص على «إلزام الشركات التي تُدير مرافق عامّة التعامل بالعملة الوطنية اللبنانية حصرًا»، وعلّل النائب الأمر بخمس نقاط: العمّلة هي رمز السيادة الوطنية؛ الوضع الإقتصادي - المالي - والنقدي الدقيق؛ خطرّ خلق عدم إستقرار العملة الوطنية نتيجة التعامل بالعملة الأجنبية؛ أهمية الحفاظ على قوّة الليرة؛ وحجم أعمال شركتي الخليوي التي تتقاضى فواتيرها بالدولار الأميركي. وحسنًا فعل النائب ترزيان بتقديم هذا المشروع لما له من تداعيات إيجابية على الليرة اللبنانية.

في الواقع، يجب الذهاب أبعد من ذلك، من خلال منع أي تعامل تجاري داخلي (سلع وبضائع وخدمات للإستهلاك) بالعملة الأجنبية. هذا الأمر كفيل بتخفيف الضغط على الليرة اللبنانية وبالتالي على إحتياط العملات الأجنبية في مصرف لبنان بنسبة لا تقلّ عن 30 إلى 40%. وهنا يتوجّب الأخذ بعين الإعتبار المصلحة العامّة على حساب المصالح الخاصة، فالأمر قد يأخذ منحى سلبياً مع بروز مخاوف من أن تعمد الشركات الأجنبية التي ستُشارك بمشاريع عامّة ضمن مشاريع «سيدر» أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلى فوترة أتعابها على المواطنين بالعملات الصعبة. إذ من المُمكن أن نرى شركات تُصدر فواتير باليورو، اليوان الصيني، والروبل الروسي.

ومنع التداول بعملات غير الليرة اللبنانية في الداخل هو إجراء قد يُساء فهمه نظرًا للظروف المالية الصعبة التي تمرّ فيها البلاد. لكن المطلوب بكل بساطة تطبيق الإجراءات التي تنص عليها القوانين الإقتصادية كما في البلدان الأخرى من خلال فرض التعامل بالليرة اللبنانية في التعاملات التجارية داخل لبنان من دون المس بحرّية إمتلاك العملات الصعبة للاعبين الإقتصاديين، حيث تنصّ المادّة الأولى من قانون النقد والتسليف وانشاء المصرف المركزي على أنّ «الوحدة النقدية للجمهورية اللبنانية هي الليرة اللبنانية». هذا النص القانوني يُعطي صفة جوهرية إضافية للهوية اللبنانية ألا وهي العملة الوطنية المُسمّاة «الليرة اللبنانية». 

قد يهمك أيضا .. 

الموازنة الأميركية تسجل عجزًا قدره 192 مليار دولار

الخارجية المغربية تشيد بشمول الموازنة الأميركية لعام 2019 مساعدات للصحراء

View on casablancatoday.com

أخبار ذات صلة

ارتفاع أسعار الأعلاف لمستويات قياسية في مصر
لبنان يخوض الاختبار الأصعب في رحلة توحيد أسعار الصرف
الكاظمي يبحث مع سفير إسبانيا ملفات الطاقة والاستثمار ومكافحة…
تباين في أداء المؤشرات العربية والسوق السعودي يرتفع
الإمارات تحتل مكانة متقدمة في تعافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة

اخر الاخبار

الشرطة الأميركية تعلن سرقة مجوهرات بقيمة مليوني دولار في…
تقرير دولي يُشيد بالمنظومة الاستخباراتية المغربية كنموذج متقدم في…
الملك محمد السادس يهنئ رئيسة الهند بعيد الاستقلال ويشيد…
الشرطة الإسبانية تُطالب الحكومة بتوقيع اتفاقيات لإعادة المهاجرين مع…

فن وموسيقى

تامر حسني يؤكد إستمرار علاقته الفنية مع بسمة بوسيل…
الفنان سعد لمجرد يعود إلى المهرجانات المغربية بعد غياب…
لطيفة تكشف رغبتها في تقديم أغنية مهرجانات وتتحدث عن…
أشرف عبد الباقي يتحدث عن كواليس "جولة أخيرة" ويؤكد…

أخبار النجوم

رامي صبري يكشف رأيه بتجربته الأولى في The Voice…
إستغاثة مؤثرة من نجوى فؤاد تكشف معاناتها والوزير يتحرك…
كندة علوش تكشف عن رأيها في أداء زوجها بفيلم"درويش"
جميلة عوض تعود بقوة إلى شاشة السينما بعد فترة…

رياضة

انتقادات تطال محمد صلاح بعد خسارة ليفربول وغياب أرنولد…
المغربي أشرف حكيمي ينفي تهمة الإغتصاب ويؤكد ثقته الكاملة…
محمد صلاح يتلقى عرضاً خيالياً جديدًا من الدوري السعودي
أشرف حكيمي يوجه رسالة للمغاربة بعد الزلزال المدّمر

صحة وتغذية

الذكاء الاصطناعي قادر على اكتشاف سرطان الحنجرة عبر تحليل…
بشرى لمن يريد خسارة الوزن بعد تصنيع دواء يفقد…
قضاء 15 دقيقة يوميًا في الطبيعة قد يكون الحل…
فوائد صحية مذهلة مرتبطة بالقلب والمناعة للأطعمة ذات اللون…

الأخبار الأكثر قراءة