هل من صلة بين نهايات أزمة الخليج ومصائر «صفقة القرن»؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل من صلة بين نهايات أزمة الخليج ومصائر «صفقة القرن»

بقلم : عريب الرنتاوي


هل ثمة من علاقة (مباشرة أم غير مباشرة) بين أزمة الخليج والمضيق، المتأسسة على برنامج إيران النووي وعقوبات واشنطن أحادية الجانب على طهران، و»صفقة القرن» بفرضياتها الأساسية ومجرياتها ومالاتها؟ سؤال لا تستدعيه فقط، «التسريبات» بخصوص رسالة جارد كوشنير إلى القيادة الإيرانية عبر الوسيط العُماني والتي يعرض فيها «تسييل» أموال إيرانية مجمدة في المصارف الأمريكية، نظير «تخفيف» طهران حدة رفضها للصفقة وتحريضها عليها، وإنما يجد مبرره الأساس في «فرضيتين مؤسستين» للمشروع الأمريكي لحل قضية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
 الفرضية الأولى؛ وتقول إن الصراع الرئيس في الإقليم هو ذاك المحتدم منذ سنوات، وفي عدة ساحات، وبمختلف الأدوات، بين طهران وحلفائها من جهة بقيادة واشنطن من جهة ثانية ... ما يعني أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بات «تفصيلاً» قليل الأهمية، وأن على العرب القبول بحلف شرق أوسطي، تكون إسرائيل أحد أركانه، لمواجهة التهديد المشترك، والعدو المشترك، قبل حل «النزاع» الفلسطيني – الإسرائيلي، ومن دون انتظار أو حاجة لحله كمقدمة أو شرط لقيام هذا «الحلف غير المقدس».
الفرضية الثانية؛ وتتأسس على الأولى، وتقول إن حل القضية الفلسطينية يمكن أن يتأتى من خلال تشكيل «إطار إقليمي»، من «معسكر الاعتدال» ذاته، بما يتجاوز الفلسطينيين وممثلهم الوطني، وبما يقفز عن «وحدانية التمثيل الفلسطيني وحصريته» في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ... التفاوض مع العرب، والاتفاق معهم، يجعل «الفيتو» الفلسطيني ضد أية صيغة للحل النهائي، لاغية وكأنه لم يكن.
من يراقب تطورات العامين الفائتين، منذ بدأت إدارة ترامب في بلورة مبادرتها «الفريدة» و»الخلاقة» يلحظ أن هاتين الفرضيتين ما فتئتا تتآكلان، وبتسارع مذهل، يسهم في إشاعة مناخات من اليأس والإحباط في أوساط القائمين على المبادرة، في واشنطن وتل أبيب سواء بسواء، سيما في ظل «انكشاف دولي» غير مسبوق، للسياسات الأمريكية على المسارين الفلسطيني والإيراني ... فالرهانات الأمريكية على بعض الأنظمة العربية وقدرتها الفائقة على إحداث الاستدارة في السياق الإقليمي العام، اصطدمت بتجربة الفشل المتكرر، في غير جبهة وعلى أكثر من صعيد ... فلا مؤتمر وارسو نجح في وضع أسس «الناتو الشرق أوسطي» ولا «الناتو العربي» رأى النور، فيما ينبئ تصاعد الأزمة بين إيران والولايات المتحدة، بارتفاع منسوب القلق في بعض العواصم العربية (موضع الرهان) من تداعياتها وشراراتها الحارقة والمتطايرة، واتجاهها للانسحاب أو التراجع عن مواقف «هجومية» سابقة، سواء ضد إيران مباشرة أو ضدها في ساحات «حروب الوكالة».
كما قوبل الرهان الأمريكي على «الإطار الإقليمي» بمواقف عربية ذات صلة مباشرة بالقضية الفلسطينية (الأردن مثلاً) رفضت الفكرة من جذرها، وشددت على «حل الدولتين» وعلى شرعية ووحدانية التمثيل الفلسطيني وحصريته في إطار القيادة الفلسطينية ... هذا أمر مخيب لآمال من تعاملوا مع الموقف الأردني من باب «تحصيل حاصل»، مظهرين جهلاً كبيراً بتطورات المشهد الداخلي والتبدلات في معادلات القوة وأوزانها بين مختلف اللاعبين المحليين.
نتائج المواجهة الأمريكية – الإيرانية الأخيرة في الخليج والمضيق، قد تقضي على ما تبقى من رهان على فرضية «الإطار الإقليمي» إن نجحت إيران في «الصمود» أمام رياح العقوبات والحصار العاتية ... ونقول «الصمود» وليس «الانتصار» ... ذلك أن نجاح إيران في الخروج من هذه الأزمة بمعادلة «رابح – رابح» سوف يحدث تبدلاً في موازين القوى الإقليمية، وسوف يصيب  نزعات الغطرسة والهيمنة «الترامبية»، في مقتل، وقد يسهم في تبريد بعض «الرؤوس الحامية»، وسوف يشعر حلفاء واشنطن في الإقليم بأن الرهان عليها قد لا يكون عملاً صائباً في بعض الأوقات أو معظمها ... هنا، ستتراجع أوزان القوى والمراكز العربية المرشحة للقيام بدور رئيس في توفير «الإطار الإقليمي» لحل القضية الفلسطينية، وستضعف قدرتهم على تسويق الحل الأمريكي أو فرضه على الفلسطينيين والأردنيين، وسيعود الفلسطينيون مرة أخرى، رقماً صعباً في معادلة الشرق الأوسط، وسيعاد الاعتبار لقرارات الرباط حول منظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي وصاحبة الوكالة الحصرية للتحدث باسم الفلسطينيين، وستتوفر الفرصة لاستعادة المكانة المحورية للقضية الفلسطينية على الخريطة الإقليمية.
بالطبع، سيكون لتطور كهذا إن حصل (وليس ثمة ما يمنع حصوله، بل أن حصوله يبدو مرجحاً)، أعراض جانبية، من شأنها التأثير على معادلة القوة وأوزانها في عديد من الساحات والدول العربية ... في فلسطين، قد تجني حماس والجهاد ثمار تطور كهذا، وفي لبنان سيجني حزب الله وحلفائه الثمار ذاتها، أو أكثر منها، وكذا الحال في اليمن والعراق... لكن الخلاصة الوحيدة التي يخرج بها المراقب، هي أن مصائر «صفقة القرن» باتت ترتبط أكثر فأكثر بأزمة الخليج ونهايات المواجهة الأمريكية – الإيرانية المحتدمة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل من صلة بين نهايات أزمة الخليج ومصائر «صفقة القرن» هل من صلة بين نهايات أزمة الخليج ومصائر «صفقة القرن»



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 08:05 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أزياء أسبوع ميلانو لموضة الرجال جريئة ومسيطرة

GMT 06:29 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

منع أقدم سجناء "غوانتانامو" من قراءة كتاب دون أسباب

GMT 12:15 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

"ثقافة الإسكندرية" تعلن عن إصدار 4 كتب جديدة

GMT 09:23 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

النمر التسماني يظهر مجددًا بعد الاعتقاد بانقراضه

GMT 10:40 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

الزخرفة تميز "دوتشي آند غابانا" في صيف 2018

GMT 11:44 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

وزير الفلاحة والصيد البحري يصل إلى مدينة جرادة

GMT 05:38 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

كتاب جديد يشرح خبايا السيرة الذاتية لبيريغيت ماكرون

GMT 05:51 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

حمادة هلال يطرح كليب "حلم السنين" في عيد الحب المقبل

GMT 07:18 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

نظام تعليمي إنجليزي متطور يمنح الشهادة الجامعية في عامين

GMT 16:56 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

مصطفى أوراش يوجه أسئلة محرجة لرئيس طانطان لكرة السلة

GMT 10:43 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية مالم تعد من أجمل الأماكن لجمع العائلات وقضاء العطلات

GMT 01:00 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص يحتجز نجله داخل غرفة في مكناس لمدة 3 سنوات

GMT 09:59 2017 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تُعلن أن الغضب المكبوت يُسبّب السرطان

GMT 08:42 2015 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

تنافس تسع فنادق عالمية على جائزة أفضل تصميم
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca