اتهام الإعلام بالتهويل

الدار البيضاء اليوم  -

اتهام الإعلام بالتهويل

عبدالرحمن الراشد
بقلم : عبدالرحمن الراشد

الأكيد أنه لو امتنع كل شخص عن المخالطة الاجتماعية، لما انتشر «كورونا». ولو أن أحداً لم يخرج من المدينة الموبوءة، ووهان، لما صار «كورونا» وباءً.

كثيرون يلومون الإعلام على التعامل مع جائحة «كورونا المستجد»، وهي هواية مفضلة عند مَن لا يعمل فيه. يتهمونه بنشر الرعب في قلوب الناس، فتهدد المدن بالفوضى، من التدافع على الأسواق فارتفاع الأسعار، بل وانقطاع الإمدادات، وأن بث الهلع يدمر حياة الناس.
وفي هذا شيء من الصحة، إنما في التهمة مبالغة وتناقض في آن.
فرسالة الحكومات للناس «أن تحجر على نفسها في بيوتها»، من أجل سلامتهم. أغلبيتهم لم تفعل في البداية، مع وقف العمل، ملأ الناس الشواطئ والأسواق والمقاهي. جاءت النتيجة أسوأ مما خطط له. فاضطرت معظم الحكومات إلى إغلاق المحلات ووقف الخدمات. وحتى هذه لم تمنع نسبة من الناس من ممارسة حياتها العادية، واستمرّت التجمعات. مع مرور الوقت وارتفاع الإصابات، اتضح، بما لا يدع مجالاً للشك، أن هناك علاقة بين الخروج والتخالط وارتفاع الإصابات، لتفرض الجهات الرسمية الحظر الجزئي. وبعد تمعّن، تبين أن مدناً وأحياء انتشر فيها الوباء أكثر من غيرها بسبب التهاون واللامبالاة، لهذا تم استهدافها بالحظر الكامل الذي يمنع الخروج. لا نتوقع من الإعلام وسط هذه الإجراءات التي لا سابقة لها في العالم أن يقوم بدور المطمئن وتسويق الوهم بأن كل شيء على ما يرام، وترديد ما يقوله البعض بان «كورونا» لا يستحق هذه الفرقعة الإعلامية والإجراءات الحكومية المتشددة.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي اختار في البداية خطاب التهوين، وعندما وصلت إليه الإحصائيات التي تشير إلى كارثة كبرى ستصيب نيويورك، خرج للعلن وحذر بأنه سيفرض الحجر الكامل على المدينة، وبعدها بيوم تراجع. الحقيقة ليس لأن كل أهل نيويورك المكتظة بالسكان التزموا البقاء في منازلهم، بل لأن الحكومة لا تملك ما يكفي من العسكر لإجبار عشرة ملايين إنسان على عدم الخروج، بخلاف الصين؛ ففي مقاطعة هوبي، عاصمتها ووهان التي انطلق منها الفيروس، لجأت السلطات إلى القوة العسكرية لوقف الحياة العادية، وانتشر الجيش مسلحاً في الأحياء، وتم إغلاق كامل المدينة الموبوءة، وتم منع الناس بالقوة من الخروج، وجُرّ من بيته كل من عُرِف أنه يعاني من أعراض المرض للمستشفيات أو الحجر الصحي. ولو لم تفعل الصين ذلك، لربما صار عدد المصابين عشرات الملايين.
ما علاقة ذلك بالإعلام والتهمة الملصقة به؟ في ظل عدم استعداد معظم الحكومات أو عجزها عن مجاراة الصين، فإن التوعية والتحذيرات الصحية من أهم وسائل الوقاية، وإلا فإن الكارثة ستكبر. إن التهاون في إيصال رسائل إعلامية واضحة إلى ملايين الناس نتيجتها كارثية. ومن دونها، فإن العديد من أفراد المجتمع لن يتفاعل، وستستمر المقاهي والتسوق والتجمع ونشر الفيروسات على نطاق واسع جداً. لا بد أن تكون المعلومات صحيحة وصادقة مهما كانت صادمة. الخوف من «تخويف» الناس نتيجته سلبية، وهذه مسؤولية خطيرة في زمن الكوارث الكبرى. القرارات الحكومية القاسية تعكس القلق عند صُنّاع القرار، لأنهم يملكون معلومات كافية عن الآتي، وهنا يختلف القادة في تحملهم المسؤولية وإصدار القرارات الضرورية. ولا يمكن للإعلام بدوره أن يقنع الناس بتقبل النصح والتوجيهات دون أن يصارحهم مهما كانت الحقيقة مؤلمة. بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا الذي ألقى خطاباً مكتوباً بعناية، قال كلاماً كثيراً، لكن المستمعين له استوقفتهم جملة روّعت الناس عندما رددتها وسائل الإعلام: «المزيد من العائلات ستفقد أحبة لها». واتهمه البعض باللامسؤولية لأن لندن، في اليوم التالي، صارت مدينة أشباح، وتوقفت حركتها التجارية. الحقيقة نعرفها اليوم، مرّ على الخطاب نحو عشرين يوماً، وفي المستشفيات 25 ألف مصاب، وحتى جونسون وعدد من قيادات حكومته أصيبوا أيضاً. الحقيقة أننا نواجه كارثة أخطر مما قلنا ويُقال.
ووظيفة الإعلام أن ينقل الأخبار مهما كانت سيئة أو مروّعة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اتهام الإعلام بالتهويل اتهام الإعلام بالتهويل



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 08:05 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أزياء أسبوع ميلانو لموضة الرجال جريئة ومسيطرة

GMT 06:29 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

منع أقدم سجناء "غوانتانامو" من قراءة كتاب دون أسباب

GMT 12:15 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

"ثقافة الإسكندرية" تعلن عن إصدار 4 كتب جديدة

GMT 09:23 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

النمر التسماني يظهر مجددًا بعد الاعتقاد بانقراضه

GMT 10:40 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

الزخرفة تميز "دوتشي آند غابانا" في صيف 2018

GMT 11:44 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

وزير الفلاحة والصيد البحري يصل إلى مدينة جرادة

GMT 05:38 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

كتاب جديد يشرح خبايا السيرة الذاتية لبيريغيت ماكرون

GMT 05:51 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

حمادة هلال يطرح كليب "حلم السنين" في عيد الحب المقبل

GMT 07:18 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

نظام تعليمي إنجليزي متطور يمنح الشهادة الجامعية في عامين

GMT 16:56 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

مصطفى أوراش يوجه أسئلة محرجة لرئيس طانطان لكرة السلة

GMT 10:43 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية مالم تعد من أجمل الأماكن لجمع العائلات وقضاء العطلات

GMT 01:00 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص يحتجز نجله داخل غرفة في مكناس لمدة 3 سنوات

GMT 09:59 2017 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تُعلن أن الغضب المكبوت يُسبّب السرطان

GMT 08:42 2015 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

تنافس تسع فنادق عالمية على جائزة أفضل تصميم
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca