أميركا تهدي حلفاءها للصين

الدار البيضاء اليوم  -

أميركا تهدي حلفاءها للصين

نديم قطيش
نديم قطيش

لن يشهد الشرق الأوسط لحظة «ساداتية» أخرى. لن تصحو واشنطن على انتقال مفاجئ لحلفائها في الشرق الأوسط من المعسكر الغربي إلى معسكر الصين، كما انتقلت مصر مع الرئيس الراحل أنور السادات من معسكر الشرق إلى معسكر الغرب.

بيد أن «الهوس» الأميركي بالتوجه شرقا والذي بدا مع الرئيس الأسبق باراك أوباما منذ ولايته الأولى وأكمل في خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترمب ويستمر في عهد الرئيس جو بايدن بحدة عالية وتوتر شديد، أنتج مسارات سياسية في الشرق الأوسط وعند حلفاء واشنطن تحديداً، توحي بأن تغييرات عميقة في تموضع هذه العواصم وحساباتها يحصل يومياً، وأن التحول يحصل ببطء ولكن بثبات.كانت لحظة الانسحاب الأميركي من أفغانستان، بالطريقة التي نفذ فيها الانسحاب، رسالة مقلقة لكل من تعنيه العلاقة بواشنطن، حلفاء وخصوم، سيما وأنها خطوة وضعت في سياق إقفال الملفات التي يفترض أنها تشتت انتباه أميركا وتعيق تركيزها على مواجهة الصين.

إلى ذلك، لمس كل حلفاء واشنطن، من الخليج إلى إسرائيل إلى أوروبا، كل في الملفات الحيوية التي تعنيه، تبعات «الهوس» بمواجهة الصين، التي تتمدد كالنعاس في كامل مناطق النفوذ التقليدي للإمبراطورية الأميركية.كُتب وسيكتب الكثير عن «قصور» النموذج الصيني، وأن القرن المقبل قرن أميركي بامتياز، وأن أحلام الصين التوسعية لا تنسجم مع ضعف الملاءة المالية لبكين، وأن النفوذ وحده لا يكفي كي تحوز الصين على مثيل الانبهار الكوني بالنموذج الأميركي، وقواه الناعمة المتعددة... كل هذا صحيح، أو يمتلك نصيباً وافراً من الصحة.

بيد أن ما أسميه «الهوس» الأميركي بالصين، معطوفاً على بث ما يكفي من الرسائل عن الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، بات يلعب لصالح المزيد من تقارب حلفاء واشنطن الكلاسيكيين مع بكين. وبكلام أكثر مباشرة، إذا كان «الهوس» بالصين يعني مواجهة أميركا لنفوذ الصين، فعلى من يبغي المواجهة أن يضمن حلفاءه الشرق أوسطيين إلى جانبه لا العكس.
الصين في نسختها الجديدة ليست الدولة القائدة لحلف يضم إيران وكوريا الشمالية وروسيا.

الصين باتت شريكاً تجارياً رئيسياً لدول عدة منها السعودية والإمارات وإسرائيل، في حين لا تظهر إيران حتى بين أول خمسة شركاء تجاريين. كما أن بكين تتوسع في بناء شراكات استراتيجية مع هذه الدول في قطاعات البنية التحتية والتكنولوجيا والتسلح.
فالصين تحتل موقعاً استراتيجياً في «رؤية 2030» كأحد الشركاء الاستراتيجيين للسعودية التي ينفذ الأمير محمد بن سلمان، خطة طموحة لتنويع اقتصادها وتحريره من الاعتماد على النفط.
كما أن العلاقات الشخصية، كما كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال»، بين الأمير الشاب والرئيس الصيني تتميز «بالانسجام»، في عالم بات يلعب فيه العامل الشخصي الكثير من الأدوار. وقد كانت لافتة، في ظل الحملات على المملكة، زيارة ولي العهد إلى بكين عام 2019 حيث أجرى محادثات مع الرئيس شي، وأبرما خلالها اتفاقاً نفطياً بقيمة 10 مليارات دولار.
أما العلاقات الإسرائيلية - الصينية، مثلاً، فباتت تثير حساسيات علنية بين واشنطن وتل أبيب حتى في عز التناغم بين السابقين بنيامين نتانياهو ودونالد ترمب. وقد برزت حساسيات مماثلة في المراسلات واللقاءات بين وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد نظيرة الأميركي أنتوني بلينكن. فشركة صينية تدير ميناء حيفا، وشركة أخرى تبني الخط الأحمر في القطار الخفيف في تل أبيب، ويشارك الصينيون في مشروع تحلية المياه فيسوريك، بالإضافة إلى عدد كبير من مشاريع البنية التحتية والمواصلات.
وبرزت مؤخراً على نحو مشابه حساسيات أميركية - إماراتية ذات خلفيات صينية.

ففي صلب تهديد أبوظبي بالانسحاب من صفقة شراء طائرات «إف - 35»، الذي كشفت عنه صحيفة «وول ستريت جورنال»، خلافات «سيادية» سببها شروط أميركية على الإمارات لتخفيف الاعتماد على تقنية اتصالات الجيل الخامس عبر شركة «هواوي» الصينية، بذريعة أن الشبكة قد تكون باباً خلفياً للتجسس الصيني على أسرار الصناعة العسكرية الأميركية.
في الفترة نفسها، أكد المستشار السياسي والدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، الدكتور أنور قرقاش، أن سلطات بلاده أوقفت العمل بمنشأة صينية، بعد ضغط من الولايات المتحدة، بسبب شكوك لدى واشنطن أن بكين تريد استخدام الميناء لأغراض عسكرية، تنفيها أبوظبي نفياً قاطعاً.

أما سياسياً، فيمكن ملاحظة الرهانات المتنامية على الصين للعب دور أكثر فاعلية في الملف الأكثر أهمية لحلفاء واشنطن في المنطقة وهو ملف إيران. في هذا السياق، يقول رئيس الموساد السابق أفرايم هاليفي في محاضرة مؤخراً، إن «اللاعب الوحيد الذي يمكن أن يكون فعالاً في إحراز تقدم في مناقشات فيينا هو اللاعب الوحيد الذي لا نسمع موقفه من القضية الإيرانية، وهو الصين». وأضاف «لن أبالغ إذا قلت إن الاقتصاد الإيراني يعتمد بشكل رئيسي على الصين. ربما يكون تأثير الصين على سياسة إيران هو أكبر تأثير لقوة أجنبية على إيران. لم يسبق، في التاريخ، أن توفرت للصين فرصة للمساهمة الحاسمة في استقرار العالم كما تتوفر لها اليوم في فيينا».
وهذا تقييم لا يختلف كثيرون فيه مع هاليفي.

الخروج من الشرق الأوسط لمواجهة الصين يوفر فرصة للصين على عكس ما تسعى واشنطن. أما المبرر الأبرز وهو تحرر أميركا من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط ففيه الكثير من السذاجة الغريبة. لقد كشفت جائحة كورونا حجم الخل الحاصل في سلاسل الإنتاج في العالم لصالح تركزها في الصين.

أميركا تعتمد على مصانع الصين، ومصانع الصين تعمل بنفط الشرق الأوسط، لا سيما نفط حلفاء واشنطن. ما يعني أن اعتماد أميركا على نفط الشرق الأوسط قد يكون أكبر مما سبق في تاريخها، كما يلاحظ عدد من أبرز استراتيجيي العاصمة الأميركية أنفسهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا تهدي حلفاءها للصين أميركا تهدي حلفاءها للصين



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 17:46 2015 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار سيارة كيا سيراتو 2016 في المغرب

GMT 04:55 2016 السبت ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تجدد الخلاف بين الهنديتين ديبيكا بادكون وكاترينا كيف

GMT 04:52 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق تنظيف الباركيه والعناية به

GMT 05:03 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

أنطونيو بانديراس يُقدِّم عطرًا جديدًا جذّابًا ومنعشًا

GMT 12:12 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

منة حسين فهمي ترفع شعار "الكلاب يدخلون الجنة"

GMT 15:38 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار سيارة اودي تي تي 2016 في المغرب

GMT 13:25 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الأمن توقف سبعة سلفيين في مدينتي طنجة وفاس

GMT 09:13 2018 الأحد ,10 حزيران / يونيو

"فوكسهول" تطرح سلسلة سيارات FB-Victor رائعة منذ 1961
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca